كتاب 11

11:27 صباحًا EET

هل نعيش «السخط».. ونسقطه بـ«عشوائية»

الوعي دائماً حصن للإنسان، يجعل كل أفكاره ومفاهيمه متوازنة وواقعية، مما يؤثر على تصرفاته وأفعاله بشكل تلقائي، الوعي ليس فقط أن تقرأ كتاباً، ولا أن تحصل على معلومات كثيرة، الوعي أن «تطبق كل ما تعلمته حقيقة على أرض الواقع».
عندما نقرأ ونطلع تتوسع مداركنا ونفهم أنفسنا أكثر، ونتعلم كيف نتعامل مع الآخرين برقي واحترام، وألا نصدر الأحكام جزافاً حتى لو لم يعجبنا هؤلاء، لأن الوعي يربي فينا احترام الاختلافات ووجهات النظر، فما أشاهده جميلاً يشاهده غيري غير جميل، وما نطلق عليه اليوم حقيقة ربما غداً يكون غير ذلك.
الوعي مدرسة كبيرة يتعلمها الفرد من التجارب والخبرة والدراسة والاطلاع والثقافة، فهي لا تنحصر على شيء معين، بل يكمن الوعي في معرفة العمق والمعنى الحقيقي منه، وهو كيف تعيش في سلام مع ذاتك والآخرين وهذه الأرض الكريمة التي أعطت الإنسان المأوى والخيرات المتعددة، لذا تجد الوعي لا ينحصر فقط على أصحاب الشهادات، بل ربما تجد إنساناً بسيطاً جداً لكنه واعٍ يدرك المعنى الإنساني في الحياة، وهو العيش مع الكل في سلام ومحبة وعطاء، هذا لا نتعلمه في الجامعات، بل من تجارب الحياة وقصص الأفراد من حولنا، فهي تُعلمنا معنى الاحترام للمختلف عنا في طبعه أو كلامه أو تصرفاته أو حتى معتقداته طالما لم يؤذِ الآخر.
ما لفت انتباهي إقدام بعضنا على التسطيح والسخرية من بعض الشخصيات العامة بسبب أو من دون، حتى لو لم يعجبها شكلها أو مضمونها لا يحق لها السخرية عليها، حرية التعبير مكفولة للجميع لكن بأدب واحترام. إذ يبثُّ شخص واحد نصاً أو كلاماً أو عبارةً جارحةً تهين أحد الأشخاص بحق أو من دون، ثم تجد عدداً كبيراً من المجتمع يتسابق لكي يدلو بدلوه بالمزيد من تفاهة الكلمة وبشاعة السخرية، من دون مراعاة واحترام لهذا الشخص، على رغم أنه لم يخطئ بحق أحد.
هذا ما جعلني أتساءل، أين الخلل بأن يتحرك عدد كبير من المجتمع في السخرية من فرد لم يخطئ، ولِمَ هذه السرعة في تبني مثل هذه الحركات السطحية في السخرية والنقد اللاذع للآخر؟ لِمَ لم يقفوا قليلاً يتأملون ويتفكرون قبل أصدار الأحكام؟ لِمَ أجّروا عقولهم للآخرين ليتلاعبوا بهم كما يشاؤون؟ لِمَ ردود أفعالهم وغضبهم وانفعالاتهم سريعة وكأنها لم تصدق حدوث أي شيء لكي تتم عملية إفراغ هذا الغضب الداخلي؟
هذا يجعلنا نتأمل مدى الفراغ النفسي والثقافي لديهم، وافتقاد حقيقة الوعي الصحيح، مما جعلهم يتلاطمون كالأمواج على بعض، وهذا شيء مقلق أن يكون الكثير يتمتع بتلك السطحية، وأنه يمتلك عقلاً لا يفكر ولا يحلل إلا في السلبيات أو أصدار الأحكام، والأخطر أنه خاضع للآخرين المسيطرين من دون وعي، مما يجعل أية إشاعة أو نكتة أو موقف سلبي يكررونه بسرعة، وتكون ردود أفعالهم أسرع من دون تفكير.
المشكلة أن ذلك خلفه عدم وجود الوعي بالذات وقيمتها، لذا النظر إلى الآخر دائماً يكون مترصداً فقط للسلبيات، وكأنه إلغاء عامل مهم في الحياة وهو السلام المحب للآخر، وهذا ما تنادي به كل الأديان، عدم السخرية والهمز واللمز، والإسلام علّمنا إفشاء السلام لمن نعرف ولمن لا نعرف، فهل هؤلاء يدركون معنى كلمة «السلام»، أم أخذوا منها التحية فقط؟

التعليقات