مصر الكبرى

01:06 مساءً EET

لماذ نجح توتير وفيسبوك في ثورتي مصر وتونس، وفشلا في ايران وسوريا ؟

 
الجدل يدور حاليا  في عدد من دوائر المناقشة، واللقاءات بين الصحفيين، وايضا عبر وسائل مناقشاتهم الداخلية  كتويتر.  فتوتيتر تقدم خبرة المجموعة التحتية او قائمة مشاركة الاهتمام  list . وهي تاتي بوضع الشرطة المائلة"  /"  بعد اسم مشترك، يضم اليها عدد من الذين يهتمون مهنيا بما سرسله او يتواصل به معهم. اي تصبح قائمة للمجموعة الصحفية البرلمانية مثلا، او قائمة للمهتمين بتخبار القارة الافريقية، تصلهم رسائل التويتر عن الموضوع.
قوائم التي تضم مئات الصحفيين المحترفين، تشهد هذه المناقشة اليوم   حول  التعريف المهني لما يعرف بمواقع التواصل الاجتماعي  social media   كالتويتر، والفيس بوك،  وماي سبيس، ويو- تيوب ولينكيد-اين،  وواين،  وديغ، ولايف-جورنال  ، على سبيل المثال لا الحصر، فهي قمة  جبل الثلج الذي يغطس في محيط الاتصالات بين ملايين البشر.
هل هذه الوسائل  محيط صحافي جديد ؟
او مايعرف في مصر وباللغة العربية " اعلام"؟
اتفق المصريون والعرب على ان اعلام هي المقابل باللغة العربية   لكلمة  media ( خطأ مفهومي لكن  القاعدة الصحفية  تفضيل استخدام الخطا المفهوم للعامة على الصحيح القاصر فهمه على المثقفين)  الكلمة  media هي صيغة للمفرد اللاتيني وسط او سيط  medium.  
تعريفه لغويا  medium of communication between people   محيط التواصل بين الناس  . " محيط "…هنا رايعني الانفصال، بل بمعنى روابط لان مياه المحيط متواصلة مهما بعدت المسافة.
التواصل او المواصلة غنية عن التعريف كطريق في اتجاهين .
الصحافة التقليدية  ( المطبوعة)  تبدوا وسيلة   تواصل  واحدة الاتجاه لكنها  عمليا في اتجاهين بالتمعن في الكلمة المحورية في تعريف الصحافة  media  ، واقصد " الناس"  كمحيط تواصل بينهم.
فالقصة الصحفية دائما عن الناس، وحتى لو عن الحيوان او العلم او الظواهر الطبيعية فهي عن علاقتها بالناس  وتاثير الظاهرة عليهم و ما يهم الناس  منها.
اخبار ناس يقراها او يسمعها او يشاهدها اناس اخرون، وينقلها مجموعة اناس (الصحفيون).
استكشاف  راي الناس ومايهمهم ( بشتى الوسائل )  قديم قدم صحافة كهوف الانسان الاول – وهي كانت رسومات عن الصيد او العواصف او امكان تواجد الطعام والماء،   وياتي باتجاه محطة الاستقبال /الارسال ( صالة التحرير).
تاريخيا استغرقت مسافة  نقل الخبر  اسابيع  بحرا او بالدواب،  ثم تطورت الى ايام  بترتيب وسائل نقل البريد فساعات بعد اختراع التلغراف بالتلغراف فلحظيا " على الهواء " في التلزيون والاذاعة  او على  البلاك بيري او الموبيل  في حالة توتير ، لكن تعريف الصحافة لم يتغير.  
الفيس بوك، اشهر هذه الوسائل، بدا كمحيط اتصال اجتماعي وتختلف تعريفاته حسب ثقافة الملتلقي. فمثلا  حماتي  قبل سنوات عندما اكتشفته  اعتبرته  وسيلة  تعارف  الجنسين  لانشغالها   الدائم بمهمة البحث عن العريس المناسب  لمن تجاوزن العشرين من بنات الاسرة، وبالتالي كان هذا محيط تواصلها الاعلامي.
