تحقيقات

09:55 مساءً EET

قطر: الكتاب الأسود| كيف موّلت المخابرات القطرية داعش والنصرة بمئات ملايين الدولارات؟ (6)

أصدرت لجنة البحوث في المركز العربي الأوروبي لمكافحة التطرف في باريس، دراسة تحت عنوان “قطر: الكتاب الأسود”. وعرضت الدراسة التي أعدها فريق من الباحثين، تحليلاً لدور دولة قطر في دعم الإرهاب، مظهرة التعاون الكبير الذي يجمع قادة قطر بتنظيم الإخوان الإرهابي.

وهنا الحلقة السادسة من الدراسة، وتتضمن الفصل الرابع تحت عنوان “بداهة الشر”، ويعرض الفصل بالحقائق والأرقام الدور الرئيسي الذي لعبته المخابرات القطرية في تمويل التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا مثل داعش وجبهة النصرة والفصائل الإسلامية الأخرى.

“بداهة الشر”
كانت الصالة المغطاة في استاد القاهرة مكتظة، في زمن منع منه الجمهور المصري من حضور مباريات كرة القدم خوفاً من أعمال الشغب. فالمناسبة “جلل” الرئيس المصري محمد مرسي بنفسه سيصل في هذا اليوم 15 يونيو (حزيران) 2013 ليتوج نتائج أول اجتماع موسع بين “علماء” سلفيين و”علماء” الإخوان المسلمين قبل يومين تقرر فيه، بصوت واحد، إعلان الجهاد في سوريا. ولإعلان نتائج هذا الاجتماع، اتفق المجتمعون على الشيخ المصري محمد حسان، باعتباره جمع القطبية والسلفية. فوقف يخطب في الجموع:

“احتضنت أرض مصر الطاهرة مؤتمراً حضر فيه ما يقرب من 500 عالم ينتسبون إلى أكثر من 70 هيئة ومنظمة ورابطة. وقد أفتى هؤلاء العلماء واتفقوا على أن الجهاد واجب بالنفس والمال والسلاح، كل على حسب استطاعته. فجهاد الدفع الآن عن الدم والأعراض واجب عيني على الشعب السوري، وواجب كفائي على المسلمين في أرجاء الأرض. هذا ما ندين به لرب السماء والأرض. وهنا أناشدكم، يا سيادة الرئيس، لن تفعل توصيات هذا المؤتمر، ولا قرارته إلا من خلال سيادتكم… أناشدكم أن تفعلوا هذه القرارات”.

لا ندري إن كان الإخوان المسلمين يقدرون نتائج اجتماع 2013/6/13 الذي ضم ثمانية أشخاص: على الأقل، مصنفين على لوائح الإرهاب الدولية؟ ويجمع الإخواني مع دعاة معروفين للسلفية الجهادية، وقدماء الحرب الأفغانية وأكثر من داعم معروف لدولة العراق الإسلامية (التي صارت تعرف بداعش) والقاعدة في بلاد الشام (جبهة النصرة)؟. وإن فكروا لحظة واحدة بالكوارث التي يجلبها هكذا اجتماع، على الإسلام والمسلمين في العالم والنتائج التي تترتب على إعلان جماعي للجهاد العالمي في بلاد الشام؟ من قبل أكثر من 300 على الأقل من 500 مشارك، لبسوا عباءة الوسطية والاعتدال خلال عقود طويلة. يخوض البعض في نقاشات عقيمة اليوم حول العلاقة بين حركة الإخوان المسلمين والإرهاب.

ولعل العالم الفقيد الدكتور نصر حامد أبو زيد، كان من أوائل من عمل بشكل إسلامي عقلاني على تحديد طبيعة العلاقة بين حركة الإخوان المسلمين والحركات التكفيرية. وتوصل إلى استنتاج دفع ثمنه النبذ والتشهير بل تطليقه من زوجته باعتباره كافراً: “لا يوجد إخوان معتدلين وجماعات متطرفة، الإخوان تعلموا “التقية” والجماعات الإسلامية المسلحة ما زالت على تقاليد السلف العلنية. وفي أصغر اختبار، يظهر للجميع أن كلاهما من مدرسة واحدة”.

