كتاب 11
إرحموا المواطن .. يا مجلسي الوزراء والشورى
إستفاق مجلس الشورى من قيلولة مدتها سنوات، والبعض يصفها بـ”الغيبوبة”، ورفض توصية مهلهلة حول قيادة المرأة، مما يجعلنا نتساءل ليس عن الرفض، بل عن سبب بحث التوصية من الأساس، في توقيت يهتم فيه معظم المجتمع السعودي بقضايا أكثر إلحاحاً وأهمية تمس مستقبله وحياته اليومية. يعرف مجلس الشورى تمام المعرفة أن ثقة المجتمع فيه (0) بسبب العديد من الإحباطات التي تراكمت عبر سنوات، والسبب الأهم هو عدم قدرة المجلس على شرح مهمته وتفسير الكثير من قراراته أو غيابه عن اتخاذ قرارات في صالح الغالبية من المجتمع، مما أدى إلى إزمة تواصل. مجلس الشورى جزء من الدولة ولكنه ليس جزء من الحكومة المستفردة بكثير من القرارات التي تهم المواطن ومن المفترض أن يكون لمجلس الشورى دور في مناقشة تلك القرارات وقول كلمته فيها لكي يطمئن المواطن. لكن مجلس الشورى آثر الدعة والكسل والإستكانة، حتى بات مصدر حنق وغضب المجتمع بشكل أكبر. السؤال هنا: هل أراد مجلس الشورى أن يختطف إهتمام المجتمع عن البحث في قضايا هامة مستجدة، وإعادته إلى قضية أزلية ومعضلة مزمنة في السعودية، وهي قيادة المرأة للسيارة، ثم يبحث توصية مهلهلة في الأساس، لكي يسهر المجتمع جراها ويختصموا؟
حاولت أن أتواصل مع عضوين بارزين من أعضاء مجلس الشورى: (1) الدكتورة لطيفة الشعلان، العضو النشط في المجلس؛ (2) اللواء الطيار الركن المتقاعد عبد الله السعدون، وهو زميل قديم، وأستاذ أتعلم منه الشيء الكثير؛ وذلك للحصول على إجابة لسؤال واحد فقط: لماذا يبحث المجلس توصية ذات علاقة بقيادة المرأة في هذا التوقيت؟ إكتفت أستاذتنا لطيفة، مع حفظ الألقاب، بإرسال رابط لتصريحها لصحيفة عكاظ تقول فيه: “توصية قيادة المرأة هشة وخجولة وتعيدنا للمربع الأول”. أما أستاذي عبدالله السعدون، فقد إستفاض في شرح حيثيات التوصية بأنها جاءت ضمن توصية جديدة من أحد الأعضاء خلال مناقشة تقرير وزارة العمل والشئون الإجتماعية، وهو حق مكفول للعضو أن يقترح ما يشاء من توصية خلال بحث أي تقرير من جهة رسمية يرد للمجلس. حاول السعدون، كعادته، أن يتبع المدرسة التقليدية في الدفاع المستميت عن مجلس الشورى وقراراته وصلاحياته، لكن أظن، أنه لم ينجح في إقناعي بأن هناك أمل في المجلس.
ينطبق على مجلس الوزراء والشورى المثل الغربي القائل: “عندما أكون صواباً، لا أحد يتذكر؛ وعندما أكون مخطئاً، لا أحد ينسى”. الحياة هكذا، حتى الصحة في الأبدان لا يشعر بها إلا وقت المرض. لكن المشكلة التي يعانيها المجتمع من مجلسي الوزراء والشورى هو غياب حسن التواصل مما يعطي المواطن إنطباع بأنه مهمل. مجلس الوزراء (الحكومة) وهو السلطة التنفيذية يفكر ويخطط وينفذ ويراقب، ولا يلتفت. أما مجلس الشورى، فهو يتلتفت، لكنه لا يفكر أو يخطط أو يراقب أو يساءل. ونعني هنا القضايا ذات المساس بحياة المواطن في التوظيف والسكن والصحة والتعليم والشئون الإجتماعية. يتحايل مجلس الوزراء عندما يريد أن يمرر أي قضية، وذلك بتحوير المسمى من “نظام” إلى “تنظيم”، مما لا يضطر إلى الرجوع للشورى، وبهكذا يفعل مجلس الوزراء مابدا له وينفرد بالقرار. لكن عتابنا على مجلس الشورى ليس في ما لا يملك، أو مالا يحال إليه، بل حتى في نتائج تصويت أعضائه التي غالباً ما تأتي معاكسة تماماً وفي غير صالح غالبية المجتمع، مما يضع ألف علامة إستفهام حول المجلس وماهيته، كما أدى ويؤدي إلى الإنتقاص من ثقة المجتمع في هذا المجلس الذي يجمع تحت قبته خيرة الكفاءات الوطنية.
