كتاب 11

02:33 مساءً EET

مريض نفسي دون مأوى

المرض النفسي ليس عيباً حتى نخفيه، ولا مجال لأن ننكر وجوده وخطورته، وتختلف شدته بين المنخفض والشديد الذي لا يثبت على حال، فهو حيناً يشتد طلوعاً، ومرة ينخفض. هكذا يعيش المريض النفسي، إذ إن هناك ما يثير غضبه بين الفنية والأخرى، لا يستطيع أن يتحكم في انفعالاته أثناء الأزمة، فاقد للسيطرة على انضباطه كإنسان سوي وعادي، يحتاج باستمرار للرعاية والمساندة والملاحظة والأدوية، خصوصاً من يعانون الأمراض النفسية الشديدة المزمنة كالانفصام في الشخصية والاضطرابات الحدية.

بعضهم يعيش في صراع وعذاب نفسي لا يهدأ، يعاني الهلوسات السمعية والفكرية ومشاهدات غير حقيقية، تأمره بأفكار وأفعال قهرية ربما تؤذي نفسه والآخرين، هو يشاهدها كحقيقة يحاول أن يدافع ويحمي نفسه إلا أن هذه الأصوات له بالمرصاد، وهنا تأتي الضرورة الملحة ليكون المريض النفسي تحت العناية الشديدة، ملازماً للأدوية حتى تستقر حاله النفسية ويستطيع أن يعيش التوازن النفسي قدر المستطاع .

هذا التفصيل لا يدركه الكثير من الأفراد، وكيف يتم التعامل مع المريض النفسي الذي يحتاج إلى الأدوية من دون انقطاع، والالتزام بتناولها في مواعيدها لكي لا تحدث انتكاسه لا قدر الله، إضافة إلى مراجعة دورية ومستمرة مع الطبيب المعالج.

نتفاجأ بين الفنية والأخرى بحادثة أو جريمة قتل حدثت بين أفراد الأسرة أو حدثت في وسط الطريق راح ضحيتها من دون سبب يذكر، وعند التحقيق يكتشف أن الجاني يعاني من مرض نفسي شديد أو اعتلالات وضلالات حدية.

وهنا، من يتحمل المسؤولية في ترك المريض النفسي سائحاً في الطرقات يجول كما يحلو له؟

تكررت بلاغات في بعض الأحياء عن وجود مريض نفسي يجول في الطرقات، «مسبباً» خطراً عليهم وعلى أبنائهم، لكن للأسف لا تسارع الجهات المعنية في ضبط الحال وتحويلها سريعاً إلى المستشفى، ويترك المريض في الطريق لنصحو على جريمة «شنعاء»، راح ضحيتها أم أو ابنة أو أحد في الطريق.

لا يخفى على أحد كيف أن الأسر التي ابتليت بمريض نفسي تعاني «الأمرّين»، فمواعيد المستشفى لا تتكرر إلا كل خمسة أو ستة أشهر لصرف الأدوية فقط، ولا يخضع لجلسات علاجية معرفية أو سلوكية أو معنوية إلا فترة ثم يترك، ونحن ندرك حاجة المريض للجلسات مثل حاجته للأدوية أيضاً، لكي يحصل على التوازن والتهذيب السلوكي والمعرفي المساند بين فترة وأخرى، وهذا ما نلاحظه في الدول المتقدمة، إذ يتم التعامل مع المرض النفسي بطريقة احترافية إنسانية، فهو ليس فقط «مكباً» للأدوية، فالمرضى النفسيون يحتاجون كثيراً للاهتمام والحنان والرعاية المعنوية، مع تناول الأدوية على المدى الطويل وليس القصير إن لم يكن دائماً، وهذا يساعد الأسر في أن تعيش حياتها مستقرة مرتاحة، إذ تجد الدعم الحقيقي من الجهة المعنية كالمستشفيات التي يفترض أن تكون حاضرة وبقوة في المتابعة وتسهيل الجلسات المستمرة على فترات طويلة، لتقيس المرض وتلاحظ مدى شدّته وانخفاضه حماية للمريض ولأسرته وهذا غير موجود لدينا للأسف، بل نعاني تباعد المواعيد الطبية للمريض لأشهر عدة ولصرف الأدوية، ونعاني من خروج بعض المرضى النفسيين وهم خطر على من حولهم، كما نعاني في الحالات الحرجة أثناء هيجان المريض عدم قدوم أحد لأخذه من أسرته للذهاب به إلى المستشفى، إذ إن المستشفى يتحجج بأن ليست لديه صلاحية لذلك، والشرطة تذهب لكنها أحياناً لا تدخل وسط الدار لأخذ المريض، فمن إذاً يقوم بهذا الدور الشائك ويحمي الأسرة أثناء لحظة اضطراب المريض؟ وقد حدثت حالات مشابهة عندما تم الإبلاغ عن حال نفسية تهدد ذويها بالقتل، فلم تجد جهة مسؤولة تقوم بالحماية على الفور». لا بد أن ندرك خطورة ذلك والنتائج السلبية والمحتملة وأن نتفادى الوقوع فيها، وهذا يتطلب «الوعي»، فلا يزال المجتمع والجهات المعنية لم يدركا الوعي المطلوب في كيفية التعامل مع هذه الحالات، وما زالا يتعاملان كـ«نمط قديم» بطريقة بطيئة في الاجراءات الضرورية في حينها. لذلك علينا أن نراعي نقاطاً عدة، أولاً: جهود مناطة بالجميع للقيام بها، لاسيما الجهات الرسمية المعنية كالمستشفيات وأن تكون أكثر تفاعلاً، وأن تسهل الإجراءات في المواعيد والجلسات، وأيضاً أن يكون لها دور فعال في الحالات الحرجة التي يتم التبليغ عنها، وهل أعطيت مساحة وصلاحية في ذلك!

ثانياً: دور الشرطة في المساندة والدعم الفوري عندما يتم التبليغ، والإسراع في التنفيذ وعدم ترك المرضى النفسيين يجولون في الطرقات.

ثالثاً: أن تكون هناك جهة رقابية وسيطاً بين الأسرة والمستشفى تتابع حالات المرضى، خصوصاً الشديدة والخطرة حين خروجها من المستشفى، هذا يجعل وضع الحالات الحرجة تحت المجهر والملاحظة الدائمة لمصلحة وحماية الجميع.

رابعاً: الأسرة تحتاج إلى التوعية في كيفية التعامل مع المريض وعدم مقارنته بالأسوياء ومطالبته في ما لا يقدر عليه، المريض النفسي يحتاج الحنان والدفء والتعامل الجيد، كما تحتاج الأسرة للاختصاصيين المؤهلين لمتابعة ظروفهم النفسية والمعنوية، لأننا ندرك كيف أن العيش مع مريض الانفصام مثلاً ليس سهلاً أبداً.

خامساً: نحتاج إلى زيادة المستشفيات الخاصة للصحة النفسية، لأنها الآن لا تستوعب حالات كثيرة، وغالباً يتم الرفض بحجة عدم وجود سرير للمريض.

سادساً: دور أفراد المجتمع في التكاتف والتبليغ عن أي حال يشاهدونها للجهات المسؤولة.

التعليقات