كتاب 11

02:30 مساءً EET

هل يتبع ترمب سياسة كلينتون؟

هل من الممكن أن يتبع الرئيس الأميركي دونالد ترمب سياسة كلينتون تجاه الشرق الأوسط؟ وهنا المقصود ليست وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، التي تنافست العام الماضي على الرئاسة الأميركية ضد ترمب، بل المقصود زوجها، الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، الذي لجأ إلى القوة العسكرية مرات عدة لتحقيق أهداف سياسية محدودة. فكلينتون قصف العراق والسودان خلال رئاسته في ظروف مختلفة عن الواقع السوري اليوم، ولكن هناك أوجه التشابه بين الحالتين. فكلينتون ضرب عصفورين بحجر واحد عندما قصف العراق والسودان؛ إظهار نفسه رئيساً قوياً على الصعيد الداخلي وفرض واقع ينفع المصالح الأميركية على الصعيد الخارجي. أبدى كلينتون استعداداً للتحرك السريع، ولكن في إطار محدود لا يورط بلاده بحرب طويلة. من وجهة نظر الأميركيين، هذا توازن جيد، ولكن ضربات محدودة من دون حلول سياسية جلبت أضراراً طائلة على العراق والسودان. فالقصف الأميركي جاء ضمن نهج «سياسة الاحتواء» لأنظمة تعارضها واشنطن وتعتبر «مارقة»، ولكن «الاحتواء» في واقع الحال أدى إلى عزلة البلدين ومعاناة شعبيهما من عقوبات الخارج وديكتاتورية الداخل.
كلينتون كان يواجه مشكلات داخلية عندما قصف العراق والسودان عام 1998، وكان يهدف إلى صرف الانتباه عن مشكلاته مع فضيحة مونيكا لوينسكي. وترمب اليوم لديه مشكلات داخلية على رأسها القضايا المثارة حول علاقته بروسيا، ولكن ما إن قصف سوريا حتى بات التركيز على الخطوات المقبلة الممكنة فيما يخص الملف السوري. وقرار ترمب قصف قاعدة «الشعيرات» العسكرية الجوية قرب حمص ليلة 7 أبريل (نيسان) يحمل رسائل عدة؛ الأولى رسالة داخلية من الرئيس الأميركي لمؤيديه ومعارضيه بأنه قادر على اتخاذ قرارات حاسمة، وليؤكد مرة أخرى أنه مختلف عن سلفه باراك أوباما. الرسالة الثانية خارجية للحلفاء والخصوم، تحمل الفحوى نفسها. وأما الرسالة الموجهة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد فهي لتجيب عن تساؤلات بشأن درجة قبول ترمب للأسد كحليف غير مباشر، والرد جاء مدوياً عبر 59 صاروخاً: لا.
القيام بضربات صاروخية محدودة من بين الأدوات المتاحة للرئيس الأميركي التي طالب بها كثير من معارضي نظام الأسد وقادة دول المنطقة خلال السنوات الست الماضية. فليست هناك ضرورة لغزو كامل لسوريا لتحجيم الأسد، على عكس ما كان يصوره نظام الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بأنه خياران فقط؛ إما عدم اتخاذ أي إجراء لحقن الدماء، أو غزو كامل على غرار حرب 2003 في العراق. ومن المعروف أن القوة الجوية للأسد هي التي قضت على وجود القوى المعارضة المعتدلة في مدن مثل حلب. والمطالبة بالتحرك المحدود لم يأتِ من فراغ، فخلال تسعينات القرن الماضي، اعتمدت الولايات المتحدة هذه الآلية مرات عدة، فضربت السودان والعراق، وقبل ذلك عام 1986 عندما قصفت ليبيا. وحينها كان يترأس كل هذه الدول رؤساء تعتبرهم واشنطن خصوماً وغير مرغوب فيهم، ولكن لم تكن هناك