كتاب 11

01:45 مساءً EET

فئة الشباب!

الجلوس مع فئة الشباب في العالم العربي بالنسبة لي هو بمثابة جرعة من التمارين الرياضية العنيفة للتفكير والتحليل، فهذه المناسبات هي أشبه بـ«مكالمات إيقاظ» من النوع الخاص جداً، التي تجبرك على النظر للأمور من زوايا مختلفة جداً. ومنذ أيام قليلة تبادَلْت الأفكار مع مجموعة من الشباب، وفتحتُ أبواب الحديث في مواضيع الساعة بالنسبة لهم، مواضيع يتم الحديث فيها بلا حرج ولا خوف ولا قيود. عناوين في صميم الشؤون السياسية والتحديات الاقتصادية، وخطاب الكراهية العنصري، والصورة النمطية للخطاب الديني المتشدد. اقتصاد الشركات الصغيرة والمتوسطة تقوده هذه الفئة بامتياز، وهي فئة طموحة ومنفتحة على العالم، لا تؤمن بالحواجز والقيود، ومتأثرة جداً بقصة نجاح ستيف جوبز، و«آبل»، الذي انطلق بفكرته العملاقة من «جراج» السيارة في بيته، كذلك هم يفعلون، فتُقدّم الأفكار المطلقة من مقهى يجتمعون فيه أو من منزل يعملون فيه، مع استغلال هائل ومثالي للتقنية الحديثة ومنظومة التواصل الاجتماعي لتطوير السلع والخدمات والترويج الأنسب والمثالي لذلك، وهذا يحصل أمام سلسلة لا نهاية لها من العراقيل والبيروقراطية والروتين القاتل لأي طموح والمؤدي إلى فساد عظيم.
هذه الفئة لا تعتمد أبداً على الخطاب التقليدي للحصول على معلوماتهم، بل هي فئة «شكاكة» جداً في الوسائل التقليدية، وتحتاج إلى مصادر غير تقليدية للاطمئنان والارتياح، والتأكد من المعلومة أو الخبر.
هي فئة تستغرب وتندهش من التناقض الحاصل بين رَفْع شعارات «مثالية» باسم العادات والتقاليد تارة، وباسم الدين تارة أخرى، ومع ذلك تمارَس في معظم المجتمعات أقسى صور التمييز العنصري، والتفرقة الطبقية المبنية على عنصرية مقيتة، وهذه الفئة لم يعد ينطلي عليها هذا النوع من النفاق الاجتماعي والازدواجية المريضة؛ فهي منفتحة على العالم، وتعلم جيداً أن العالم يرفض ويجرِّم هذه النوعية من الممارسات، وتستغرب من السكوت عنها دون تجريم صريح وتفعيل لذلك الأمر.
هي فئة فَطِنة تعلم وتعي تماماً الخطاب المليء بالكراهية والدعوة إلى العنف حينما تسمعه، وتعلم أن ذلك يخدم مصالح فئوية، وهو ضد مفهوم الدين المنادي بالمغفرة والرحمة والتسامح وإحسان الظن، ولذلك بات الحديث عن الإلحاد والتطرف مسألة «اعتيادية» في صفوفهم، لأن خطاب الكراهية المتسيد أدى وبشكل طبيعي إلى أن يكون الخيار لدى البعض بين الاثنين. هذه الفئة تفكر بشكل مختلف وترغب في أن تكون جزءاً أساسياً من العالم، وليس في حالة عداء دائم معه، ومن المؤكد أنها لا تؤمن أبداً بأن العالم كله مقسوم إلى دارين؛ دار حرب ودار سلام، هي فئة تعيش مقولة «الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أحق بها»، وهو مفهوم مختلف تماماً عن تقسيم العالم، هي فئة تشعر بأنها لا تؤخذ بالجدية الكافية، ولا يُنظر إليها بالتقدير والاحترام المطلوبين.
هي فئة تتمنى أن يأتي اليوم الذي يتم فيه الافتخار بوجود أعظم مستشفى لعلاج سرطان الأطفال، وفرع لأهم جامعة في العالم في بلادها تماماً بقدر افتخار الناس بإنشاء أعلى برج وأكبر مركز تسوق. هذه الفئة التي تشكل 60 في المائة من تعداد العالم العربي، هي نواة المستقبل أيضاً، هي فئة محبطة ولديها شعور عظيم باليأس والقنوط، وأعدادهم وسط طالبي الهجرة واللجوء إلى دول العالم الأخرى دليل على ذلك.
فئة الشباب مطلوب الاستماع إليها والإنصات لها جيداً؛ فهم يتحدثون لغة مختلفة جداً، لغة مليئة بالأحلام، تلك الكلمة السحرية التي غابت عنا.

التعليقات