كتاب 11
أزمة الأحزاب في مصر “المصريون الأحرار” مثالًا
حكاية حزب المصريين الأحرار تكررت وستتكرر في بلد ليس مؤهلا للأحزاب ، ولا جاهزا للديمقراطية الحقيقية ، فالشعب لم يتربى على الحوار والرأي واحترام الرأي الآخر، وشعارات الحزب جوفاء ولن تنبت في ارض جدباء ، لا عحب إذا مما حدث من خلافات خرجت إلى العلن وانتهت بعزل مؤسس الحزب رجل الاعمال “نجيب ساويرس”، هذا الحزب لم يتجاوز عمره الست سنوات ، أعلن عن انشائه في 3 إبريل 2011 عقب ثورة 25 يناير، ووافقت عليه لجنة الأحزاب في 4 يوليو 2011 ، قدم الحزب نفسه بصورة مغايرة عن الأحزاب الكرتوية ، وراهن على حصد أكبر عدد من مقاعد البرلمان، وتمكن في انتخابات 2015 من أن يحصد 65 مقعدا ، ولو سار في الطريق الصحيح ربما لكان بإمكانه احتلال المركز الأول بما يمكنه من تشكيل الحكومة وفق نصوص الدستور ، لكن الأمور لم تكن على ما يرام ، فقد ضل الحزب الطرق، وخالف كل التوقعات.
خرجت أزمة الحزب إلى العلن حين اتخذ المؤتمر العام للحزب في اجتماع برئاسة رئيس الحزب “عصام خليل” نهاية ديمسبر الماضي قرارا بحل مجلس الأمناء الذي يضم في عضويته مؤسس الحزب المهندس “نجيب ساويرس”، بما يعني عزله وتعديل لائحة النظام الأساسي للحزب، تعقدت الأمور، وأصبح الصراع بين فريقين فريق “عصام خليل” وفريق “نجيب ساويرس”، اتهامات متبادلة، وتهديد ووعيد، وفضائح على صفحات الجرائد، جماعة عصام خليل تقول إن ساويرس عقد لقاءات جماهيرية للتشهير بالحزب واستغلال إسمه، ولديهم فيديوهات تثبت ذلك، وأكدوا أن الرجل يريد أن يدير الحزب مثل شركة من شركاته ،وطالبوا ساويرس بالحضور أمام لجنة الانضباط الحزبي الا أنه لم يحضر ، وجماعة ساويرس تقول إن خليل يرغب في إدارة الحزب من خلال اقاربه ومعارفه لكن هناك مسألة أثارها ساويرس ويجب التوقف عندها وهو تدخل أجهزة الأمن لهدم الحزب ، ويسوق ساويرس بعض الامثلة مثل تصويت اعضاء الحزب في مجلس النواب على رفض قانون الخدمة المدنية ، وهو القانون الذي لم يلق قبولا من كافة التيارات داخل البرلمان، واختيار علاء عابد رئيسا للجنة حقوق الإنسان على الرغم من خلفيته الأمنية، ازاء هذه الاتهامات كان اللجوء إلى القضاء ولجنة شئون الأحزاب لحسم الصراع.
هذه الأزمة تكررت بشكل ممل في الحياة الحزبية المصرية، منذ عودة الأحزاب في منتصف السبعينات بقرار من الرئيس الراحل “محمد أنور السادات” بعد أن جُمدت لعقود بعد ثورة 23 يوليو 1952 ، منذ ذلك الحين إلى اليوم، يبقى وضع الاحزاب كما هو ، لا افكار تعبر عنها بل شعارات ، وأعضاء الأحزاب عبارة عن خليط غير متجانس تجد ليبراليين ويساريين ويمينيين وغيرهم وبالتالي اختلاف في الرؤى وتكالب على النفوذ الذائف ، ثم خلافات وانشقاقات وشلليات لتبقى هذه الأحزاب حبيسة الصالونات والغرف المكيفة.