سياسة أميركية لـ«تغيير النظام» في أي من تلك الدول، بل جاءت الضربات الجوية أقرب إلى «جر أذن» من خطوات ملموسة لزعزعة أنظمة هؤلاء الرؤساء. ولكن تغير هذا النهج بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وتولي الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش سدة الحكم، ليشرف على احتلال أفغانستان والعراق. وأما باراك أوباما، فلم يكن نهجه واضحاً؛ من ناحية وصل إلى البيت الأبيض بوعد «إنهاء الحرب» في العراق والانسحاب منه ومن أفغانستان، ومن ناحية هو قاد تحالفاً لإزاحة الزعيم الليبي معمر القذافي من الحكم، ولكن من دون أي خطة أو نية لتطوير خطة تحمي ليبيا في المرحلة التي تلحق إزالة نظام القذافي.
وبينما جاءت الضربات الجوية في السودان وليبيا رداً على عمليات وقعت خارج أراضيهما، جاء القصف الأميركي على العراق نتيجة تهديد بوجود سلاح كيماوي. وضرب قاعدة حمص تلا جريمة الهجمة الكيماوية في خان شيخون وهي جريمة داخلية قام بها الأسد ولكن دواعيها إقليمية ودولية، مع خطورة انتشار استخدام الأسلحة الكيماوية من دون رادع أو عقوبة.
ولكن اليوم الخوف أن تكون هذه الضربات الجوية الأخيرة لقصقصة أجنحة الرئيس السوري وإظهار عضلات الرئيس الأميركي، من دون حسم المأساة السورية المستمرة. فيجب ألا تكون الرسالة للأسد ومؤيديه في طهران وموسكو بأن قتل السوريين مباح إن لم يكن باستخدام الكيماوي. وهناك أوساط أميركية تعتبر أنه من الممكن «احتواء» الأزمة السورية، والسماح باستمرار الاقتتال الداخلي وفرض العقوبات الدولية وعزل سوريا عن العالم. وبذلك يقهر النظام السوري خصومه داخلياً ويؤذي شعبه من دون أن يشكل «تهديداً» للمصالح الأميركية. إلا أن الأزمة السورية أثبتت أنها أزمة غير قابلة للاحتواء، من انتشار عصابات الميليشيات وظهور «داعش» إلى تبعات لجوء أكثر من 5 ملايين سوري هرباً من ويلات بلادهم. والعراق يشكل مثالاً على سياسة أميركية لـ13 عاماً مبنية على عزل نظام صدام حسين وقهر شعبه بعد انتفاضة عام 1991 التي قمعها نظام صدام… مع ضربات بين تارة وأخرى آذت الشعب أكثر من النظام. وفي الأخير، تطورت سياسة الاحتواء لتصل إلى إزالة صدام بثمن باهظ وبعد تدمير أسس الدولة.
ومن ناحية أخرى، علينا التذكر بأن بيل كلينتون هو أيضاً من تدخل في البوسنة، فاستطاع أن يقود تحالفاً عسكرياً بثقل سياسي من خلال حلف «الناتو» للتوصل إلى اتفاق «دايتون» الذي أنهى حرب البوسنة الدامية. وبالطبع، سوريا هي ليست العراق ولا السودان ولا ليبيا ولا البوسنة، ولكل من هذه الدول خصوصيتها وتاريخها الفريد الذي لا يمكن اعتباره «نموذجاً» لحل أزمات جديدة. ولكن يمكن تعلم الدروس. وعندما أصبح السياسي البريطاني بادي آشداون الممثل الأعلى الدولي للبوسنة وشبه حاكم لها قال إنه قبل بتلك المهمة، لأنها «كانت خطيئة بشعة من الغرب للسماح بكل تلك السنوات من الحرب». الخطيئة في سوريا ليست كلها برقبة الغرب، ولكن كان للغرب دور مهم فيها، فهل سيتراجع عن خطيئته ويكون جاداً في البحث عن حلول تنقذ شعب سوريا وتأخذه وبلده إلى نعيم السلام؟

التعليقات