كتاب 11
مذكرات عمرو موسى
في عالم السياسة العربية هناك عدد بسيط من الشخصيات التي من الممكن أن يطلق عليها «سوبر ستار» أو «نجوم فوق العادة»، وأحد هذه الشخصيات هو عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية ووزير خارجية مصر أيام حقبة الرئيس الأسبق حسني مبارك، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من المهام التي أوكلت إليه والتي جعلته سياسياً محترماً ومحبوباً. ولذلك استقبلت الأوساط السياسية والإعلامية بكثير من التقدير والاهتمام خبر صدور الجزء الأول من مذكراته بعنوان «كِتَابِيَهْ»، وحصلتُ على إحدى أولى النسخ من الكتاب، وبدأتُ في قراءته فوراً.
تربطني بالرجل علاقة قديمة على الصعيد الاجتماعي، ومعرفتي به قديمة، بالإضافة إلى أني شاركت معه في كثير من المؤتمرات والمنتديات والندوات في براغ وواشنطن والقاهرة ودافوس.
الكتاب ضخم يزيد عدد صفحاته على 500 صفحة، ومنسق ومراجع بشكل مهني واحترافي واضح، أشرف على ذلك الصديق المحامي خالد أبو بكر. يغطي الكتاب حقبة لافتة ومهمة من حياة عمرو موسى؛ محطات شخصية ومحطات مهنية، ويركز بشكل كبير على مواقف محورية ومشاهد كبرى، كأزمة احتلال الكويت من قبل النظام العراقي، وتداعيات حرب تحرير الكويت بعد ذلك. ويستعرض عمرو موسى في مذكراته مواقف مع شخصيات قيادية في العالم العربي، كما يضمنها آراءه في زعامات وقيادات مصر بشكل واضح وجريء.
في سياق الحديث هذه الأيام عن دور نظام الانقلاب في قطر ودعمه الإرهاب وعدائه المفضوح للسعودية ومصر والبحرين والإمارات، أستذكر موقفاً شخصياً حصل لي مع عمرو موسى في المنتدى الاقتصادي العالمي بمدينة دافوس السويسرية. كنت أحضر محاضرة لوزير خارجية الانقلاب في قطر وقتها حمد بن جاسم الذي كان يهاجم فيها مصر بشكل رئيسي (وهذا يؤكد عداء نظام الانقلاب في قطر للدول الأربع منذ وصوله للحكم وقبل أحداث الربيع العربي). حضر عمرو موسى بعد انتهاء حمد بن جاسم من كلمته، وسألني: «ما الذي قاله حمد بن جاسم هذه المرة»، وكان يبدو عليه الاستياء وهو يستمع إلى الرد، وتمتم قائلاً: «زودوها. ما الذي يريدونه؟». حصل هذا بينما عبر حمد بن جاسم أمامنا ونظر باتجاه عمرو موسى نظرة كلها شر.
الكتاب رحلة ذكريات ممتعة وغنية لرجل عرف عنه «الحضور»، و«الكاريزما» التي ولدت لديه شعبية كبيرة في الشارع العربي، جعلته اسماً ضمن أغنية شعبية ناجحة يقال إنها كلفته منصبه وزيراً للخارجية المصرية بعد أن دبّت الغيرة لدى من أقنعوا الرئيس مبارك بإزاحته من وزارة الخارجية.
كان يدرك كيف يتعامل مع العقلية الغربية، خصوصاً الأميركية، كما له اعتزاز بالموقف العربي، وكان الكادر الدبلوماسي الدولي يحسب له حساباً، ويكنّ لدوره كثيراً من التقدير لمكانته، مما أبقى للرجل قيمته بعد مغادرته المناصب الرسمية، كما أبقته في نشاط وحضور دائم على الصعد المحلية والإقليمية والدولية، لم يتغير قبل ثورات مصر ولا بعدها.
الكتاب رحلة مشوقة وممتعة في ذاكرة رجل فرض حضوره واحترامه لسنوات طويلة، شملت تجارب في الهند ومصر والأمم المتحدة والعالم العربي، وتعرض فيها لمواقف شخصية ومهنية تفاوتت بين الصعود والهبوط، والفرح والحزن، وكانت كلها أهم ما شكل وصقل شخصية الرجل اليوم. لقد أفرزت الدبلوماسية المصرية كثيراً من الشخصيات المميزة، وعمرو موسى دخل التاريخ بوصفه أحد أهم الشخصيات التي تبوأت هرم الدبلوماسية المصرية بشكل مشرّف وفعّال.
ليس من عادة الساسة العرب أن يكتبوا مذكراتهم، وهي مسألة محيرة وغير مفهومة، لأن تجاربهم ليست شخصية، ولكنها ملك للعامة، ومن حقهم أن يطلعوا على التجربة من باب الاستفادة ونقل الخبرة والمعرفة للأجيال المقبلة. الكتاب معدّ بطريقة مهنية ومحترمة، وهو رحلة قراءة ممتعة في حياة رجل محترم ومميز.
في إحدى المناسبات التي جمعتني بالرجل، وتحديداً خلال «منتدى براغ 2000»، كنا معاً في السيارة في طريقنا لقاعة المنتدى… سألته: ألم يحن الوقت لطرح مذكراتك؟ قال لي متنهداً: هل تعتقد أن هناك من سيهتم ويقرأ؟ قلت له: نعم أعتقد ذلك. الحمد لله أنه استمع لنفسه وطرح مذكراته الممتعة.