الشيخ يوسف القرضاوي أبلغ مثال على ما يقوله أبو زيد. فقد وقع بياناً عشية سقوط الموصل بيد داعش يقول فيه: “إن ما يحدث من انهيار شامل لقوى العسكر والأمن والشرطة في العراق لم يأت من فراغ ولا يمكن أن يفسر إلا على أنه جاء بسبب ثورة شعبية”. ثم أصدر بيان “استدراك” يعلن فيه بعد خطبة “البغدادي” أن شروط الخلافة غير متحققة. ولكن موقفه الباطني لم يتغير، وعبر عنه في 16 أكتوبر (تشرين الأول) يوم غرد: “من خذل حلب بالأمس… وتخلى عن الموصل اليوم.. غداً سيصرخ: أكلت يوم أكل الثور الأبيض”.

أفتى القرضاوي للعمليات الانتحارية، وأفتى لدخول الناتو إلى ليبيا (في حين لم يتبن تنظيم جهادي تكفيري واحد دخول قوة أجنبية إلى بلد مسلم)، وأفتى بإعدام القذافي، وأفتى بالجهاد إلى سوريا، أفتى بزواج المسيار (المتعة) وحاول مع السيدة أسماء بن قادة التمتع بها في أول لقاء لهما فرفضت وطالبته بأن يدخل البيوت من أبوابها فتزوجها ثم طلقها.

الشيخ محمد حسان صاحب قناة الرحمة، الذي أطلق نداء الجهاد في سوريا، اختلف مع الإخوان، ووصل التشهير بينهما لما هو أكبر من التكفير، انتقد الإخوان بعد أن دخلوا السجون، وبلتزم الصمت في فتاويه خوفاً من محاكمات تتعلق بثروته وتهربه الضرائبي. الشيخ حامد بن عبد الله العلي الذي كتب قصيدة مدح وتقريظ في مصر عشية إعلان الجهاد لبلاد الشام، حاول تأليف القلوب بين داعش والنصرة فأخفق، وكم من الشباب الكويتي ذهب ضحية التغرير به في العراق وسوريا، وقتل أحياناً في مواجهة بين فصيلين تكفيريين. كم من المال جمع بشكل علني للحركات التكفيرية. يتابع الشيخ “جهاده” اليوم، بإصدار فتوى بعنوان: “بيان في حكم الشريعة في الحصار الجائر على قطر”.

قائمة المشاركين من “مشايخ الشر” بدعم الإرهاب والتطرف كبيرة جداً. وكل ما لدينا من أدلة يوضح تنوع وسيلة المشاركة: التورط المالي، زج الشباب المتحمس للموت، التغطية على الدعم الحكومي باسم تبرعات أهل الخير والمحسنين، تشويه وحرق سمعة المنظمات الخيرية الإسلامية كافة بتوريط من تستطيع في دعم المنظمات الإرهابية.

منذ نشأتها، كانت مؤسسة عيد الخيرية ملاذاً لعدد من قدماء الأفغان، ثم التحق بها عدد من اللبنانيين الهاربين من محاكمات “جماعة التكفير والهجر” في الضنية- شمال لبنان منذ مطلع القرن. وقد شكل هؤلاء، مع عدد من قدماء الأفغان العرب حلقة الوصل بين المؤسسات الخيرية القطرية مع بلدانهم.

وفق تقرير موثق للمعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان عن “الحركات السلفية الجهادية في سوريا” توجه محمد بن عبد الله الهبدان وعبد الرحمن بن رشيد الوهيبي ومحمد العريفي وعبد الله بن حمود التويجري وإحسان العتيبي ووليد الطبطبائي وعبد الرحمن بن عمير النعيمي إلى المنطقة محملين بمبالغ مالية كبيرة من أجل دعم تسليح المحتجين السلميين في سوريا ثم في المشاركة في تجارة السلاح. وقد جرى التواصل منذ بداية حصار بابا عمرو عن طريق “أبو أحمد” من لواء الفاروق لتنظيم عملية المد بالمال وتوفير السلاح عبر الغطاء السياسي للقاعدة في طرابلس. ثم توجه أحد أقارب خالد العطية وزير الدولة القطري (عبد العزيز العطية) لمتابعة الموضوع مع مدير مؤسسة عيد الخيرية والمسؤول المالي السابق لقناة الجزيرة القطرية (علي السويدي). وقد اعتقلت السلطات اللبنانية العطية ثم سلمته للسفارة القطرية بعد ضغوط قطرية.

لكن التواصل استمر عبر عدة أسماء طرابلسية معروفة بانتمائها السلفي الجهادي مثل بلال الدقماق وداعي الإسلام الشهال (والد جعفر الشهال من مقاتلي جبهة النصرة والذي اعتقل في أواخر 2014 بهذه التهمة) وغيرهما وتوجهت زيارات الشخصيات السلفية الخليجية في معظمها بعد المحاذير الأمنية في لبنان إلى الأردن وتركيا”.

