كتاب 11
هل من عنوان لعالم ترامب؟
هناك إحساس مسيطر علي أن دونالد ترامب ركب موجة الشعبوية وغرر بالمجتمع الأميركي، وأنه سيكون رئيسًا مارقًا في استخدام صلاحياته مما يربك أميركا والعالم معًا. في تصوري أن السيناريو المحتمل هو عكس ذلك تمامًا، فدونالد ترامب (رجل الأعمال وليس الرئيس) بكل فريق المحامين الذين معه استطاع التملص من القانون أكثر من مرة، أو أنه تحايل على القانون وتهرب من دفع الضرائب، وظني أنه تهرب كثيرًا من دفع المستحقات حتى حاصره الأميركيون في البيت الأبيض، حيث تكون كل تصرفاته معلنة وتخضع للمحاسبة، الشعب الأميركي حشر ترامب في البيت الأبيض، أي أن البيت الأبيض هو الفخ الذي وقع فيه ترامب. وهذا ما يعبر عنه العنوان في عبارة «كش رئيس» اقتداء بنقلة قطعة الشطرنج النهائية إيذانًا بكسب اللعب «كش ملك».
ترامب الرئيس سيخضع للقانون الأميركي الصارم، حيث كل شيء مراقب ومسجل في البيت الأبيض. ومن هنا سيعيش ترامب أربع سنوات أو دونها وليس أكثر تحت كاميرات أشبه بتلفزيون الواقع، على غرار برنامج «الأخ الأكبر» (Big Brother)، تلك البرامج التي كان يحبها ترامب الوجه التلفزيوني وترامب رجل الأعمال. تحت كل هذه الرقابة والتسجيلات حتمًا سيرتكب ترامب الحماقة الكبرى التي قد تؤدي إلى عزله قبل نهاية المدة الأولى لرئاسته.
يتصور البعض أن رجل الأعمال ترامب بكل زخمه القادم به يستطيع أن يأخذ الرئاسة الأميركية إلى مستوى آخر. الحقيقة هي أن عالم المال هو عالم هواة، مقارنة بعالم السياسة. وترامب ليس رجل الأعمال الوحيد الذي دخل عالم السياسة في الغرب، فهناك المثل الأقرب لترامب في دولة أصغر بكثير من الولايات المتحدة، وهنا أقصد رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني، الذي ترأس الوزارة في إيطاليا لتسع سنوات. برلسكوني دخل السياسة الإيطالية بأمواله ونسائه ظنًا منه أنها تدوم، وخرج من السياسة بفضائح طفت جذوته ربما إلى الأبد. مصير ترامب لن يكون مختلفًا عن مصير برلسكوني.
هناك تقاطعات كثيرة بين شخصية برلسكوني وشخصية دونالد ترامب، الأولى هي المال واستخداماته السياسية، والثانية هي احتقار كل منهما للنساء واستغلالهن بشكل لا يليق، أما التقاطع الثالث فعلاقة كل منهما بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أما الاختلاف بين الشخصيتين فيظهر في علاقة كل منهما بالإعلام. فبينما جاء برلسكوني إلى السياسة من خلال امتلاكه للإعلام وإصراره على السيطرة الإعلامية، جاء ترامب إلى رئاسة أميركا من خلال احتقاره للإعلام. أما الاختلاف الأكبر والأهم فهو أن برلسكوني رغم ما يقال عنه فهو سياسي إيطالي تدرج في مجلس النواب الإيطالي ولم يأتِ إلى رئاسة الوزارة فجأة. ورغم كل هذه الخبرة السياسية الطويلة كان مصير برلسكوني السجن بأمر قضائي نتيجة لفساده وتهربه من دفع الضرائب، وترامب الذي ليست له أي خبرة سياسية تذكر، لن يدوم في عالم السياسة كما استمر برلسكوني، إذ قد يتعثر بسرعة من خلال أخطاء تخص النساء، أو مخالفة القانون تجعل مسألة عزله أمرًا واردًا بأسرع مما نتخيل.
ترامب لا يخفي علاقته أو إعجابه بالسياسي الإيطالي، فهل سيكون مصيره هو مصير برلسكوني وبشكل أسرع وربما بفضائح أكبر؟ أعتقد أن المقارنة بين برلسكوني وترامب قد تكون مفيدة رغم الفارق بين حجم الدولتين. فبينما كان برلسكوني يترأس الوزارة في بلد يعتبر قوة متوسطة عالميًا، إلا أن ترامب هو قائد الدولة العظمى الوحيدة في النظام العالمي الحالي. إذا كان برلسكوني هو المثل الأعلى لترامب من حيث علاقة كل منهما باليمين المتطرف، وكراهيتهما للمهاجرين، فلن يكون مصير ترامب في ظني مختلفًا كثيرًا عن مصير برلسكوني.
عندما ينتقل ترامب من عالم المال وعالم الهواة من الساسة إلى عالم البريميرليغ (دوري الأبطال) ويجلس على كرسي الرئاسة، فإن قواعد المحاسبة ستختلف وكذلك قواعد اللعبة برمتها. لن يأخذ ترامب أميركا إلى عالمه، بل سيُصبِح ترامب حيوانًا أليفًا مستأنسًا يلعب حسب قواعد السياسة الأميركية، وإن خرج عن الخط فسيجد نفسه محاصرًا ومعزولاً على غرار ما في العنوان: «كش رئيس».
في مقال سابق في هذه الصحيفة بعنوان «من يخاف من دونالد ترامب؟»، قللت من قدرات ترامب في أن يسبب أي مشكلات لأميركا ولا للنظام العالمي، لأن الدولة والنظام العالمي كوابح كبرى لأي رئيس مهما كانت قدراته. وفي هذا المقال أحاول أن أفتح الحوار في زاوية أخرى تجعلنا ننظر لترامب من منظور مختلف، وهو مقارنته برئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني. برلسكوني لم يدخل السجن نتيجة تقدمه في العمر ولكن ترامب قد يدخله. تكون سخرية القدر أن ترامب أراد أن يودع هيلاري كلينتون في السجن وربما نتيجة إساءة فهمه للنظام الأميركي، ونتيجة إساءة استخدامه للقوة تجعله عرضة للعزل، وربما السجن أكثر منها.
أعرف أن المقارنة ببرلسكوني قد يكون عليها ما عليها، ولكنني أطرح المقارنة هنا من أجل اتساع الرؤية والتفكير في ترامب بشكل مختلف لا يجعلنا أسرى التحليل التقليدي، خصوصًا فيما يتعلق بعلاقة الولايات المتحدة الأميركية بالشرق الأوسط. فهل سيقول الأميركان لترامب يومًا ما: «كش رئيس؟»، وهل سيكون ترامب هو برلسكوني أميركا أم أن ما أطرحه لا يتعدى كونه مبالغة سياسية؟