أفضل المقالات في الصحف العربية

10:50 صباحًا EET

تكتيكات «الإخوان» الخطرة

من يراجع تصريحات قيادات الإخوان المسلمين منذ الإطاحة بمرسي، يتأكد له أن استراتيجيتهم تقوم على التصعيد وإطالة الأزمة وجر الجيش والداخلية إلى مواجهة يستخدمونها لتبرير لجوئهم إلى العنف. فحتى الآن رفضوا كل الوساطات المحلية والإقليمية والدولية لحل الأزمة، كما صموا آذانهم عن دعوات الحوار وآخرها مبادرة الأزهر للتوصل إلى مصالحة وطنية بمشاركة جميع الأطراف، وأصروا على مواصلة اعتصامهم وعلى مطالب غير واقعية مثل عودة مرسي رئيسا، والاعتراف بأن ما حدث كان انقلابا عسكريا وليس ثورة شعبية، وإلغاء فكرة إجراء انتخابات مبكرة.

قيادات «الإخوان» تعرف تبعات استراتيجيتها، مثلما تدرك استحالة الامتثال لمطالبها، لكنها تعي في الوقت ذاته أنها لن تكسب شيئا من حل الأزمة، بل تستفيد من استمرارها، لذلك فإن خطتهم هي التصعيد ورهانهم على لعبة الوقت. فالأزمة إذا حلت الآن، تبقى شعبيتهم في أدنى مستوياتها، بينما غالبية المصريين توحدت ضدهم، لذلك فلا أمل لهم في أي انتخابات رئاسية أو برلمانية تجري خلال الفترة الانتقالية المعلنة. من هنا رهانهم على إبقاء أجواء الأزمة وإطالتها ما أمكن، مع شل الحكومة وتعطيل قدرتها على الحركة وتنفيذ برامجها على أمل أن يبدأ الناس في السخط من أدائها وينفضوا من حولها، وقد يعودون إلى التظاهر والاحتجاج فيستفيد «الإخوان» من هذه الأجواء.
الجانب الخطير في استراتيجية شل الحكومة واستمرار الاعتصامات وقطع الطرق هو تعطيل الاقتصاد المصري ومنع الدولة من الالتفات لقضايا الناس ومشكلات الحياة اليومية. فصورة الاعتصامات والمتاريس في «رابعة العدوية» و«النهضة»، ولغة التهديدات، وأخبار العمليات الإرهابية في سيناء تعني استمرار أجواء عدم الاستقرار وتؤثر على تدفق الاستثمارات الأجنبية وحركة السياحة. في هذا الإطار أيضا نسمع القيادات الإخوانية تطالب المجتمع الدولي باعتبار ما حدث في مصر انقلابا عسكريا، وبالتالي اتخاذ إجراءات ضده، أي أنهم يريدون حجب المساعدات الدولية عن البلد باعتبار أن هناك قوانين تمنع تقديم المساعدات، وبالذات من أميركا، لأي بلد يشهد انقلابا ضد حكومة منتخبة.
هذا الموقف من «الإخوان» يعني أنهم ما زالوا أسرى شهوة السلطة، لذلك يرفضون الاعتراف بأن غالبية الشعب المصري هي التي سحبت الشرعية منهم، وأن أكثر من ثلاثين مليونا نادوا بسقوط مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وهم في هذا يمارسون ازدواجية فاضحة في المعايير لأنهم أيدوا في السابق الشرعية الثورية في ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، وطالبوا نظام مبارك بالرحيل امتثالا للإرادة الشعبية، بينما نراهم الآن يرفضون هذه الإرادة الشعبية عندما انقلبت ضدهم، ويحاولون تشويه الصورة وقلب الحقائق بالتشكيك في أرقام المشاركين في مظاهرات 30 يونيو (حزيران) الماضي، أو بالإصرار على أن إزاحة مرسي كانت انقلابا عسكريا متسترا. الأدهى من ذلك أنهم أشادوا بموقف الجيش عندما انحاز إلى جانب الشعب وأرغم نظام مبارك على الرحيل، بينما اليوم يهاجمونه ويشككون في وطنيته ويحاولون تشويه صورته، لأنه انحاز إلى الشعب ضد نظامهم.
استراتيجية «الإخوان» تستهدف الجيش بشكل أساسي لأنه الخصم القادر على تحييدهم ولجم خططهم مستفيدا من الدعم الشعبي، لذلك هاجموه منذ تسلمهم الحكم وشككوا في وطنيته وفي دوره، والآن يستدعون تدخلا دوليا ضده باعتباره منفذا لانقلاب أطاح رئيسا منتخبا. من هنا أيضا رسموا سيناريو الدم الذي يعتمد على محاولة جر الجيش والداخلية إلى فض الاعتصام بالقوة حتى يسقط عدد كبير من الضحايا الذين سيكون حتما من بينهم أطفال ونساء ممن جلبهم «الإخوان» إلى «رابعة» و«النهضة». فأي مواجهة سيكون فيها ضحايا، ولا سيما مع شحن قيادات «الإخوان» للمعتصمين بالخطب النارية، وتخزين السلاح، وإقامة المتاريس التي جعلت ساحة الاعتصام مثل ميادين الحروب.
الجيش سعى لإبطال خطة «الإخوان» بمحاولة الابتعاد عن أي مواجهة، وترك أمر الاعتصام للحكومة والداخلية بحيث يفض عبر خطة متدرجة للتضييق على المعتصمين، وقطع الخدمات والإمدادات عنهم، وفرض طوق أمني يسمح بخروج من يريد ويمنع دخول أي شخص يريد الالتحاق بالمعتصمين. هذه الخطة تعتمد على عنصر الوقت لتجفيف الاعتصام، لكن المشكلة أن صبر الشارع ينفد، كما أن «الإخوان» قد يحاولون افتعال مواجهة كما فعلوا في مناسبات سابقة لكي يسقط ضحايا ويسال الدم الذي يجعلهم يبدون ضحية وقد يكسبهم شيئا من التعاطف ويعرض الحكومة المصرية لضغوط خارجية، والأهم من ذلك بالنسبة لهم إبقاء احتجاجاتهم في دائرة الاهتمام الإعلامي الذي يضمن ألا يطويها النسيان.
حسابات «الإخوان» تحمل في طياتها مخاطرة كبرى بأن تفقدهم تعاطف الشارع بشكل تام وتزيد من مشاعر الكراهية، وربما تدعم دعاة الحل الاستئصالي. صحيح أن مصر كلها ستخسر من أجواء العنف وعدم الاستقرار، لكن «الإخوان» سيخسرون أيضا، وقد يكون الثمن باهظا.

التعليقات