أكثرية النساء من مستخدمات الفيسبوك، ويوتيوب يعتبرنه فاترينة  يعرضن فيها صور الاطفال  على الفيس بوك او التفاخر  بتصفيفات الشعر والملابس الجديدة و العطلات من اجل المفاخرة على الصديقات  او اغاظة شقيقة الزوج.   اي  مهمة اعلامية  في حدود دائرة المعارف  ومعارفهم (اصدقاء  friends  بتعريف  فيسبوك).   وهو بالنسبة للمرشحين السياسيين  فاترينة لبضاعتهم، او احراج المنافسين . ومثلا في نهاية اشهر رئاسته للوزارة استخدم جوردون براون، رئيس الحكومة العمالية في لندن يوتيوب وفيسبوك لاظهار انه خفيف الدم كسابقه توني بلير، وكانت النتيجة كارثية اعلاميا لانه لايمتللك موهبة الحديث للكاميرا، وكان الافل ان يقصر مواصلاته على الكتابة لغويا فقط.
الفيسبوك بالنسبة للصحفيين، مع التوتير   micro-radio اذاعة مصغرة  لسبق  المنافسين بالخبر، او  اسالة اللعاب لنشرة الاخبار القادمة  في محطة مرسل التويتر، فيتجه الناس اليها لمعرفة المزيد.
اثناء ثورات الربيع العربي ( تعبير خاطيء جغرافيا وتاريخيا وعرقيا،  استخدمه على مضض  لشيوعه صحفيا )  تحولت وسائل التواصل الاجتماعي  "لمصدر" عن تحركات الثوار  ، فينطلق المراسلون  لانتظار تجمعهم او السير معهم ، خاصة بكاميرا التلفزيون؛ قد برعت في ذللك مثلا  كالزميلة الكسندرا  كروفورد  (من  شبكة سكاي) في الاسكندرية   اثناء الثورة المصرية  او  سبق المنافسين  من صحفيين العالم  للقاء ثوار الزاوية انطلاقا لدخول طرابلس  بصحبتهم بعد ان قدرت، من دراسة رسائلهم على التويتر انهم سيسبقون البقية الى قلب العاصمة الليبية.
ولعبت هذه الوسائل دورا مهما بالنسبة للصحفيين المستقلين والزائرين  للتحقق  من تضليل صحافة وزارات اعلام الديكتاتوريات.
اما بالنسبة للثوار انفسهم فقد لعبت دورا تاريخيا كوسيلة  نقل الموجة الثورية  من شارع الى ميدان ،  ومن مدينة الى اخرى، كما راينا في تونس،  وكحماية  في مصر ( باتصالات لاستراتيجة  الاحتفاظ بميدان التحرير في ليلة  فاصلة عقب موقعة الخيول والجمال لدعم المدافعين؛ و تشكيل لجان حماية الاحياء بعد انسحاب البوليس)  ثم  عبر الحدود الى  ليبيا  واليمن وسوريا.
بعد انصراف  المليونيات من الميادين  تحولت هذه الوسائل الى مايعرف اليوم ب  صحافة المواطن  citizen journalism   بنقل  الخبر وصياغته على يد مستهلكه بالكلمة والصورة والفيديو خاصة يوتيوب، وفيس بوك  ولايف جورنال، وكمصدر اخباري اضافي  للصحفيين التقليديين ، مع التشديد على انه لم يصبح بديلا بعد للصحافة التقليدية.  
التطوران الاخيريين، لابد من تناولهما بحبة ملح، قبل  قبول  دور  وسائل التواصل الاجتماعي  والاعتراف بها كنوع جديد  يدخل التاريخ  كصحافة .
كان  فيس بوك القاعدة التنظيمية  منذ 6 ابريل  2008   لطلائع الثورة في  مصر،  ثم اصبح التويتر  لاسلكي مظاهرات  الثورة  وزوارق انزال المليونيات التي اسقطت رئاسة حسني مبارك في النهاية.
لكن الوسائل نفسها علي يد طبقات متعلمة مثل نظيرتها في مصر وتونس فشلت في اطالة عمر الانتفاضة الايرانية على تزوير الملالي واحمدينجاد لانتخابات الرئاسة الايرانية ، التي اخمدتها وسائل عنف بالغة القسوة والوحشية.  وهو و ما نصح به الايرانيون حليفهم ديكتاتور دمشق في التعامل  مع  المتظاهرين بوحشية  القمع الدموي مشيرين الى نجاخهم في اخماد المظاهرات قبل تحولها الى ثورة.   اما في سوريا فتحول تويتر وفيسبوك  الى سلاح مضاد ارتد الى صدور ثوار  سوريا.  
