آراء حرة
سلطان السعد القحطاني يكتب: “ذلك الكبير كان اسمه عبد الله”…#عبدالله_بن_عبدالعزيز
كانت محاولة اغتيال الملك عبد الله بن عبد العزيز بالنسبة لهم ضرورية لإزاحة الشمس عن الجبل، وقد كانوا يظنون أنها إزاحة الجبل عن الشمس!
ورغم مرور سنوات على تلك الحادثة، التي كانت مثار حبر الصحف، وروايات الرواة، إلا أن تفاصيل المؤامرة لا تزال تتكشف يوماً بعد آخر، وكان آخرها الرابط المالي بين المعارض السعودي محمد المسعري، والنظام الليبي، لتمويل عملية الاغتيال، وكان لا بد للإنجليز من الحصول على ضرائبهم من المعارض الذي احتضنوه لعقود، وهكذا قرروا أخذ بيته!
ونظرًا لأنني انهيت قسما كبيرا من كتاب أعمل عليه، لتوثيق مرحلة تاريخية هامة، من تاريخ ملك ومملكة، فقد وجدت في جعبتي فصلاً كاملاً، عن تلك المحاولة الفاشلة، وتلك العلاقة الملتبسة بين زعيم كبير، أحدث فرقاً هائلاً في بلاده، والإقليم، وبين آخرين يَرَوْن فيه شهادة على عجزهم وضعفهم.
ينظر عبد الله بن عبد العزيز إلى تاريخ أبيه، وأجداده فيرى مرامح فتوحات، ونصال غزوات، وعشرات من الرؤوس، قدمتها الأسرة الملكية فداءً لفكرة وطن ودين، في مسيرة توحيد أنتجت مملكة ذات ثقل دولي وإقليمي، بينما ينظر البعض الى التاريخ فلا يجدون لهم فيه صفحة أو حرف، أو حبرا تائهاً على صفحة عتيقة.
ما يزعج الآخرين أنه كان ملكاً يستند على تاريخ، وملكية رسمت حدودها بنفسها. مشكلة آل سعود مع غيرهم ان لديهم كما كبيرا من التاريخ لا يستطيع أحد شراؤه، كما يفعل البعض مع الماركات الفاخرة، السيارات النفاثة، واليخوت.
التاريخ شيء مختلف، إنه فعل، وديمومة وبقاء، وقَدر وقُدرة.
كان الملك عبد الله حليماً مع ليبيا وقطر، رغم أنهما حاولا مراراً الضرب من تحت الطاولة وفوقها.
رغم ذلك كان الكبار كباراً، فقد رفضت السعودية هبوط طائرة ليبية بعد انهيار النظام القذافي، كونها مسجلة باسم النظام السابق، ولا يعتبر هبوطها قانونياً. خلال لقاء مع أمير الكويت قال رئيس المجلس الإنتقالي الليبي مصطفى خليل: نريد وساطتكم مع السعودية، محللا سبب الخلاف السعودي مع ليبيا بانه عائد إلى علاقة ليبيا بقطر.
قال بصراحة حذره منها أعضاء وفده قبل اللقاء: كنّا كالطفل الرضيع وجاءت قطر وحملتنا الى العالم.
وهذا لم يكن صحيحاً. لم تشأ المملكة ان تكون طرفاً في عمل سياسي غامض، لم يحز اجماع الليبيين أنفسهم.
بينما تتسابق الأجهزة الدولية للبحث حول تفاصيل قصة محاولة الاغتيال تلك، وأولئك المرتبطين بها، فإن صاحب الشأن، الراحل الكبير، قد حصل على اعتراف رسمي ومباشر من أولئك الذين حاولوا اغتياله، وتأتي المصادفة أن يكون ذلك في قطر، في قمة عربية احتضنتها الدوحة وقتذاك، حيث أعلن معمر القذافي أنه ملك ملوك أفريقيا، وضحك الجميع، وصفقوا!