وقد تحدث قيادي في “هيئة التنسيق الوطنية السورية” مع بعض المشار لهم في الدراسة أعلاه، عن ضرورة الدعم الإنساني للضحايا عوضاً عن تأجيج العنف. فأجابه أحدهم بوضوح: “عندما تأخذون قرار بالجهاد المسلح ضد النظام نساعدكم أما الإغاثة فمهمة التنظيمات الخيرية”.

اختصر قيادي في “جبهة النصرة” سياسة النواب السلفيين الكويتيين (وليد الطبطبائي وغيره) المشابهة لسياسة “تيار المستقبل” بتنظيم حملات علنية لدعم الجيش الحر بالقول: تذكروا قولة أمير المؤمنين عمر: اذهبي أنى شئت فخراجك عندي”. كانت النصرة وداعش تتلقى من الحملات غير الرسمية المنظمة لدعم “الجيش الحر” حصة الأسد. ولدينا اليوم الأدلة القاطعة على أن أكثر من 80 بالمئة من هذه المساعدات المالية والعسكرية آلت إلى جبهة النصرة وتنظيم داعش بما في ذلك الأسلحة الفرنسية التي أعلن عن إرسالها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند.

تقنية التمويل بالرهائن
بدأت عملية نقل تقنية الرهائن من شمال إفريقيا والعراق إلى سوريا مبكراً، ففي 15 ديسمبر 2011، قامت مجموعة مسلحة بخطف 11 مهندساً وتقنياً إيرانياً يعملون في محطة كهرباء جندر قرب حمص. لم تكن العملية موفقة لأن المهندسين كانوا خليطاً من الكرد والفرس سنة وشيعة وليس لهم ارتباط بأجهزة الحكم الإيرانية. بعد عدة أشهر تم إطلاق سراحهم عبر تركيا. بتاريخ 23 مايو (أيار) 2012 تم خطف 11 لبنانياً كانوا في زيارة للنجف بعد دخول قافلتهم الأراضي السورية قادمة من تركيا. استمرت أزمة الرهائن فترة تخللها خطف مواطنين أترك في لبنان، تم التوصل لاتفاق بالإفراج عن الرهائن.

إلا أن هذا الإفراج جاء بعد اختطاف متروبوليت حلب والاسكندرون وتوابعهما للروم الأرثودوكس المطران بولس اليازجي (شقيق البطريرك يوحنا اليازجي، بطريرك أنطاكيا للروم الأرثوذكس) ومتروبوليت حلب للسريان الأرثوذكس المطران يوحنا إبراهيم في 22 أبريل  2013 في كفر داعل بريف حلب وعاملين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر وعدد من الصحافيين الأجانب. فقد نقل تنظيم أبو بكر البغدادي، قبل الانقسام الشهير بين النصرة وداعش تقنية خطف الرهائن إلى الأرضي السورية، وكان الخطف يتم بتخطيط مسبق. ولكن رواج الفكرة جعل العديد من الفصائل الصغيرة أو جماعات الجريمة المنظمة تستفيد من حالة الفوضى وتقوم بعمليات خطف تقايض عليها محترفي القاعدة الذين أتقنوا عمليات الإخفاء والتفاوض وجعلوا من الخطف مورداً مالياً هاماً لخزنتهم.

اختطفت جبهة النصرة أواخر عام 2012 الصحفي الأمريكي ثيو كيرتيس وطلبت حينها فدية بقيمة 30 مليون دولار، وتمت الصفقة في أغسطس 2014 بمساعدة قطرية حيث تم تسليم الصحفي إلى قوات حفظ سلام في مرتفعات الجولان. واختطفت جبهة النصرة 13 راهبة في ديسمبر 2013 من مدينة معلولا بريف دمشق، وطلبت أيضاً 16 مليون دولار، وتمت الصفقة في مارس  2014، برقاعة قطرية، بمشاركة غانم الكبيسي رئيس المخابرات القطرية شخصياً. (رجل الأعمال السوري الحسواني يتحدث عن 50 مليون) أعلنت منظمة أطباء بلا حدود في يناير (كانون الثاني) 2014 اختطاف 5 من أعضائها شمال سوريا، وكان الطلب فدية مالية عالية. وأفرج عنهم برعاية قطرية بعد 3 أشهر.