المخابرات السورية  استخدمت وسائل تجسس  متقدمة تكنولوجيا ارضا وبحرا وجوا،  وحتى فضاءا، بمساعدة  الحلفاء الروس فتمكنت من اختراق كثير من خلايا المعارضة  والقضاء عليها عبر الوسائل نفسها  التي اشعلت ثورتي  تونس ومصر.
وقد طرح زميلنا دافيد بلير من التلغراف نكتة بان جبهة التحرير الجزائرية لو كانت اكتشفت تويتر في تالخمسينات، لظلت الجزائر جزءا من فرنسا لسنوات طويلة. الجبهة في الخمسينات ومطلع الستينات  وظفت استراتيجية الخلاية المثلثة. عضو كل خلية  كون خلية اخرى من مناضليين  مجهولين  تماما لرفيقي خليته الاولى.   فقبض الفرنسيين على  مناضل  ( مهما تعرض لتعذيب)  اقتصر على خسارة اثنين فقط .  
بينما ختراق المخابرات السورية في القرت 21 لتوتير او فيس بوك   قادهم الى عشرات من " اصدقاءه"  و متابعينه  followers.
دور نشطاء المواقع  السوريين كصحفيين مواطنيين  جاء باثار سلبية تفوق الايجابية. بالتكنولوجية الروسية حددت  المخابرت السورية جغرافيا اماكن تواجد الصحافة العالمية التي تتبعت  صحافة المواطن  وقصفها النظام الدموي  بوحشية ( وكان مصرع  الزملاء في حمص من الصاندا ي تايمز ،  وعلى حدود لبنان من التلفزيون) فاحجمت الصحافة عن  نشر المراسلين في مناطق الخطر واصبح وجودهم استثناء في سوريا بعكس  تواجد مئات المراسلين  ( من جميع الجنسيات) في ميدان التحرير وحده اثناء ثورة اللوتس.  
صحافة المواطن  في سوريا  جائت بنتائج عكسية.  فكشاهد على وحشية النظام  دفعت المواطن في  الديموقراطيات الغربية الى الاشمئزاز من  دموية مافيا الاسد  لكن  الصور نفسها  اقنعت الناخبين الغربيين  بمنع حكوماتهم من التدخل خشية على ارواح الجنود.
 الامر  التاريخي الآخر تلاحظه في نشرات اخبار  الشبكات المحترمة عالميا  كسكاي،  واي تي ان،  وبي بي سي. فعند عرض لقطات فيديو او صور " صحافة المواطن" من داخل سوريا،  ستسمع فورا تحذيرا  باستحالة التحقق من صدق الخبر، وبالتالي التشكيك في صحته.
وهذه الملاحظة هي  محور مناقشتنا  لدور هذه الوسائل تاريخيا. فكصحفيين  مررنا  بتدريب طويل علي يد اسطوات فليت ستريت،  ونلتزم بقواعد وتقاليد  وسلوكيات للتحقق من الخبر وامتحان مصادره بحيادية.   هواة الصحافة من كتاب المدونات او  ممارسو  صحافة المواطن  لم يتلقوا تدريبا يعترف به؛ ولحداثة الوسائل،  تغيب التقاليد ولوائح التنظيم  و سوابق  نرجع اليها كصحفيين تقليديين  لنطمان الى حرفية ومصداقية هذه الوسائل، مهما كان نبل غاية  اصحابها.
لاشك ان التقادم بمرور الزمن سيلعب دوره في خلق سوق استهلاكي  محدود (  بلا دخل يذكر) لصحافة المواطن او  وسائل التواصل الاجتماعي، لكن لاعتقد ان التاريخ سيعترف بها كصحافة بالمعني المتفق عليه  لعقود قادمة، وربما هذا مايكون درسا مهما لثوار مصر وحركة  6 ابريل بالبحث عن وسائل اوسع انتشارا واكثر مصداقية وبسطة لاعادة تدريب الاذهان لتصوت لصالح الناخب والوطون بدلا من التصويت العاطفي " للناس بتوع ربنا". انتهى

التعليقات