كتاب 11
الجدل السياسي المعطل للحياة
إن الجدل السياسي الذي أخذ يتغير بعد ما سمي الربيع العربي ، الذي أحدث في وطننا العربي للاسف ألوانا من الفوضي لم تتخلص منها بلداننا العربية حتي اليوم ، ولم تقتصر هذه الفوضي علي جانب واحد من الحياة بل عمت سائر جوانب الحياة ، ولاتزال مظاهرها تبرز في مجالات شتي ، إلا أنها فيما يثور من جدل سياسي في الصحافة والاعلام أشد ظهورا ، فبرز في ساحات الاعلام المرئي والمكتوب والمسموع لونا من الجدل غير معهود ، بل وأخذ يتدني حتي ليحكم أن من يكبه أو يتحدث بلسانه ليس له في مجال الثقافة السياسية معرفة البتة ، بل وليس له سلوك يتسم بضوابط أخلاقية متعارف عليها ، فهو لون غير معهود في المجتمعات العربية قبل هذا الوقت ، لا أحترام لقيم كانت في المجتمعات العربية من قبل ، وليس له أصول وقواعد في الثقافة السياسية المعهودة ، وطبعا لاعلاقة له بعلم السياسة أو نظرياته ، وتلمس انفلاتا فيما يكتب ، حيث يظهر لون من السباب والشتائم توجه إلي الكافة مادام الكاتب يظن أنهم يختلفون معه ، يستوي في ذلك قريب العهد بمثل هذا ، ومن تأصل في سلوكه هذا ، أما الكاتب المتخصص الملتزم بآداب المهنة ، والذي لايكتب إلا ما يبنيه علي معلومات ثابتة وحقيقة فلا تجده في الساحة اليوم إلا نادرا ، حتي أصبحت الكتابة السياسية حرفة من لاحرفة له .
والغريب أن في هذا الوضع المتردي من يظهر مدعيا أنه العالم بكل الاسرار ، المطلع علي كل السياسات المعلن منها وما لايزال في طور الاعداد ، وفي بلداننا العربية كتاب يعرفهم الناس ويعرفون خلو وفاضهم من كل معرفة ، يدعون أنهم وحدهم القادرون علي سبر أغوار سياسات الدول ، منهم من يدعي أنه مطلع علي أفكار القادة وكل ما يطرح علي موائدهم ، ومنهم من يدعي القرب ممن يرسمون السياسات بل إن لم يتجرأ أن يزعم أنه مشارك في وضعها، والناس لايعرفون عنه شيئا قبل أن يروا صورته واسمه علي صفحات الصحف أو في وسائل الاعلام المرئية ، وكم تساءل بعضنا وهو يستمع لمن يدعي أنه محلل سياسي وهو لم يره قبل هذه المرة ، وتسأل عنه من أمضي عمرا يكتب المقال السياسي في الصحف أو يعلق عبر الاذاعة أو القنوات التلفزيونية فلا تجدعنده معرفة به ، يخبرك أنه لم يره قبل هذه المرة ، وهذا الشاب الذي للتو بلغ العشرين أصبح ناشطا سياسيا ، وهؤلاء الناشطون السياسيون ظاهرة عجيبة غربية ، فبعضهم سادتي لايحسن أن يتكلم بلغته الأصلية ، ومع هذا يدعي علما بكل مافي العالم ، وهذا ناشط حقوقي هو أصلا من الجاهلين بالحقوق كلها ، وما عرج قط علي كلية الحقوق ، ولكنه يصر علي أنه أعظم الحقوقيين أثرا ، ومنهم ناشطون اجتماعيون وهم مصابون بأمراض نفسية لاتسمح لهم بالاجتماع بغيرهم ، إن هذا الربيع العربي قد قلب أوضاع بعض أوطاننا العربية رأسا علي عقب .
وتدفقت الاموال من كل صوب علي بلدان كان الفرد فيها يعاني من الفقر حتي الدرجة التي قد يشهد له كل أبناء وطنه : أنه أفقر البشر فإذا هو بين يوم وليلة يركب السيارة الفارهة وتجد في البنك يجالس مديره ويخدم فيه وكأنه من أصحاب الملايين ، ولاتجد سفارة في بلده إلا ودخلها ، وهو علي صلة بكل سفراء الغرب ، وله جمعية مدنية يحول لها من الخارج الملايين .
سادتي : انظروا حولكم وامنعوا النظر فستكتشفون أكثر مما اكتشفت ، فما اكتشفته هو جد قليل مما أصاب بلداننا، التي أصبحت كلها اليوم في مهب الريح ، تعاني ميزانياتها من العجز الذي يجعلنا في محنة اقتصادية يجعلها تلهث وراء القروض داخليا وخارجيا ودولاراتها يتقلص مخزونها ، ونحن في عصر من قلت دولاراته عاني كثيرا ، والدول المتقدمة لاشأن لها إلا انتقاده سياسيا وحقوقيا والاعلان أنه أول المنتهكين لحقوق الانسان ولو كان مواطنوه من السود في خير حال ، وهم في اغني دول الديمقراطية أسوأ البشر حالا ، واعانني وأياكم علي آثار هذا الربيع العربي الذي لم ينقطف من آثاره وردة ، وإنما سرنا جماعات وراء قتلانا والحزن بغمرنا ، فقد ماتوا ولم يقضوا وترهم من الحياة ، وهم الذين كانوا يستحقون الحياة الافضل ،
كاتب سعودي