تحقيقات

12:45 مساءً EET

على جثث العمالة الوافدة.. شيدت قطر ملاعبها لكأس العالم 2022

تناول جوثان ليو الكاتب في صحيفة “ذي اندبندنت” الإنجليزية الطريقة التي تتعامل بها قطر مع العمالة التي استقطبتها لبناء ملاعب كأس العالم 2022، والتي فازت باستضافتها الدوحة بطرق مشبوهة كما ذكر الكاتب جوثان ليو، حيث تحدث عن الطريقة التي يخدع بها القطريون العمالة الفقيرة بإغرائهم عن طريق عصابات متعاونة مع المسؤولين القطريين، ووصف جوثان ليو الطرق الكثيرة التي تقتل هؤلاء الوافدين أثناء العمل في بناء الملاعب القطرية، طلاباً للرواتب والمميزات المغرية التي خدعوا بها فباعوا ممتلكاتهم واستدانوا للقدوم إلى الدوحة حيث “حتفهم”.

وأرجأ جوثان ليو تجاهل العالم لما ترتكبه قطر من جرائم في حق هؤلاء العمال، بأن الأخبار المقلقة في الشرق الأوسط خدرت الجميع وأشغلتهم، مشيراً إلى أنه لا يمكن أن يُنسى ما يحدث في قطر.

وفيما يلي ما قاله الكاتب جوثان ليو عبر صحيفة “ذي اندبندنت”:

اسمك سومن، وتعيش في قرية صغيرة في ريف بنغلاديش، وفي ذات يوم، يزورك شخص تعرفه معرفة سطحية منذ الطفولة، هذا الشخص يحاول توظيف شخص ما لوظيفة مكتبية، ويعلم أنك لطالما كنت ذكيا وطموحا، وسيتكفل بكل شيء: الأوراق والجواز والأمور الطبية والنقل، وقال إنه سيلعب دور مرجعك إن كنت بحاجة لقرض بنكي، والراتب الموعود هو – 400 دولار أمريكي في الشهر – أي في الواقع أكثر من أي مبلغ مالي رأيته في حياتك.

وبطبيعة الحال، أنت لست بمغفل، إذ أنك قد سمعت بقصص، غير أن هذا صديق قديم، فأبناؤكم يذهبون للمدرسة سويًا، وهو يعمل لدى الحكومة المحلية، ويريد هذا الصديق تقديم المساعدة، ومنحك بداية جديدة وأمانًا ماليًا، ومستقبلًا أفضل لعائلتك، وعلاوةً على ذلك، ما هو البديل المُتاح؟ أتبقى في قريتك حتى تشيخُ شيء فشيء؟

ولهذا فقدت أبديت موافقتك، ويتعين عليك دفع رسوم توظيفٍ بخسةٍ إضافة لتكاليف دورة التوجيه الخاصة بك والفحص الطبي والتأمين، حيثُ تقوم ببيع جزء من أرضك، وتستهلك مدخراتك، وتعول على دعم أقربائك، وتقترض مقابل رهن مكتسباتك المستقبلية، إن هذه لخطوة كبيرة من شأنها أن تغير حياتك، ولكن في ظل حظوتك براتبٍ مُجزي، فأنك تعتقد أنك ستكون قادرًا على تخطي العواقب المالية وإرسال الأموال لعائلتك في غضون بضعة أشهر، فأنت تقوم بذلك كيلا يضطر أطفالك للقيام بذلك.

وللأسف، فأهدافك التي بنيتها ستتغير حالما تنزل بأرض الدوحة، إذ سيتضح لك ذلك جليًا عندما تُعطى خوذةً ومعطف سلامة عاكس للضوء ويُطلب منك أن تحضر إلى الموقع الذي ستتم فيه عمليات البناء والتشييد بحلول الساعة السادسة من صباح يوم الغد، فأنت لا تعمل كموظفٍ في مكتب، بل في الحقيقة أنت تعمل على بناء ملعبٍ لكرة القدم، وإنهم ليسوا على معرفةٍ تامة بمن أخبرك بأنك ستُعطى مبلغ 400 دولار كمرتبٍ شهري، ففي الواقع المبلغ الذي سيُصرف لك في نهاية كُل شهر هو 200 دولار، أي أنه مبلغٌ أقل من تكلفة النفقات المُختلفة، ورسوم التشغيل ليست بالقدر الذي وافقت عليه ألا وهو 200 دولار، بل هي 2000 دولار إضافةً على تكاليف رحلتك لقطر، وعلاوةً على ذلك، فسيتم مُصادرة جواز سفرك الهش الذي استخرجتهُ مؤخرًا، ولا يمكنك أن تستقيل من عملك، ولا حتى مغادرة البلاد، وهذا جميعهُ يعني أنك وحتى قبل أن تُسجل دخول لمُناوبتك الأولى في العمل، فسوف تُصبح مدينًا لرب العمل بما يُعادل أجر سنتين.