ويبدو أن حالة التفاؤل بعد ثورة 25 يناير بوجود أحزاب لها شعبية لم تكن في محلها ، فرغم وجود أعداد كبيرة من لأحزاب تعدت المائة ، لا يسمع عنها أحد في الشارع ، فقط أحزاب تحاول أن تلعب سياسة، مثل الوفد، والمصريين الأحرار، والتجمع ،والحركة الوطنية، والتحالف الشعبى الاشتراكى، والكرامة، والناصري، والنور.
منذ الثمانينيات والتسعينيات وحتى الآن حدثت صراعات في «مصر الفتاة» و«العمل الاشتراكى» و«الأحرار» و«العربى الناصرى» و«التجمع» و«الوفد» ففي الوفد مثلا حدث نزاع بين دكتور نعمان جمعة, الذى تولى رئاسة الحزب بعد فؤاد سراج الدين ، ومحمود أباظة ثم حدث صراع بين السيد البدوى ، وفؤاد بدراوى، كذلك حزب «النور» السلفى خرج من عبائته حزب «الوطن» وهكذا سار على الدرب معظم الأحزاب.
المصريون الأحرار لن يكون الاستثناء، كانت البدايات جيدة والنهايات مأساوية ، لكن الافت هو أن ازمة المصريين الأحرار لم تحظ باهتمام المصريين ولا حتى باهتمام المختصين، فما في المجتمع من مشكلات تكفيه ، حتى الرأي العام لم يعد يهمه أمر الحزب أصلا ، ولا ينتظر دورا له رغم وجود 65 عضوا في مجلس النواب، حتى مجلس النواب نفسه عبارة عن تشكيلة عشوائية تفتقد الرؤية الواضحة ، وأعضاء المجلس لا يعبرون عن طموحات الشعب المصري.
لقد تخيل البعض أن حزب المصريين الأحرار منذ اليوم الأول لإنشائه يريد إعادة تجربة حزب “الأحرارا الدستورين” الذي نشأ إبان الحقبة الليبرالية منذ العشرينيات حتى الأربعينيات من القرن الماضي لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، ففي الماضي أرسى الليبراليون المصريون قواعد دولة مدنية تعلي من شأن الحريات الفردية، وكان المجتمع من العشرينيات حتى بداية الخمسينيات مؤهلا لهذه التجربة، إلى أن جاءت ثورة 1952 لتجهض التجربة الليبرالية بشقيها الفكري والسياسي، وتدخل مصر في ظلام لا تزال تعيشه حتى اليوم خاصة فيما يتعلق بتجربة الأحزاب التي جاء بها السادات ومن بعده مبارك لتكون ديكورا ، لذا تصور البعض أنه من باب أولى أن تكون قضية احياء الليبرالية هي المحور بعد أن ضعف التيار الليبرالي لعقود طويلة ، لكنهم اغفلوا أن الزمن غير الزمن، والبيئة السياسية والاجتماعية والثقافية مغايرة تماما ، فالفارق كبير بين باشوات ذلك الزمن أمثال مدحت يكن باشا، ومحمد محمود باشا، ومحمد حسن هيكل باشا، وحافظ عفيفي باشا، وأحمد لطفي السيد ، وطه حسين، وبين باكوات هذا الزمن أمثال نجيب ساويرس، وعصام خليل، وهاني سري الدين ، وصلاح فضل، ومحمد سلماوي وغيرهم.
كان الاوائل لديهم سمو أخلاقي ارتقى بفكرهم فلم يقفزوا على الواقع أو يبحثوا عن جماهيرية ، فوضعوا دستور 1923 النقطة المضيئة في تاريح الحياة الحزبية المعاصرة، ونافس حزب الوفد بجماهيريته الواسعة وحفر له أسما كواحد من أهم الأحزاب في عشرينيات القرن الماضي ، أما أصحاب المصريين الأحرار فتفرغوا للصراع على المناصب، وبحثوا عن المنافع والمصالح ، بعيدا عن مصالح الوطن ، لينتهي الحزب بهذا الشكل الهزلي.