لم تكن السعودية حريصة على حضور القمة فقد كانت العلاقات مع قطر في أسوأ أحوالها لعدة أسباب، ذكرتها في الفصل السابق، وملخصها أن الدوحة كانت عازمة على تكسير النفوذ السعودي بقدر ما تستطيع في المنطقة، والعالم.
كان القرار السعودي ان يكون الحضور حضورا بنكهةً المقاطعة من خلال إضعاف مستوى الوفد. استمات الحمدان ليحضر الملك القمة، فبدونه لا يمكن ان تحقق القمة اهتماما يذكر، وأخيراً حضر الملك عبد الله، لالتزامه القومي، ورغبته في تدعيم أسس العمل العربي المشترك، في منطقة تعاني من الانقسام، والتشرذم.
وبدأت أعمال القمة بسلام حتى حانت كلمة القذافي، التي قرر أن يختمها بسرعة بتوجيه حديثه إلى الملك عبد الله، وسط صيحات رئيس القمة، أمير قطر السابق، الذي كان يصيح بمعمر قائلا له ” لا لا يا أخ معمر” ويطالب بقطع صوت الميكروفون.
تم قطع الصوت قبل أن ينهي معمر كلامه. لم يسمع الملك كل ما قيل. ومعظم من في القاعة أيضاً، لذلك لم يصلهم سوى بعض مما قاله القذافي. في ثوان معدودة طلب السعوديون الخطاب المكتوب، وحصل عليه وزير الإعلام وقتها عبد العزيز خوجة. ولاحظ ثعالب الوفد السعودي أن هنالك سطوراً من الخطاب محاها القطريون، فيما يبدو أنها رغبة منهم في عدم توتير أجواء القمة.
بعد حادثة القذافي انقسم الوفد السعودي على نفسه، فقسم قال للملك إنه من بدأ مشروع المصالحات العربية قبلها بأشهر في الكويت، وقد كان قرارا لم يبلغ به الملك أعضاء الوفد حينها، وعليه أن يكمل المشروع ذاته.
وقال القسم الاخر إن علينا الانسحاب من القمة كاحتجاج.
مضى الملك في القمة ودعي مع القذافي للقاء خاص ودي، كان أمير قطر والشيخة موزة من أبرز حضوره.
حين دخل ارتمى عليه عبد الله السنوسي، رئيس الاستخبارات الليبية، طالبا الصفحً والاعتذار معترفا بأنه من دبّر عملية الاغتيال، ولم يعلم عنها القذافي.
بتلك الفراسة التي ألهمته بها الصحراء، كان عبد الله بن عبد العزيز يعرف انه لا يمكن اتخاذ قررا كهذا بدون معرفة القذافي، أو موافقته، لكنه شاء أن يطوي الصفحة نهائيا قائلا بوضوح: إن هذا الموضوع انتهى.
كان الحديث وديا. كان معمر يشعر بعدم الإرتياح، وكان ابن عبد العزيز يتحدث، والجميع يشاركون.
هنا آثر الملك عبد الله توجيه رسالة إلى الشيخة موزة قائلاً لها أتمنى تتوقفي عن دعم مراكز الأبحاث في مصر. وقد كانت الهمسات تقول عن دور تلعبه سيدة قطر المثقفة في دعم مركز إبن خلدون في مصر، والكثير غيره. كان يعرف ان تلك المراكز كانت غطاء لبث خلخلة فكرية تسببت فيما بعد بالثورة. كانت هذه الأكاديميات القطرية تشير إليها الأصابع خلف بث أفكار انتفاضات الربيع العربي في مناطق متفرقة.
مضت الأيام سريعة كالريح. هناك في قاهرة المعز سألت مخزن الأسرار، ورفيق درب العقيد وإبن عمه، أحمد قذاف الدم عن عملية الاغتيال تلك، وأسبابها، فقال لي بدماثة بديعة : دعنا لا ننكأ الجراح.
وهكذا ذهب الربيع المُفترى، والحَمدان، ومعمّر، والسنوسي، وبقي عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، كبيراً في التاريخ، وحيّاً رغم وفاته!