وحضرت الوساطة القطرية في نهاية ديسمبر 2015 لإطلاق سراح 16 جندياً لبنانياً اختطفتهم الجبهة. مقابل مبلغ مالي لم يتم التصريح عنه.

السحر والساحر!!!
لم تتوقع المخابرات القطرية أن يرتد عليها دورها الوسيط مع القاعدة والإرهابيين في قضايا الرهائن. فقد كانت تقدم نفسها دائماً بوصفها المنقذ لحياة الرهائن ومن يرفع الحرج عن الدول الغربية التي تعلن أنها لا تتفاوض ولا تدفع لأي تنظيم إرهابي إلخ. فقد تابع حزب الله العراقي وحزب الله اللبناني وحركة النجباء العراقية الدور القطري والصلة الحميمة بين المخابرات القطرية وجبهة النصرة. ووجدوا في صفقات الرهائن ما يمكن أن يعود عليهم بالنفع السياسي والمالي.

وجاءت الفرصة بعد اختطاف عدد من مقاتلي حركة النجباء من قبل جبهة النصرة وفشل محاولات مبادلتهم مع معتقلين للنصرة عند حزب الله اللبناني. التي توافقت مع رغبة عدد من أغنياء العائلة والسلطة ممارسة هواية الصيد في البوادي العرقية. حينها قرر أكثر من فصيل في “الحشد الشعبي” اختطاف أكثر من 20 قطرياً بعضهم من عائلة آل ثاني الحاكمة وسعودي وباكستاني من قبل قافلة تضم قرابة 100 مسلح لضمان نجاح العملية. وقعت حادثة الخطف في 16 ديسمبر 2015 بمنطقة ليا التي تبعد نحو 30 كيلو متر جنوب شرق ناحية بصية في بادية محافظة المثنى المحاذية للمملكة العربية السعودية. وجرى إعلام وزير الخارجية وقتئذ خالد العطية بأن مصير الرهائن يتحدد في الضاحية الغربية لبيروت.

تسلمت قطر الرسالة وهي تمر بأزمة تراجع عام في دورها في سوريا. فقد خطت تركيا مع إيران وروسيا خطوات منفردة في مؤتمر أستانة. ولم تعد حكومة العدالة والتنمية بقادرة على مراعاة الشريك القطري، خاصة بعد الدعم العسكري الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية المشكلة بشكل رئيسي من مجموعات أوجلانية ذات صلة حميمة مع حزب العمال الكردستاني، ومحاولة الانقلاب الفاشلة التي تبعها عمليات تنظيف واسعة في مؤسسات الدولة المختلفة تجاوز عدد ضحاياها 120 ألف بين عسكري ومدني وموظف دولة. ومحاولة قطر الاستفراد بالعلاقة المتميزة مع جبهة النصرة بثوبها الجديد (جبهة فتح الشام وبعدها هيئة تحرير الشام) بما صار يشمل جبهة النصرة ونور الدين الزنكي ومهاجرين وقطاع من جند
الأقصى.

كانت المباحثات بين حزب هلل والطرف الإيراني مع ممثل الجولاني وأبو جابر الشيخ (حسام الشافعي) من هيئة تحرير الشام تجري في الدوحة لصفقة متعددة الجوانب: تسليم المخطوفين عند الطرفين، إطلاق سراح المخطوفين القطريين، تهجير سكاني في أربعة بلدات: الفوعة وكفريا ومضايا والزيداني على أساس مذهبي، هدية مالية قطرية هامة لكل أطرف المفاوضات. ولكي تغطي قطر ظهرها، لمفاوضات كل أطرافها مصنفة على لوائح الإرهاب الخليجية، طلبت من رياض حجاب، رئيس الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض مباركة الاتفاق ومقابلة عدد من المشاركين المباشرين فيه وفي مقدمتهم مندوب الجولاني وأبو جابر الشيخ إلى الدوحة عن النصرة حسام الشافعي.