وعلى نحوٍ مُفاجئٍ جدًا، تجد أنك مُنهمكٌ في عالمٍ مُحير من العُزلة والاستغلال، وتعمل لساعاتٍ طويلة تحت شمسٍ حارقة وتكدحُ كدحا يقصم الظهر، العمل الذي تعمله يصل إلى 12 ساعة يوميًا على مر ستة أيام أسبوعيًا، وفي المساء تجد نفسك مُستلقيًا على سريرٍ قذرٍ ذي طابقين، وفي حال ماكنت تتلقى مُرتبك في وقته على أقل تقدير فأنت من المحظوظين، وبعد أن تتبادل أطراف الحديث مع العُمال الأجانب الأخرين في أحد المُخيمات المؤقتة العديدة والمُنتشرة حول ضواحي الدوحة، فإنك ستجد أن العديد منهم لم تُدفع لهم مُرتباتهم على مر شهرين أو ثلاثة أو حتى ستة أشهر أحيانًا.

هذا هو عالمٌ من عدم الاستقرار وتلطيف العبارات، فزُملاء العمل يتساقطون جثثًا هامدة وفي غضون دقائق يتم اجتثاثهم من على الأرض بعيدًا تحت أغطيةٍ عريضة، ومن ثم يُعلن عن “تغيبهم عن العمل” ولا يُرى لهم أثرًا بعد ذلك، وفي حال ما حاولت زيارة مركز تسوق في يوم عطلة نادرًا ما يأتي، فستوحي لك نظرات حارس الأمن المتجهمة أن هذه “منطقة عائلية” ويُرافقك إلى خارج المبنى حقًا أنت لست بموظفٍ على الإطلاق، بل عاملًا مستخدمًا، وفعلًا، أنت لا تبني ملعب كرة قدم، بل تبني ضريحًا.

ولا شك أنك تُدرك، على أبسط المستويات، أن كأس العالم 2022 أمرٌ سيء، حيث إن فيض الصحافة السلبية التي انغمست وتعمقت في ملف قطر الفائز خلال السبع سنوات الأخيرة أكّد على ذلك بشكل كبير، ولكن وفي نفس الوقت، أفقدتنا الأخبار الكئيبة، التي تتدفقُ دون كلل أو ملل والصادرةُ عن تلك المنطقة، إحساسنا تجاه هذا الأمر، وبعد هذا كُله، في هذه الأيام هُناك تنافس كثير حول استياء وسخط الناس، والنتيجة النهائية هي مهما كُنت تعتقد حجم سوء كأس العالم 2022، فالتوقعات تقول إنه أسوأ مما تعتقد.

ويُعتبر أيضًا عدم وجود وجوهًا بشرية تُعرف وحقيقية لتوضع في القصة عامل آخر، ولهذا صنعت شخصية سومن، هذا الشخصية غير موجودة وقصته لم تحدث قط، ولكن بالطبع، نفس هذه الشخصية موجودة، وقد حدثت مثل هذه القصة في أرض الواقع، شخصية سومن موجودة في حوالي 2.3 مليون شخص، حدثت قصته بالأمس، وستحدث مرة أخرى اليوم، ومرة أخرى يوم غد.

وقد أصدرت الأسبوع الماضي مُنظمة هيومن رايتس ووتش الخيرية تقريرها الأخير عن أوضاع العمالة المهاجرين في دولة قطر، وأفاد التقرير أن اللوائح المعنية بحماية العمالة من لهيب الحرارة وزيادة الرطوبة ما زالت للأسف غير كافية، ووجد التقرير أيضًا أن مئات العمال المهاجرين يسقطون موتًا في مشاريع البناء كل عام، ولكن من الصعب التأكيد تمامًا على عدد الموتى وكيفية موتهم، وذلك لآن قطر لن تُخبرنا بذلك، ولن تسمح لنا بإجراء فحص للجثة بعد الوفاة، فعادةً ما يتم وصف حالات الوفيات القليلة التي تم إحصائها رسميًا بصورةٍ غامضةٍ، كأن يُقال عن أنها كانت ناجمةً عن “أسبابٍ غير معروفة” أو عن “أسبابٍ طبيعية” أو عن “نوباتٍ قلبية”، مما يعطي انطباعًا بأنها ببساطة جزءًا لا يتجزأ من طبيعة الحياة.