لم نشهد لمجلس الشورى أي أثر أو رأي حول ما يجري في السياسة الخارجية بكل تعقيداتها وجدليتها، أو في الإعانات والمساعدات الخارجية، أو صفقات الأسلحة مع الخارج، أو في التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، أو التحالف الدولي بقيادة أمريكا في العراق وسوريا، أو في قانون جاستا الذي وافق عليه الكونغرس الأمريكي، أو في المواقف السلبية لبريطانيا والإتحاد الأوروبي والمنظمات الحقوقية والإنسانية. وإذا تركنا السياسة الخارجية جانباً، بحكم الخطأ الشائع والسائد بأن السياسة الخارجية ليست من شأن المواطن ولذا لا يناقش فيها، نتسائل: أين مجلس الشورى من رؤية 2030، وبرنامج التحوّل الوطني، أو سياسة وإجراءات التقشف، أو القرارات التي صدرت مؤخراً تقتطع قرابة (30%) من دخل الموظف الحكومي، أو زيادة الرسوم البلدية، أو ضريبة القيمة المضافة؟ ناهيك عن مشاريع الخصخصة، وإستثمار الصندوق السيادي حاضراً ومستقبلاً. أليس مناقشة مجلس الشورى لكل تلك القضايا من كفاءات وطنية متميزة ومتخصصة، ونقلها عبر الإعلام سيزيد من معرفة المواطن بما يجري، ويزيد من مصداقية مجلسي الوزراء والشورى؟
السعودية دولة مستهدفة لأسباب عديدة، ذكرناها في مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط في أكتوبر من العام 2002، ولم يتبقى سوى السعودية من قائمة شملت العراق ومصر وسوريا وليبيا واليمن. المؤسف والمخيف، أن كل ما تنبئنا به في ذلك المقال حدث. السعودية اليوم في موقف حرج جداً وحساس جداً، ويتطلب منها أمرين: (1) تقوية الجبهة الداخلية بالشفافية والتواصل مباشرة مع المواطن مع حِكمة في الحُكم والحكومة والحوكمة؛ (2) تقوية الجبهة الخارجية بحسن العلاقات والتعامل بالود، وبالتي هي أحسن، وعدم التدخل في شئون الدول الأخرى بأي شكل من الإشكال، حتى لو أدى ذلك المنهج إلى سياسة الإنكفاء. ولو أخذنا رؤيـة 2030، على سبيل المثال، كإستراتيجية وطنية سعودية لإكتشفنا من دون أدنى جدال أن تنفيذ ونجاح الرؤية يعتمد على الأمرين السابقين. لا يمكن للرؤية النجاح من دون المواطن فهو الوسيلة والهدف، ولا يمكن للرؤية النجاح في بيئة أزمات خارجية مهما بلغ تنطع البعض في الأسباب. وجود بيت الله الحرام وحده سبباً كافياً قاطعاً لكي تتجه السعودية نحو سياسة “الإنكفاء”، وانتهاج التعايش السلمي، مهما بلغت المناكفة والكيد والمكر السياسي للغير، إمتثالاً لمراد الله “وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا”.
أخيراً، بحث وبعث قضية قيادة المرأة في مجلس الشورى هو ذَر للرماد في عيون المجتمع وملء فراغ في وسائل التواصل الإجتماعي، لكي ينشغل في نقاش قضية لا تحتاج لنقاش، والجدل في موضوع لا يحتاج إلى حجج، فالكل يعلم علم اليقين، أن الأمر معلق بولاة الأمر لو شاءوا فعلوا. تحويل قيادة المرأة من قضية دينية إلى قضية إجتماعية بعد إن تم إستنفاد كل الأحاديث والحجج وصولاً إلى تأثير قيادة المرأة على “المبايض”، هو أمر يدعوا للسخرية لسببين: القضايا المماثلة التي وقف ضدها المتنطعون وهي في الصالح العام، حلّها ولي الأمر بقرار من دون إحالة للشورى أو إستفتاء المجتمع؛ (2) عدم وجود مؤسسات ومراكز للإستفتاء والإستبيان والإستقصاء المستقلة التي ترصد توجهات المجتمع. ختاماً، أنا متفائل جداً جداً، بأن ولاة الأمر لن يتركوا المواطن كرة “يبنق بونق” بين المجلسين، ولذا أتقدم بنصيحة إلى أعضاء مجلسي الوزراء والشورى: لا تستهينوا بذكاء المواطن السعودي فهو أذكى منكم وأقوى منكم بالله سبحانه ثم بولاءه ووفاءه وثقته بأن ولاة الأمر لن يتركوه لعبة بينكم. حفظ الله الوطن.
كاتب سعودي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst