كتاب 11
مواهب سعودية!
القوى الناعمة إحدى أهم وسائل التأثير وصناعة الصورة الذهنية المعروفة. هذه مقولة ليست بجديدة وباتت من كثرة تكرارها معروفة جدًا. وفي السعودية البلد المؤثر عربيًا بحجمه الاقتصادي وثقله السياسي يجري التأمل والحديث المستمر، خصوصًا في أوساط الشباب عن دور الثقافة السعودية الحديثة في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها، خصوصا في ظل الرؤية الجديدة لها.
تذكرت ذلك وأنا ألتقي شخصيتين جميلتين واستثنائيتين في المجال الإبداعي بالسعودية عبر صدفة جمعتني بهما مؤخرًا؛ أحمد ماطر الفنان التشكيلي والمصور الموهوب الذي بات اليوم أحد أهم الأسماء الفنية في المنطقة العربية وحتما «نجم» الفن التشكيلي في السعودية، ومحمود صباغ المؤلف السينمائي والمؤرخ والمدون الاستثنائي الذي أصبح «مخرجًا» سينمائيًا يشار إليه بالبنان.
خارج السعودية أحمد ماطر ومحمود صباغ اسمان متألقان ونجمان لهما حضور مهم في المحافل الدولية، واليوم أصبحا نجمين بثقل محمد عبده وناصر القصبي وياسر القحطاني وعائض القرني، وهي أسماء لامعة ومشهورة كل في مجالاته المميزة.
التحدي الذي يواجه السعودية اليوم هو الخروج إلى العالم بوجه جديد، يوضح وجوهها المتعددة والثرية التي تعكس أبعاد التنوع التراثي الموجود في السعودية، وتقديم كل ذلك من خلال مشروع وطني عظيم تعرض من خلاله الأعمال الفنية السينمائية والاستعراضية والتشكيلية. هناك تردد وخجل من الإقدام على هذه الخطوة، وهو ما جعل كثيرا من المبدعين الشباب في السعودية يقومون بمبادرات فردية في كل هذه المجالات بالاعتماد على طرقهم الخاصة لتمويل هذه المبادرات والترويج لها بجهود ذاتية، وطبعًا تم تحقيق نجاحات «باهرة» ومميزة لأن العالم يتعامل مع السعودية «ثقافيًا» وكأنها صندوق أسود غامض ومخبأ في قاع البحر وصعب الوصول إليه، وبالتالي هناك فضول شديد من قبل الآخر، وعليه فهناك شغف صحي من الممكن ملؤه واستغلاله بذكاء عبر دعم هذه المواهب الاستثنائية وتبنيها وتشجيع أعمالهم وتمويلها بشكل مهني ومحترف، تمامًا كما يحصل في كثير من دول العالم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الهند… تلك الدولة التي تعتبر فنونها أهمية اقتصادية، بل باتت تبدع في الاقتصاد الفني والثقافي حتى بات أحد أهم موارد الدولة ومن أهم العناصر الصانعة للصورة الذهنية للهند بشكل إيجابي وناجح.
القوى الناعمة ترسانة من الأسلحة الفعالة والمؤثرة التي لا يمكن إهمال آثارها وفاعليتها، خصوصًا من خلال مشروع وطني عظيم وعملاق هدفه إعادة رسم الصورة الذهنية لجيل جديد ومستقبل جديد.
السعودية بلد ثري بالمواهب والإبداع وقدرات شبابه مليئة بألوان الابتكار المختلفة والثرية، ولا شك أنهم مظلومون بالحكم المسبق عليهم بالصورة النمطية التقليدية؛ لأنها صورة خاطئة تمامًا. البعد الثقافي والإبداعي للرؤية الجديدة للسعودية بحاجة إلى أن تشتمل على عناصر واقعية وحاصلة تحتاج لمخاطبتها بشكل حقيقي وعصري لأنها ستكون أحد أهم عناصر التحول الوطني المنشود.