لطالما كانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تتحدث عن مثل هذه الأمور لسنواتٍ عديدة، مُشيرة بصبر إلى الطرق التي تسعى دولة قطر من خلالها إلى مقاومة فرض الرقابة الخارجية، وتتعهد بأنها ستشرع في عمل مجموعة من الإصلاحات التي إما أنها لا تُفرض على أرض الواقع أم أنها لا تُطبق إلا على جزء بسيط من القوى العاملة التي تُشيّد فعليًا ملاعب كأس العالم 2022، إلا أن تقريرها الأخير بالكاد أحدث فارقا، فكل مرةٍ تُروى فيها قصةٌ حدثت في قطر، تكون ردة الفعل: حسنًا، ما مدى شناعتها؟ لذلك سقط ملف قطر المعني باستضافة كأس العالم 2022 على مرَ السنين من دائرة المشاعر والعواطف، لتبتلعه أمورٌ سيئةٌ جديدة تتسم بقدرٍ أكبر من الإثارة.

ويكمن أحد الأسباب وراء عدم قدرتك على معرفة ما حدث للضحايا الذين سقطوا بسبب قسوة قطر أو عدم قدرتك على رؤيتهم مجددًا في أنه من المستحيل عليك أن تصل إليهم، فخلال مجريات شهر مارس للعام الماضي، زار وفدٌ أممي دولة قطر بهدف التحقق من التقدم المحرز، والتحقيق في ظروف العمل، وبشكلٍ عام التسكع قليلًا، وفي وقت الزيارة تحدث أعضاء الوفد مع عاملٍ نيبالي كانت لديه الجرأة على الإجابة بصدق على أسئلتهم، مما أدى على الفور إلى إقالته، وإصدار أمراً يقضي بوضعه على متن أول طائرةٍ متجهةٍ إلى النيبال، وفي طريقهم لتنفيذ ذلك الأمر، أدرك أحدهم بأنه من الممكن الزج بالعامل النيبالي خلف أسوار القضبان لأنه لم يكن لديه في وقتها كفيلًا يكفله أثناء عمله، لذا فقد ألقِيَ في السجن.

ثمة إغراء لعزو كُل ذلك إلى رأسمالية السوق البسيطة والجشعة، ففي نهاية الأمر، لطالما كان الأغنياء يستغلون الفقراء منذ بداية الزمان، ولكن وعبر وصف كأس العالم في قطر بفضيحة حقوق العمالة سيتسبب بكل شناعة في أن تنفذ قطر بجلدها، ومن أجل إدراك السبب وراء ذلك، حينها عليك أن تفهم الديمغرافية السكانية لقطر.

فما قبل خمسين عامًا، كان بالإمكان إدخال كامل سكان البلاد بكل راحة إلى إحدى ملاعب كأس العالم الجديدة، حيثُ يبلغ تعداد سكان قطر 2.6 مليون نسمة في الوقت الحالي، و90% منهم من العمالة الوافدين، وبالنسبة للقطريين الأصليين، والمتحكمين بالأمور ولكنهم الأقل عددًا، فيكمن خوفهم الرئيسي والأبدي في أن تقوم العمالة الأجانب والتي يتكون مُعظمهم من الذكور وممن هم في سنٍ صالحة للعمل، بالتحالف ضدهم أو حتى بالتحرك ضد القطريين الأصليين، ولهذا السبب، فإن أي حركة عمالة منظمة يتم مواجهتها برعبٍ من قبل السكان الذين ينظرون للأمر باعتباره قضية أمن قومي، كما يوضح أيضًا التمييز المنهجي والصريح للغاية الذي يواجه العمالة حتى خارج نطاق مواقع العمل.

وقد صُممت بعض المواقع العامة في الدوحة كالأسواق، ومراكز التسوق التجارية، وساحات المدينة باعتبارها “مناطق عائلية”، بل في الواقع، هي مُخصصة للمواطنين والغربيين فقط، حيث يتجول أفراد الدوريات الأمنية المسلحين هذه المناطق، ويُخرجون من يبدو بأنه منتمي لجنوب غرب قارة آسيا بكل حزم خارج هذه المناطق، كما يُحظر على العمال من السكن في مناطق مُعينة، إذ قدم المجلس البلدي المركزي القطري اقتراحًا يقضي بتخصيص يوم الجمعة -وهو اليوم الوحيد الذي يتمتع به العمالة كإجازة-وتسميته “بيوم العائلة”، والذي يتم خلاله منع غير القطريين من الوصول إلى أشهر مراكز التسوق التجارية في البلاد.