فقد السفير القطري صوابه عندما تحدث أعضاء الوفد المفاوض في جنيف في جولة مارس 2017 عن رفضهم لأي تهجير سكاني وتغيير ديمغرافي في سوريا، وقال لهم رئيسكم (رياض حجاب) يعلم كل شيء وقد بارك الاتفاق وليس ذنبنا أنه لم يضعكم في تفاصيل ما حدث. وكادت القضية تودي برأس رئيس الوزراء العراقي حيث تعمدت السلطات القطرية، كما أكد موقع “العربي الجديد” القطري في 28 أبريل 2017. ألا يكون المبلغ الذي يقارب المليار دولار الذي حملته الطائرة القطرية المقلة لمستشار الأمير إلى بغداد في حقائب دبلوماسية وكأنها تقول الجميع شريك في الصفقة؟ فأعطى تصريحاً مفصلاً بتجريم الطرف القطري وأطراف غير حكومية: “جاء السفير للتفاوض مع المجموعات المختطفة بعلم الحكومة”.

وعندما طلب منه مبلغ كبير من المال عاد للدوحة على أن يعود بما تعهد به. بعد ثلاث أيام عادت الطائرة وعلى متنها مستشار الأمير والسفير القطري وكان هناك شنطات كبيرة بأعداد كبيرة في الشحن غير مشمولة بالحصانة الدبلوماسية بالتفتيش تبين أنها مئات ملايين الدولارات. لم ترد الحكومة خلق مشكلة كما يقول العبادي فتم وضع اليد على الأموال وحمايتها وقيل للقطريين: عندما ينفض موضوع الرهائن نناقش هذا الموضوع معكم. تركز الجهد على تسليم المخطوفين فطلب القطريون الأموال لدفعها للخاطفين فكان قرار العبادي ما دام هذه الأموال دخلت للعراق فلا يمكن أن تخرج إلا ضمن السياق القانوني السليم.

وأدلى حيدر العبادي بأقوى تصريح له كورقة براءة من اتفاق يمكن أن يحرق مستقبله السياسي:
“يوجد قضاء وبنك مركزي… المال ما زال عند الحكومة العراقية… لأن هذا غسيل أموال وخطأ… تصور مئات الملايين تعطى لجماعات مسلحة، هل هذا مقبول ليش نربط مصير العراق بقضايا أخرى خارج الحدود، الفوعة والزبداني مشكلة هناك موجودة مالها عالقة فينا، أكو اعترض من المواطنين أنفسهم يقولون ليش تطلعونا من قرانا… ثم صارت دماء الناس بالفلوس… أموال وليس مبادئ… هذا يقول حريص على دماء السنة وهذا حريص على دماء الشيعة وبالأخير كلها قضايا فلوس.. هذا الإرهاب منين يأتي مين يزته، الجماعات المنفلتة ما تعرف منهم، مرة نصرة يغيروا الاسم قاعدة صارت داعش… كذا اسم مطروح في سوريا ما أنزل الله بها من سلطان، وكلهم يدعون الصلة بالله، كلها يضيف اسم الله أو الإسلام أشكال وألوان… يرضى الله نقتل الناس بهذا الشكل، يرضى نتبادل الدم بالمال؟”.

كان لصفقة البلدات الأربع الفضل في كشف أن ما يجري تسريبه للإعلام من 18 مليون هنا أو عشرين مليون دولار هناك إنما يحدث للتعمية على مئات الملايين التي جرى تحويلها للجماعات الإرهابية في الصومال واليمن وليبيا وسوريا والعراق إلخ. وأن قطر، التي تدفع 500 مليون دولار في الأسبوع من أجل المونديال، قد دفعت مبالغ طائلة للإرهابيين لزعزعة أمن المنطقة وتقوية من تعتبرهم حلفاء، شركاء، أو بيادق.

وصار بالإمكان فهم ما قصده أبو محمد الجولاني عندما قال بأن الهدر في سياسة الجبهة المالية قد بلغ حوالي مليار دولار، هذا هو الهدر فما هو رأس مال التنظيم الإرهابي كله؟ لا شك بأن ما نأتي على ذكره أقل بكثير مما تلقته المنظمات الإرهابية من الرهائن، ولا يتعرض لمحاولات أجهزة أمن أوروبية دفع مبالغ كبيرة للإفراج عن المختطفين.

فلم يعد سراً، على سبيل المثل لا الحصر، محاولات المخابرات الإيطالية للإفراج عن الأب باولو الذي اعتقله تنظيم داعش مقابل فدية مالية كبيرة
رفضها التنظيم وطالب بأضعافها. أو الصفقة الفرنسية- التركية للإفراج عن الصحفيين الفرنسيين الأربعة (ديدييه فرنسوا، نيكولا هينان، بيير توريز، إدوار إلياس) والتي تجاوزت 18 مليون دولار وفق مجلة “فوكوس” الألمانية قدمت لداعش. حيث، وبمحض “الصدفة”، عثرت دورية للجيش التركي ليلة 20-19 أبريل في منطقة لا يسيطر عليها أي من أطرف القتال على الحدود السورية-التركية على الصحفيين الأربعة.

