آراء حرة

05:04 مساءً EET

ناصر بن تركي يكتب: قراءة في تاريخ جمع القران

لم تكن قضية جمع القرآن مطروحة في عهد الصحابة والتابعين لأنهم يعلمون جيداً أن الرسول أمر بجمع القرآن وترتيب السور والآيات كما أوحيت إليه نطقاً وكتابةً بالتسلسل والشكل الذي بين أيدينا اليوم ولكن بعد عقود من رحيل الجيل الأول سعى أعداء الدين إلى التشكيك في تاريخ جمع القرآن لأسباب لا تخفى على الباحثين في التاريخ الإسلامي من خلال روايات تدّعي أن الرسول توفي والقرآن مبعثر إلى أن جمعه الخليفة الأول أبو بكر الصديق.

سنرى سويا أن الروايات التي تقول أن القرآن لم يجمع في حياة الرسول “ص” تتعارض مع القرآن ومع الروايات التاريخية المنسوبة للرسول والتي تثبت أن القرآن جمع في المصحف في حياته “ص”.

———————–

أولا: أدلة من القرآن

قال تعالى

“إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون”

قال تعالى

“لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ”

تقول الآيات أن الرسول كان يتلو القرآن من صُحف وهذا يقودنا إلى احتمالين:

* إما أن يكون الرسول هو الكاتب وحدث هذا بمعجزة إلهية لأنه لم يكن يعرف الكتابة والقراءة قبل نزول الوحي

“وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ”

* وإما أن يكون قد حفظها نطقا وكتابة وأمر أحد كتبة الوحي بكتابتها كما رآها.

بغض النظر عن الاحتمالين، فقد تم تدوين القرآن وحفظه كما أمره الله عز وجل،

قال تعالى

{ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ }{ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ }

{ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ }{ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ }

“سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى”
“وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً”

الآيات تبين حرص الرسول وعجلته في ترديد الآيات لكي يحفظها كما تطمئن الرسول أن الله هو من سيتولى أمر جمعه وقرآنه ولا داعي للعجلة لأنه سينسخ في عقلك ولن تنساه.

———————–

أدلة من السنة

جبريل يعرض القرآن على الرسول في كل عام

قالت عائشة وفاطمة رضي الله عنهما: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن جبريل كان يعارضني القرآن في كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي” .

أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام 3/ 1326 حديث 3426

المسجد النبوي فيه نسخة من القرأن لمن أراد أن يقرأ أو ينسخ، كما ورد في حديث سلمة ابن الأكوع

عن سلمة وهو ابن الأكوع أنه كان يتحرى موضع مكان المصحف يسبح فيه، وذكر أن رسول الله كان يتحرى ذلك المكان، وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر شاة ”

صحيح مسلم ج2ص59 وأخرجه البخاري في صحيحه ج1ص127 بأدنى اختلاف ، وابن ماجة ج1ص459 والسنن الكبرى للبيهقي ج2ص271

النبي يعطي وفود القبائل مصاحف لكي يتعلموا الدين كما حدث مع وفد ثقيف وحديث عثمان ابن أبي العاص

” عن أبي محرز أن عثمان بن أبي العاص وفد إلى رسول الله مع ناس من ثقيف فدخلوا على النبي، فقالوا له : احفظ علينا متاعنا أو ركابنا.

فقال : على أنكم إذا خرجتم انتظرتموني حتى أخرج من عند رسول الله.

قال : فدخلت على رسول الله فسألته مصحفا كان عنده فـ أعطانيه واستعملني عليهم وجعلني إمامهم وأنا أصغرهم ”

.المعجم الكبير للطبراني ج9ص61ح8393.

الرسول ينهى أصحابه عن كتابة غير القرآن”دليل على أنهم كانوا يكتبون القرآن”

نهي النبي عن كتابة غير القرآن في أحاديث كثيرة، منها ما رواه الإمام مسلم في صحيحه: “لاَ تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا إِلاَّ الْقُرْآنَ فَمَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ ”

روايات تثبت أن المصاحف كانت مكتوبة في زمن النبي

” عن نافع عن ابن عمر قال: ” سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو ”

عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال : ” أعطوا أعينكم حظها من العبادة، قالوا يا رسول الله وما حظها من العبادة ؟ قال: النظر في المصحف والتفكر فيه والاعتبار عند عجائبه ”
” عن ابن عباس قال رسول الله :” من أدام النظر في المصحف متع ببصره ما دام في الدنيا ”

“عن ابن مسعود قال رسول الله: من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف ”

———————–

أسماء الذين أشرفوا على جمع القرآن في عهد النبي

عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول اللّه ؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد.

رواه البخاري

عن الشعبي قال: جمع القرآن على عهد رسول الله ستة: أبيّ، وزيد، وأبو الدرداء وسعد بن عبيد، وأبو زيد.
عن محمد بن إسحاق في أن الجُمَّاع للقران على عهد النبي هم: علي بن أبي طالب وسعد بن عبيد بن معاوية، وزيد بن ثابت.

