كتاب 11
مبادرة شجاعة نحتاج “بحرنتها”
تساءلت وأنا أستمع للعرض الذي قام به البروفيسور ذياب البداينة رئيس مركز ابن خلدون للدراسات والأبحاث ومعه د.خولة الحسن مديرة المركز، للدراسة التي أعداها بتكليف من «مركز معلومات المرأة والطفل» عن العوامل التي تؤثر بالناشئة وتدفعهم للتطرف والعنف في عالمنا العربي، تساءلت إن كان لدينا في البحرين تصور مبني على دراسات وتحليل علمي رصين يفسر لنا وجود هذا العدد الذي تكتظ به السجون من متورطين ناشئة في أعمال إرهابية أو أعمال عنف؟ أو تصور مبني على دراسات وتحليل علمي رصين لتكرار اكتشاف خلايا إرهابية في البحرين منذ الثمانينات إلى اليوم، خلايا نجحت في ضم ناشئين لصفوفها وتجنيدهم للقيام بأعمال خطرة جداً.
الدراسة التي تم استعراض نتائجها أمس السبت في مقر جمعية رعاية الطفل والأمومة، أخذت من 6000 عينة من كل الدول العربية بينهم 200 بحريني، بحثت في العناصر والعوامل التي تدفع بالشاب أو الشابة لممارسة العنف وليس فقط الإيمان والقناعة به كأداة من أدوات الحل، وما وجدت أياً من استنتاجاتها يقترب من الحالة البحرينية وخصوصيتها، رغم الجهد الكبير الذي بذل في الدراسة قياساً بحجم العينة وباتساع شرائحها على اتساع العالم العربي وقياساً بالفترة الزمنية التي استغرقتها الدراسة.
إلى متى نظل بعيدين عن الغوص والتحليل العلمي والبحث في القواسم المشتركة التي تجمع بين أعضاء خلايا الثمانينات والتسعينات والألفية الثانية، حتى نعرف كيف نشخص الحالة البحرينية وندرسها بناء على أدلة موثقة تقطع الشك باليقين تجبر الراغبين في دفن رؤوسهم في الرمال إلى مواجهة الحقائق بمراراتها؟
إلى الآن لم نعرف أو نفهم فهماً مبنياً على تحليل علمي رصين عن العلاقة التي تربط بين تلك الشريحة وبين التطرف في فهم التدين؟ أو الجهاد ضد دولة منحتهم الكثير؟
لم ندرس دراسة علمية ميدانية بمعنى أن نأخذ عينة منتقاة من البحرينيين ممن انخرط في أعمال العنف ضد الدولة وندرس أسباب تلك الخصومة مع الدولة، دراسة تغوص في المفاهيم والمصطلحات التي في فهمهم وإدراكهم ووعيهم حتى تدلنا على المداخل التي ينفذ منها فيروس التجنيد؟ وكيف تكون لدينا في بيوتنا مشروعات إرهابيين صغار جاهزين بهذا العدد على أهبة الاستعداد للاستقطاب والتغرير بهم؟
حتى اللحظة ما وجدت بحثاً عاماً أو حتى دراسة حالة معينة دراسة تفصيلية، ممكن أن تجيب على ماهية الأسباب والدوافع والعوامل التي جعلت من انخراط شرائح حصلت على تعليم عالٍ جداً وعلى وظائف مرموقة جداً وعلى وضع معيشي مريح في أعمال إرهابية؟
جميع الآراء التي تطرح للنقاش وهي محدودة جداً نظراً لحساسية القضية، جميعها مبني على تحليلات انطباعية وقراءات خاصة بما فيها الدراسات العامة، إنما لم تملك أي جهة إلى الآن رسمية أو أهلية جرأة تبني مبادرة من هذا النوع الذي تبنته الجمعية إنما تكون مركزة ومخصصة للحالة البحرينية لا لعموم الوطن العربي.
أي دولة تمر بأزمات أمنية متكررة كالتي مررنا بها في البحرين، وأي جهاز أمن وطني يحتاج قبل أن يضع تصوراً للحفاظ على أمن الدولة الوطني أن يغوص ويحلل ويستقصي الحالات الموجودة بين يديه، ولا يكتفي بعقابها.
عبارة «غرر» بهم كوصف لحالة الاستقطاب التي دفع هؤلاء الشباب حياتهم وحريتهم ثمناً لها، يجب أن تكون تفصيلية أكثر، ما هو دور التنشئة في سهولة «التغرير» بهم؟ ما هو دور الخطاب الديني في بساطة «التغرير» بهم؟ ما هو أثر المدرسة أو المناهج المدرسية أو المعلم أو موقع المنشأة التعليمية في استقطاب تلك الشرائح والتغرير بها؟ ما هو حجم الاختلاط أو عدمه بالنسيج الوطني في الدولة، بمعنى هل المتورطون في أعمال عنف لديهم اختلاط بأصحاب الأعراق أو المذاهب الأخرى، ماذا تقرأ؟ ماذا تشاهد؟ وغيرها من التفاصيل التي تعطيني تصوراً واضحاً يرسم لوحده طريق العلاج وخارطته.
العينات موجودة والأجهزة البحثية موجودة والكلفة المادية لا تذكر، ولكن سيكون لدى الدولة والمجتمع أرضية وقاعدة صلبة ينطلقون منها لمعالجة تلك الأزمات المتكررة، وستستخدم تلك الدراسات في مواجهة ماكنة الإنكار واجترار عامل المظلومية وعنصر الاضطهاد كشماعة وحيدة تلجأ لها لتبرير تكرار خلايا لشباب جميعهم غرر بهم وصغار و«جهالوه».