ووفق نائب فرنسي في لجنة العالقات الخارجية استجوب لوران فابوس وزير الخارجية عن الفدية، رغم تصريح الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بأن فرنسا لا تدفع فدية في عملية خطف الرهائن، فقد دفعتها قطر. والقائمة طويلة.

حملة الحقائب
تعد تقنية حملة الحقائب من أقدم تقنيات تمويل الجماعات التكفيرية. كانت هذه التقنية تستعمل من قبل الفرنسيين اليساريين الداعمين لجبهة التحرير الوطنية الجزائرية وقد اشتهرت بشبكة جنسن. لم يكن حملة الحقائب كثر في “الجهاد الأفغاني” ضد القوات السوفييتية. حيث كانت المخابرات المركزية الأمريكية والغربية تساعد في تسهيل كل الحوالات إلى المقاتلين الأفغان مهاجرين وأنصار. ولم يجر اللجوء المكثف إلى هذا الأسلوب عند التنظيمات “الجهادية”، إلا بعد الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. حيث ومنذ هذا التاريخ, أصبحت تشكل الوسيلة الأكبر والأهم لنقل المال إلى التنظيمات الممنوعة. وقد لجأت إليها التنظيمات التكفيرية ومموليها وكذلك المجموعات المسلحة الأخرى.

وإن كانت شبكة القطري عبد الرحمن بن عمير النعيمي أشهر حملة الحقائب في الإعلام الغربي، فقد قمنا بإحصاء 122 من حملة الحقائب من حملة الجنسيات القطرية والسعودية والكويتية والسورية والليبية والمصرية واليمنية والتونسية. إلا أن تورط أكثر من جهاز أمن سواء بالتمويل أو على الأقل بغض النظر، حال دون فتح ملف معظم هذه الأسماء، خاصة وأن بينها أعضاء في مجلس الأمة الكويتي والبرلمان اللبناني وأعضاء في المجلس الانتقالي الليبي وقياديين في المجلس الوطني السوري وأسماء قدمت وتقدم خدمات للمخابرات المركزية الأمريكية في قيادة الائتلاف السوري للمعارضة إلخ.

في شهادة لمفصول من “جبهة النصرة” يقول: “كل المبالغ التي تقرأها في الصحف أقل بكثير من المبالغ الحقيقية التي تسلمتها الفصائل المتطرفة وإذا حققت قليلاً، تجد أن مصدر مبالغ معينة كان عبر تسريبات متعمدة من أجهزة مخابرات الدول أو التنظيمات نفسها لتخفيف الصدمة على الرأي العام لقد صرفت مئات الملايين، وليس عشرات الملايين لتمويل النصرة وداعش والفصائل الأقل أهمية في الميدان. لم يكن بالإمكان نقل المتطوعين لمناطق القتال دون مبالغ هائلة صرفت في ليبيا وتونس وتركيا”.

أحرقت المخابرات القطرية كل أوراقها في السنوات الست الماضية. ولا يوجد مسؤول في تنظيم قطري خيري إلا وتم تورطه بحمل حقيبة لهذا التنظيم هنا أو تلك الجهة هناك. بل تم استعمال الجهاز الدبلوماسي لحمل الحقائب. وفي مفاوضات جنيف السورية كان أحد دبلوماسيي البعثة القطرية في جنيف يحمل الحقائب بنفسه للأطراف الإخوانية المشاركة ومن هو تحت الوصاية القطرية- التركية.

ويمكن استجواب رئيس الوفد المفاوض للهيئة العليا، الذي طلب وضع أجهزة تشويش في غرفته وتجنب إحراج زواره الدبلوماسيين عن محتويات الحقيبة التي تسلمها، فكاميرات الفندق كانت لأكثر من جهاز، وكونه تحت الحماية العليا تم فتح حقيبة الدبلوماسي القطري من قبل الأمن السويسري وشاهد ما فيها والتزم الصمت، إلا أن للجدران أعين وآذان، وقد حصلنا على شريط مصور يظهر المال في الحقيبة التي خرج المسؤول القطري بدونها. طبعاً لا يجري تفتيش حقائب أعضاء الوفد عند مغادرتهم مطار جنيف منعاً لأزمة دبلوماسية!

التعليقات