كتاب 11
انسحاب أميركا!
يبدو أن هناك «فراغاً» سياسياً في العالم بسبب التراجع الأميركي في مواقف مختلفة في المجتمع العالمي. فها هي روسيا تتصدى وحدها تماماً للمشهد السوري وتخطف من أميركا زمام الحل، وأصبحت وحدها تلتقي وفود المعارضة والنظام، ووحدها تحدد المؤتمرات والاستراتيجيات المتعلقة بالحلول المنشودة للوضع في سوريا.
لقد أصبحت روسيا الصوت الوحيد بعد تقلص الدور الأميركي وانحساره تماماً، وهو يذكرنا بما حدث لأميركا مع أحداث الاتحاد الأوروبي، سواء كان استفتاء «بريكست» الذي جاء بنتيجة خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي، إذ التزمت أميركا الحياد ولم تتدخل «لتؤثر» في مسار الاستفتاء بحراك مساند وتصريحات في الاتجاه الذي يحقق مصالحها. واليوم تركت أوروبا لمصيرها بأيديها وتحديداً في أيدي القيادات الفرنسية والألمانية بشكل واضح.
أيضاً ما قيل سابقاً عن قيادة أميركا للعالم الحر فيما يخص الوعي البيئي وحماية المناخ، وهو الذي أسفر عن اتفاقية المناخ التي تم إقرارها والإعلان عنها في العاصمة الفرنسية باريس، يجيء الرئيس الأميركي دونالد ترمب ليعلن تنصل بلاده التام من الاتفاقية وتشكيكه فيها لأنها تضع قيوداً غير عادلة وشروطاً غير منطقية ضد المصالح الاقتصادية الأميركية، والخلاصة هي أن أميركا هي الخاسر الأكبر من خلال تطبيق شروط الاتفاقية «الظالمة والمجحفة جداً»، بحسب ما أفادت التصريحات الرسمية من قبل الإدارة الأميركية أخيراً.
أما الصين فقد فطنت إلى تلك «الفرصة»، وقررت استغلال ذلك بشكل هائل. الصين كانت تدرك تماماً أنها الهدف والأساس من اتفاقية المناخ في باريس، فهي كانت المتهم الأول بأنها خلف تلوث بيئة العالم نتاج انفلات الرقابة البيئية وفشل تحكم رقابة الهواء الملوث الذي يصدر من مصانعها الكبيرة والضخمة. اليوم الصين هي أسرع الدول في العالم نمواً في استخدام الطاقة الشمسية، وهي طاقة «نظيفة»، وأصبحت قادرة على تخفيض نتاج العوادم التي تخرج من المصانع لديها لتكون أنظف كثيراً من ذي قبل. في المقابل اختارت أميركا طريقاً مختلفة تماماً وقررت التوسع في الإنتاج النفطي، غير مهتمة بالتبعات البيئية مع تشجيع التوسع في صناعات «غير نظيفة» بيئياً مثل الفحم ومشتقاته والمواد الكيميائية الخطيرة، وهي جميعها مواد مدمرة وخطرة على البيئة. هذا القرار الذي يظهر أنه اقتصادي في شكله إلا أنه ستكون له تبعات هائلة مستقبلاً على البيئة والاقتصاد.
دونالد ترمب لا ثقة لديه في المؤسسات التقليدية مثل الأمم المتحدة ومنظمة البيئة والاتحاد الأوروبي ومن هم على شاكلتها، ولذلك هو يفضل أن يدير شأنه «وحيداً» بدلاً من التعامل مع جهات «تفرض» عليه شروطاً لا يرتاح لها.
إن الترجمة الأهم لكل ذلك الأمر هو اختفاء الدور الأميركي من الساحة الكبرى ودخول قوى أخرى لملء الفراغ، وهذا حتماً ستكون له تبعات يجب التحضير لها.