إن هذا الأمر يُعد تمييزًا عنصريًا مبطنًا.

وبعد مضي خمس سنوات، ستقوم هذه الدولة بفتح ذراعيها مستقبلةً أكبر مهرجان كروي على سطح الأرض، إن بطولة كأس العالم 2022 بطولة يتم بناؤها على مقبرة من الجثث البشرية بغية الترويج لمجتمع قائم على أبسط نوع من العنصرية، ويدور رهان قطر حول أن العالم – المنهمك في التعامل مع مشاكله الخاصة – لن يهتم بما فيه الكفاية ليضع حد لهذا الأمر؛ إن قطر تربح هذا الرهان في الوقت الراهن.

وهنا يأتي السؤال الأهم، ما الذي يُمكنك فعله أنت أيها القارئ المتعاطف والمطلع والمتابع لصحيفة الأندبندنت أثناء قراءتك لهذه المقالة خلال استراحة الغداء الخاصة بك، مواجهًا موجة من التنبيهات الإعلانية، للأسف، إن أحد الأمور التي ربما لا يُمكن لنا تحقيقها هي سحب بطولة كأس العالم من قطر، فلو كانت قطر ستُجرد من بطولة كأس العالم، لجُرِدت منها في السبع سنوات الماضية لا الخمس سنوات القادمة، ويقدم استمرار معظم الإعلام الغربي بالإعراب عن استياءه تجاه ملف قطر لكأس العالم، فضلاً عن اتهامات شراء الأصوات في اللجنة التنفيذية للفيفا مؤشرًا، فكأنه يقول استغلوا جميع العمال المهاجرين يا رفاق، ولكن كونوا على الأقل صريحين بشأن ذلك، حسنًا؟!

إن ما يُمكنك فعله هو تتبع الأموال، فبعد حصول الفيفا على حصته، ستعود العائدات الناجمة عن بطولة كأس العالم مرة أخرى إلى اللعبة ذاتها عن طريق الاتحادات الأعضاء في الفيفا، ويعني ذلك أن الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم سيستفيد ماليًا من بطولة كأس العالم في قطر على افتراض تأهل إنجلترا إلى البطولة، ستذهب هذه الأموال إلى الاتحاد والنادي والملاعب المحلية الخاصة بكم، وإذا كان هذا الأمر يجعلك تشعر بعدم الارتياح، فلماذا لا تخبرهم بذلك؟
وهذا يعني أن اتحادنا لكرة القدم يستفيد ماليا من كأس العالم في قطر، على افتراض تأهل إنجلترا للبطولة، وهذا مالٌ يذهب إلى اتحادك المحلي، وناديك المحلي، وملاعبك المحلية، إذا كان هذا يجعلك تشعر بعدم الارتياح، لماذا لا تخبرهم عن ذلك؟

الشيء الآخر الذي يمكنك القيام به هو النظر حواليك، القوة الناعمة القطرية في كل مكان تنظر إليه، خاصة إذا كنت تعيش في مدينة كبيرة مثل لندن أو نيويورك، فإذا كنت تتسوق في سينسبري، أو تطير عبر الخطوط الجوية البريطانية أو تملك حساباً لدى بنك باركليز، فإنك تقوم بتمويل الدولة القطرية بشكل غير مباشر، وإذا شاهدت الدوري الممتاز أو دوري أبطال أوروبا، فإنك تشاهد لعبة تغذيها وتدعمها الأموال القطرية، سواء كان ذلك بشكل مباشر كاستثمار فريق باريس سان جيرمان في لاعبين مثل نيمار، أو كان ببساطة سوقاً يتضخم بشكل غريب من خلال رسوم انتقال اللاعبين.

وذلك كله لا يستدعي الحكم بأن شخصاً ما مذنب، فجميعنا مضطرون أن نعيش حياتنا، فأنا سأستمر في التسوق من محلات سينسبري، لأنها أقرب سوبر ماركت إلى محطة الأنفاق، وسأستمر كذلك في مشاهدة فريق باريس سان جيرمان، لأن الأمر يتعلق بحب كرة القدم، ولكن الخطوة الأولى لحل أي مشكلة هي رؤيتها والتعرف عليها وفهم كيفية تناسبها مع العالم الذي نعيش فيه، ولذلك ربما في المرة القادمة التي ترى فيها اللاعب كيليان مبابي يركض نحو المرمى، أو ترى برج شارد من خلال نافذتك، فإنك قد ترى أيضا سومن وهو يركب الطائرة ليبدأ رحلته التي كان يتصورها طريقه نحو حياة أفضل.

التعليقات