عرب وعالم

02:01 مساءً EET

النائب دحلان يرد على رسالة د. مصطفى اللداوي من حماس‎

رد القيادي الفلسطيني النائب محمد دحلان، على رسالة الدكتور مصطفى يوسف اللدواي والتي ارسلها الدكتور اللداوي لدحلان، وهذا رد القيادي دحلان :

“أخي الدكتور مصطفى يوسف اللداوي،،،

تأثرت كثيرًا بما جاء في رسالتك المفتوحة، ليس فقط لمحتواها الوطني والأخلاقي والعاطفي، بل لأنها رسالة نادرة في طبيعتها ومنشئها في زمن الانقسام الرديء، ولأنها رسالة عبر جدران الكراهية والبغضاء، الجدار القاسم و المقسم لشعبنا الموحد في أمانيه الوطنية وأحلامه الإنسانية البسيطة، في لقمة عيش كريمة، وكرامة إنسانية مستحقة، وفي حرية طال انتظارها والتضحية في سبلها، ولأنها أيضا رسالة نبيلة من مناضل مجرب، مقابل أشباه رجال في زمن ادعاء البطولة والفداء والحكمة والعقل والتعقل.

أصارحك القول أخي العزيز، فقد أختلف معك في مرارة اللغة، لكني أشاطرك عمق الألم، وقد أختلف معك في استنتاج الأسباب هنا أو هناك، لكني متفق معك على ضرورة الحل والعلاج، فليس لأي مناضل كرامة فوق كرامة شعبه، وليس لأي مجاهد حجة فكرية أو عقائدية فوق فلسطين، وفقط رجال مثل مفكرنا الفلسطيني الدكتور أحمد يوسف ومثلك هم من يستطيعون إعادة صلة الرحم بين أبناء الشعب الواحد، شعب يحتاج العبور فوق جدران وحواجز التخوين والتكفير، بعيدًا عن التشكيك والتهريج والتجريح.

أشكرك من الأعماق، لكني لا أريد الخوض في النذر اليسير الذي قدمته لأبناء بلدي خلال السنوات الماضية، فلم يكن أكثر من واجب، و إني لأخجل من النظر في عيون أب لا يجد قوت أولاده، أو في عيون ابن لا يقوى على علاج أم مريضة أو أب أجهده الزمن الكريه، ولا في عيون عشرات الآلاف من الخريجين العاطلين والمعطلين عن العمل والحياة، التواقين الى بداية حياة حلموا بها منذ نعومة أظفارهم.

كذلك الحال مع أم فادي الحالمة الى قدر قد لا تستطيع بلوغه، لكنها تحاول بكل حب واجتهاد، راجيًا المولى أن يحتسب لها أجر الجهد والاجتهاد، وإني لأرجوك الدعاء للأيادي البيضاء التي تجود بالخير أكثر من الدعاء لمن هم مثلنا، فنحن لا نفعل أكثر من الرجاء والتحفيز وإيصال الدعم لمستحقيه، لكن هول الفاقة والحاجة في فلسطين، وتحديدًا في قطاعنا الحبيب والقدس تفوق قدرات الأشخاص بكثير، نحن نعلم ذلك، ولن نتوقف إن شاء الله.

لكن ما يهمني حقًا هو التفاعل مع محاور المعاناة الفلسطينية الشاملة، وأولها وحدتنا وعلى أسس وطنية وأخلاقية عابرة لجدران الكراهية وحواجز الانقسام، فذلك هو الحجر الأول الذي نفتقده، حجر أساس لم نفكر به في طفولتنا أو صبانا يومًا، لأن وحدتنا كانت قوية راسخة، ولم نعلم يومًا بأننا سنبحث عنها لاحقًا بالسراج والفتيلة كما يقول مثلنا الشعبي.