الفهرست

عن عبد الله بن عمر قال : جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة ، فبلغ النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : اقرأه في شهر

أخرجه النسائي بإسناد صحيح

———————–

الكتابة القرآنية تثبت أن القرآن تم جمعه وكتابته في زمن النبي وتحت إشرافه “ص”

والأمثلة كثيرة:

كلمة الضعفاء كُتبت الضعفاء في معرض الحديث عن الحياة الدنيا

“لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَعَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَيَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ”

وكُتبت الضعفؤا في الحديث عن الآخرة

“وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَـؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ”

كلمة القيامة تكتب “القيمة”

كلمة الرحمان تكتب “الرحمن”

كلمة [فإلم] كٌتِبَت في سورة هود 14 مرة

وكٌتِبَت [فإن لم ] 12 مرة في المصحف.

كلمة [أن لا ] كٌتِبَت هكذا 11 مرة

وكٌتِبَت [ ألا ] 89 مرة.

كلمة [أين ما ] كٌتِبَت هكذا 8 مرات

وكٌتِبَت [أينما ] 4 مرات.

كلمة [فى ما ] كٌتِبَت هكذا 11 مرة

وكٌتِبَت [فيما] 23 مرة.

كلمة [ لكي لا ] كٌتِبَت هكذا 3 مرات

وكٌتِبَت [لكيلا ] 4 مرات.

كلمة [مثل ما ] كٌتِبَت 15 مرة منفصلة ولم تكتب متصلة في عموم المصحف

كلمة [أن لن] كٌتِبَت 11 مرة

وكٌتِبَت [ألن ] هكذا مرتين

كلمة [أن لو] كٌتِبَت 3 مرات

وكٌتِبَت [ألو ] مرة واحدة فقط.

كلمة [كل ما] كٌتِبَت هكذا مرتين

وكٌتِبَت [كلما ] فى 15 موضع آخر فى القرآن

كلمة [سبحان ] كٌتِبَت بالألف الكاملة فى الإسراء 93

وفى 40 موقع آخر كٌتِبَت الألف الخنجرية [سبحن ] أي بدون حرف الألف

كلمة [كتاب] كٌتِبَت بالألف 4 مرات

وفى باقى المصحف بالألف الخنجرية [كتب]

كلمة [صاحب] كٌتِبَت بالألف 9 مرات

و الألف الخنجرية 9 مرات[صحب]

———————–

السؤال الذي يطرح نفسه كيف انطلت الحيلة على السلف مع وجود كل هذه الأدلة الدامغة من القرآن ومن الروايات التي تثبت أن المصحف تم جمعه وحفظه في زمن النبي وعلى أيدي الكثير من الصحابة أمثال أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وعلي ابن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وسعد بن عبيد، كما ورد في البخاري وباقي كتب الحديث والسيرة ؟

———————–

دعونا نناقش الروايات التي تزعم أن القرآن جمع على يد الخليفة الأول أبو بكر الصديق لنثبت أنها دخلت في الموروث الإسلامي بقصد التشكيك في موثوقية القرآن

الرواية الاولى

عن زيد بن ثابت، قال: “أرسل إليِّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إنّ عمر أتاني، فقال: إنّ القتل استمرّ بقُرّاء القرآن، وإنّي أخشى أن يستمرّ القتل بالقُرّاء في المواطن، فيذهب كثيرٌ من القرآن، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال عمر: هو والله خير. فلم يزل يراجعني حتّى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنّك شابّ عاقل، لا نتّهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتتبّع القرآن فاجمعه – فوالله لو كلّفوني نقل جبلٍ من الجبال ما كان أثقل عليَّ ممّا أمرني به من جمع القرآن – قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتّى شرح الله صدري للذي شرح به صدر أبي بكر وعمر. فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع غيره ((لقد جاءكم رسول…)) (التوبة 9: 128) حتّى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتّى توفّاه الله، ثمّ عند عمر حياته، ثمّ عند حفصة بنت عمر”1.

البخاري

تقول الرواية

* أن القرآن لم يكن مجموعا في مصحف واحد !

* عمر هو من أشار بجمعه !

* أبو بكر تردد بحجة أن الرسول لم يفعل ذلك !

*أبو بكر يأمر زيد بجمعه !

* زيد يتردد بحجة أن الرسول لم يفعل ذلك !

* زيد يجمع القرآن ويجد آيات لا يعرفها إلا رجل واحد اسمه أبو خزيمة !

الرواية وردت في صحيح البخاري وهي الرواية المعتمدة عند فقهاء أهل السنة والجماعة للأسف وقد أصبحت حجة لأعداء الدين للطعن في القرآن !

——————————-

الرواية الثانية

قال أبو بكر لزيد وعمر بن الخطاب : “اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه”

(المصاحف لابن أبي داود ص 122، وجمال القراء للسخاوي 1/86، قال ابن حجر: ورجاله ثقات مع انقطاعه . الفتح 9/14 .

هذا الحديث أورده ابن أبي داود، ووثق رواته ابن حجر ولكنه للأمانة العلمية ذكر أن الحديث منقطع وبلا شك أنه حديث مكذوب لأنه يوحي أن الرسول لم يبلغ رسالته كما ينبغي، ولولا “أبا بكر وعمر وزيد” لضاع القرآن !

———————–

في الختام يقول المولى عز وجل

“إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون”

*”أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا”

ناصر بن تركي

كاتب سعودي

 

التعليقات