تحقيقات

12:15 مساءً EET

تاريخ قطر الأسود مع دول الخليج

تعيد الأزمة الحالية بين دول الخليج وقطر، التذكير بتاريخ أسود للنظام القطري تجاه الخليج والدول العربية، بسياساته الخارجية المتخبطة والمتناقضة، والتي دأبت على زعزعة أمن واستقرار المنطقة، وإصرار الدوحة على التصعيد والتحريض الإعلامي، ودعمها وتمويلها للتنظيمات الإرهابية، وإطلاقها آلتها الإعلامية “الجزيرة القطرية” لشق الصف العربي، وتهديد الكيان الخليجي، بنشرها تقارير إعلامية مسيئة للدول الخليجية ورموزها، دون أدنى مراعاة لقيم أو التزام بثوابت العلاقات الخليجية، والتنكر لجميع التعهدات السابقة.

ومازالت الدوحة تمتدح علاقتها بإيران كدولة إسلامية إقليمية وتحذر من معاداتها، وتتمسك بعلاقتها الوثيقة بإسرائيل، إضافةً إلى تاريخها القديم في دعم وتمويل الأنشطة الإرهابية المسلحة في كثير من الدول العربية، مثل سوريا والعراق ومصر وليبيا والصومال وموريتانيا، إضافةً إلى دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، وعلاقاتها المقربة مع مليشيا حزب الله الإرهابية، وحركة حماس المحسوبة على الإخوان.

الإمارات وقطر
في عام 1995، بعد أن أطاح الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بوالده ليصبح أمير قطر، منحت الإمارات اللجوء للمخلوع خليفة بن حمد آل ثاني، فيما اتهمت قطر الإمارات، إلى جانب السعودية و‌البحرين بالتآمر ضد الأمير الجديد، وأجريت عدة مئات من الاعتقالات فيما يتعلق بالحادث خلال العامين القادمين، وفي فبراير 1996، تمت تعبئة الحرس الأميري القطري.

وبحلول 2014، تدهورت العلاقات بين الإمارات وقطر، التي لم توفر جهداً في دعم جماعة الإخوان المسلمين، وكانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير، تصريحات الداعية يوسف القرضاوي في خطبته الأسبوعية التي بثت على التليفزيون القطري الرسمي، والتي قال فيها إن “الإمارات تقف ضد أي حكم إسلامي، وتسجن المتعاطفين معه”، متسببةً بأزمة غير مسبوقة بين دولتيّ الإمارات وقطر، استدعت الإمارات على إثرها سفيرها من قطر في الثاني من فبراير العام 2014.

سحب السفراء 2014
في مارس 2014، قررت الإمارات والسعودية والبحرين سحب سفرائها من قطر، وجاء في بيان مشترك للدول الثلاث أن القرار اتخذ بعد فشل كل الجهود في إقناع قطر بضرورة الالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد، سواء عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي وعدم دعم الإعلام المعادي.

واعتبرت الدول الثلاث آنذاك في بيانها أن “قطر قد أخلت بتنفيذ اتفاق وقّع في الرياض في 23 نوفمبر 2013 بحضور أمير دولة الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح”.

أسباب الخلاف
وتعود الخلافات التي أدت إلى عقد اتفاق الرياض عام 2013، إلى مواقف رأت الدول الخليجية أنها تخالف توجهها العام، بدعم النظام السياسي الجديد في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي، بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي والنخبة العسكرية المصرية، الأمر الذي يتناقض مع دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين، علاوةً على استقبال قطر لعدد من قيادات الإخوان المسلمين، والنشاط الإعلامي على أراضيها.

قطر ردت آنذاك بالتعبير عن “أسفها واستغرابها” للقرار، معتبرةً أن الخطوة التي أقدمت عليها الدول الثلاث “لا علاقة لها بمصالح وأمن واستقرار الشعوب الخليجية، بل باختلاف في المواقف حول قضايا خارج مجلس التعاون الخليجي”. كما أكدت أنها لن تقوم بالمقابل بسحب سفرائها.

الإخوان
وتعتبر الإمارات أن قضية الإخوان المسلمين مرتبطة بأمنها الداخلي، خاصةً بعد أن أصدرت محكمة أمن الدولة في أبوظبي عقوبات صارمة على المشتبه في انتمائهم لخلية الإخوان المسلمين لمحاولتها الإطاحة بالدولة، في أبريل 2014، ذكر رئيس قوة شرطة دبي ضاحي خلفان، أنه “لا ينبغي أن تكون قطر ملاذًاً آمناً لما يسمى بالإخوان المسلمين‘، وأكد أيضاً أنه ينبغي لدولة الإمارات أن “تستعيد قطر”.

وفي سبتمبر 2014، أفيد بأن الحكومة الإماراتية استثمرت مبلغ 3 مليون دولار في حملة ضغط ضد قطر، أساساً كرد على دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين، وهدفت الحملة إلى التأثير على الصحفيين الأمريكيين لنشر مقالات انتقادية عن تمويل قطر المزعوم للجماعات الإسلامية، وقد اتهمت قطر أيضاً بالتأثير على المنافذ الإخبارية للإبلاغ بشكل سلبي عن الإمارات.

السعودية وقطر
تعود جذور الخلاف إلى عقود مضت بين السعودية وقطر، وكان النزاع الحدودي واحداً من مجموعة كاملة من النزاعات بين الدولتين، فهما تختلفان أيضاً بالنسبة للوجود الأمريكي في قطر، وكذلك تحسين علاقاتها مع إيران، بل اتخاذها خطوات للتطبيع مع إسرائيل.

وفي عام 1965 وقعت قطر والسعودية اتفاقاً يقضي باتخاذ ترسيم الحدود البرية والبحرية بينهما. وتطورت الخلافات الحدودية إلى أن تفاقمت منذ حادثة الخفوس عام 1992 ، حين زعمت الحكومة القطرية بأن قبيلة آل مرة ساندت القوات السعودية وقامت بمواجهة القوة القطرية.

أزمة أمين المجلس الخليجي
في ديسمبر 1996 اختارت القمة الخليجية التي عقدت في مسقط الشيخ جميل الحجيلان، أميناً عاماً لمجلس التعاون الخليجي، مقابل مرشح قطر في ذلك الحين، الأمين العام السابق عبد الرحمن العطية، فاحتج أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني على ذلك، وقاطع الجلسة الختامية لقمة مسقط الخليجية في ذلك الوقت.

ومما زاد في الأزمة المحاولة الانقلابية الفاشلة على الأمير حمد التي رتبها والده الأمير الأسبق الشيخ خليفة سعياً للعودة إلى الحكم بعد انقلاب ابنه عليه العام 1995. إلا أن الدوحة اعتبرت أن لبعض الأطراف السعودية يد في هذه المحاولة. ومن هنا بدأت الأزمة الحقيقية التي شهدت الكثير من الإشكاليات، واستخدمت قطر وسائل الإعلام المناوئة للسعودية وقامت بدعمها مالياً.

الجزيرة القطرية
أرسل أمير قطر بعد تلك الأزمة بفترة رئيس الوزراء ووزير الخارجية حمد بن جاسم بن جبر آل ثان، إلى السعودية عارضاً فتح صفحة جديدة في العلاقات مع المملكة، متعهداً بأن تكف وسائل الإعلام القطرية عن التطرق لشؤونها.

وكان لقناة الجزيرة القطرية، دور محوري في ألاعيب معقدة، تسببت بتصعيد الخلاف مجدداً، ففي عام 2002 تطرق برنامج تليفزيوني بثته تلك القناة لمؤسس المملكة الراحل الملك عبد العزيز آل سعود، وأدى هذا البرنامج لسحب السعودية سفيرها صالح الطعيمي، من الدوحة دون إعلان.

وفي 5 مارس 2014، قررت الدول الثلاث، السعودية والإمارات والبحرين، سحب سفرائها من قطر، لتصل الأزمة إلى ذروتها.

البحرين وقطر
بالعودة إلى البحرين بدأ تدهور العلاقات بينهما منذ عام 1860 بنزاعات صغيرة، واستمرت الحروب بين الطرفين طوال القرن العشرين، إلى أن أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي في العام 1992 حكماً ملزماً وغير قابل للاستئناف، بشأن النزاع الحدودي بين قطر والبحرين الذي استمر قرابة 50 عاماً.

فقد أعلنت المحكمة، عن أن دولة قطر لها السيادة على الزبارة وجزيرة جنان وحد جنان وفشت الدبل، كما حكمت للبحرين بالسيادة على جزر حوار وجزيرة قطعة جرادة، وحكمت بأن يكون لسفن قطر التجارية حق المرور السلمي في المياه الإقليمية للبحرين الواقعة بين جزر حوار والبر البحريني، واستمر تداول المحكمة للقضية 9 سنوات فيما يعد أطول نزاع إقليمي ورد إليها.

تحريض إعلامي
وفي 2011 تقدمت المنامة باحتجاج إلى حكومة قطر بسبب فيلم بثته قناة الجزيرة التابعة للحكومة القطرية، يسلط الضوء على الاحتجاجات المستمرة من قبل الشيعة في البحرين ضد الحكومة.

وبدورها انتقدت الصحف البحرينية الفيلم الوثائقي المكون من 50 دقيقة ووصفتها بأنها أكاذيب وافتراءات، حيث يظهر الفيلم كيف كان يتم استخدام الموقع الاجتماعي فيس بوك في استهداف نشطاء الديمقراطية.

وذكرت صحيفة “غارديان” البريطانية أن “الفيلم عرض على قناة الجزيرة بالإنجليزية فقط دون العربية، إذ يأتي ذلك بعد انتقادات واسعة تعرضت لها القناة القطرية بسبب تغطيتها المتحيزة ضد الحركة الاحتجاجية في البحرين، مقارنةً بتعاطفها الكبير مع الثورات في مصر وتونس وسوريا”.

تدخل قطر بالشؤون الداخلية
وكشفت صحيفة “الوطن” البحرينية، في عددها الصادر اليوم الأربعاء، عن جانب مهم من تفاصيل التدخل القطري في الشؤون الداخلية البحرينية خلال أزمة 2011.

وبيّنت طبيعة الاتصالات التي تمت بين الدوحة وطهران مع جمعية الوفاق المحظورة، رغم تورط الأخيرة في مؤامرة إسقاط الحكم في البحرين، وارتباطاتها المشبوهة مع إيران. وساهمت تلك الاتصالات في التحضير لإطلاق المبادرة القطرية للأزمة، وأبرز محاورها تشكيل حكومة انتقالية في البحرين والطلب الرسمي بانسحاب قوات درع الجزيرة من المنامة.

وأشارت التفاصيل التي أوردتها صحيفة “الوطن” إلى قيام رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني في مارس 2011، باتصالات مكثفة مع أمين عام جمعية الوفاق المحظورة علي سلمان. وقدم في الاتصالات التي أجريت قبل دخول قوات درع الجزيرة بفترة بسيطة إلى البحرين، مجموعة من الأفكار، واعتبرها لاحقاً مبادرة قطرية للمنامة.

كما كشفت أنه خلال اتصالات حمد بن جاسم مع الوفاق، طلب منها “ضرورة التنسيق بينها وبين الجمعيات المتحالفة معها لضمان استمرار المحتجين في دوار مجلس التعاون، بحيث تقوم قطر بالضغط على حكومة البحرين من أجل أن تفتح الجهات الأمنية جميع الطرق للجمهور، وإيقاف الحراسات الأهلية، وكذلك نقاط التفتيش الشعبية”.

وخلال “المباحثات القطريةـ الوفاقية” طلب الوسطاء البحرينيون مجموعة من المطالب، وقدموها لحمد بن جاسم الذي وعدهم بالعمل عليها ووصفها بـ”الأفكار الإيجابية والمهمة”.

وفي ضوء تلك الاتصالات بلور رئيس الوزراء القطري وثيقة “المبادرة القطرية” التي تطلب من حكومة البحرين تنفيذ 4 خطوات أساسية، وهي: ضمان حق التظاهر لجميع المواطنين، وإيقاف تلفزيون البحرين، والإفراج عن جميع الموقوفين في الأحداث، وتشكيل حكومة انتقالية خلال شهرين.

انسحاب درع الجزيرة
كما كشفت الصحيفة أن من الأفكار المثيرة التي طرحها رئيس الوزراء القطري على جمعية الوفاق المحظورة إلغاء حالة السلامة الوطنية في البلاد، وانسحاب قوات درع الجزيرة، حيث أكد لهم أن الدوحة “لن تشارك في القوات الخليجية المشتركة، وإن شاركت فستكون مشاركتها رمزية وشكلية”.

ونالت تلك الأفكار قبول الأمانة العامة لجمعية الوفاق المحظورة، خاصة بعد أن أكد حمد بن جاسم أن الدوحة ستكون الراعي الرئيس لهذه المبادرة، وأكدت الوفاق ضرورة إشراكها في الحكومة الانتقالية فوافق على هذا الطلب.

وطرحت الحكومة القطرية هذه الأفكار على حكومة البحرين التي رفضتها بشكل كامل، لكونها تعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية المحلية.

التعليقات