بعد عودتي من الإبعاد الإسرائيلي القسري، لم يدر بخلدي يوما بأني ومرة أخرى سأشتاق ويجتاحني الحنين إلى لحظة واحدة من الطفولة القديمة مثلما أشعر أنا اليوم، وأنا على يقين بأنك تعرف معنى اشتياقي لزيارة ضريح أمي و قراءة الفاتحة لروحها الطاهرة. أنا متأكد بأنك تعرف وتتألم لأجلي ولأجل كل محروم من لحظة الحنين تلك، وأعرف بأنك تعلم بأن ما كان يميزني عند أمي عن الشهيد القائد عبد العزيز الرنتيسي لم يكن أكثر من ابن ولدته، وابن آخر أحبته وخافت عليه، وليس مهمًا الآن كيف فقدنا أو تهنا عن حجر الحكمة، حجر الوحدة، المهم هو أن نستعيد تلك الوحدة .

حصار أهلنا في غزة كابوس يطبق بحبله الغليظ على أعناقنا جميعًا، على عنقي وعنق من يحمل في قلبه ذرة وطنية، ويحمل في عقله ذرة حكمة، أو يحمل في قلبه وسلوكه ذرة ضمير وخلق، فهناك أجيال غزية لا تعرف ما وراء رفح وحاجز إيرز، ولا تعرف ما وراء البحر، وغالبية من حاولوا اكتشاف أرض “الأحلام” ابتلعتهم المياه الداكنة بلا رحمة أو شفقة، فأصبحنا أجيالًا تحلم بالرحيل عن عذاب الحياة في غزة، وأجيال تحلم بالعودة إلى سماء وهواء غزة مهما كان مستوى العذاب والشقاء، فلا الحالم بالرحيل مجرم، ولا الحالم بالعودة مجرم، لكن كليهما مجرمون ومحرومون حتى من الأحلام، بين موج بحر يبتلع البعض، وموج بغضاء يتربص البعض!

قديمًا قال لي صديق “المعارضة الدائمة أسهل أنواع العمل الوطني ، لكن أصعبه هو العمل من أجل تحقيق إنجاز أو مكسب عام يهم الناس”، و أنا اخترت الصعب، اخترت الحوار والإقناع مع الأخوة في مصر من أجل تسهيل حياة الناس، و كلي أمل في تحقيق بعض أماني الناس دون التفريط أو المساس بأمن ودماء جنود وضباط الجيش المصري، واخترت التواصل مع عدد من قادة حماس من خلال الأخوة والأصدقاء بحثًا عن بارقة أمل لشعبنا في القطاع، واخترت المكاشفة مع سلطة فلسطينية لا سلطات حقيقة لها، وكل ذلك لأني اخترت الانحياز إلى الناس في مواجهة قهر الاحتلال وظلم الحصار المتعدد وجحود القيادة بحق شعبها. ومن أجل كل ذلك دفعت وأدفع ثمنًا باهظًا، وتعرضت للكثير من الأذى و الإساءة وحملات التشويه. لكني وكأي مناضل حر لم أفقد إيماني بعدالة الأماني والأهداف التي نصبو إليها جميعًا، و بقدرتنا معا على تحقيقها من أجل شعب حر يستحق منا القتال، ومن أجل أرض عليها ما يستحق الحياة كما قال شاعرنا الراحل محمود درويش.

ليتني أحقق ما فصلت أنت في مقالك الآن ودفعة واحدة، لكني أعمل على إنجاز بعضه، ثم بعضه، ثم بعضه، ويقيني أنك تعلم بصعوبة “ولا أقول استحالة” بعض تلك الأمور في ظل انعدام الثقة بين الشقيقة مصر وقيادة حركة حماس، و خاصة الأمور الأمنية منها، لكن ذلك لا ينبغي له أن يطيل عذابات أهلنا في القطاع، وإني لواثق من إمكانية التوصل الى حلول قريبة و تدريجية إن شاء الله في قضايا الحركة والسفر والعلاج والتعليم والتجارة والطاقة.

أشكرك مجددًا وأرجو الله أن يوفقنا لما فيه الخير والأمان لشعبنا الصامد المعذب” .

التعليقات