كتاب 11
الاختلاف السياسي بين الدول طبيعي
هذا العنوان يمثل حقيقة في عالم السياسة كما هي في عالم الفكر الذي تتولد عنه، والحقيقة الثانية التي لابد من الايمان بها هي أن التطابق بين البشر يكاد أن يكون مستحيلا، ودول العالم كلها تعي هذه الحقيقة وبينها الكثير من التعامل رغم الاختلاف، لأن هذا هو الممكن فلا إجماع بين الناس علي فكرة إلا نادرا، ولعله اليوم يكاد أن يكون مستحيلا، ومصر والسعودية قطران شقيقان لاشك في ذلك، والعلاقة بينهما تمتد إلي أزمان بعيدة، حينما كانا جزءا من امبراطورية عربية اسلامية، وبعدها في مالك عدة، وبعد ذلك حينما وجدت الدولة الوطنية بعد التخلص من الاستعمار كانا معا في علاقة تتميز بالثبات، والعمل معامن أجل أمة واحدة عربية ثم اسلامية، وطبيعي أنه كانت تقع بينهما أحينا اختلافات حول بعض القضايا، إلا أنهما استمرتا في علاقة نقيه وثابته عبر الزمان، وحينما كانت تقع الاختلافات لا تلبث أن تزول إيمانا منهما أنه لابد من الاستمرار في هذه العلاقة لمصلحتمها معا ولمصلحة الأمة، وأظنهما مثلا نموذجا سويا للعلاقات.
وحينما يتوهم البعض من أن كل خلاف سيفرض عليهما أن يقطعا هذه العلاقة فهو واهم أو حاقد يتمني الشر لهما، وفي مصر والسعودية أفراد من العاملين في ميدان الاعلام، ومن المتداخلين عبره، ومن يجوسون خلال مواقع التواصل عبر الانترنت مرضي نفوس يظنون أن علاقة الدول يمكن أن تصاغ عبر الاعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، وهو المستحيل أصلا، فالعالم الافتراضي عبر الانترنت نعلم يقينا لايطرح الحقائق غالبا، وأنه في الغالب يجتذب من البشر الكثيرين ممن لايصنعون فكرا، وإنما قدموا إليه من أجل هدم كل فكر سليم، وهذا يلاحظ بسهولة فما طرحت فكرة أو خبر إلا وتبين أنه لاحقيقة له، وإنما زيف لأسباب أخري تنخرط جلها في الهدم لا البناء، ورغم أن هذه الوسائل تعتبر فتح عظيم لنقل الافكار إلا أنها عندما أنتقلت إلينا ساء استخدامها حتي كاد الناس أن يفقدوا الثقة بها كليا، ونحن ولاشك قد لاحظنا هذا فمنذ أن وقعت أحداث ما سمي الربيع العربي أن مواقع التواصل الاجتماعي عبر الانترنت أصبحت ساحة لتزييف كل شئ، وقد كان في البلدين فئة من الناس أشرت إليهم قبل قليل بالمرضي، وهم فئة لعل الكثيرين منا يلاحظها، فما يقع حدث أو تظهر فكرة في بلادهم إلا سعوا إلي تشويهها، وما أن يعلن عن عمل وطني إلا وأثاروا حوله الشكوك، وما يقع خلاف بين قطرين إلا وظنوا أنهم عن طريقه سيصنعون فرقة لا إئتلاف بعده، وهم دوما ضد الدولة التي يعيشون فيها قبل أن يكونوا أعداء لما يعتقدون أنه عدوا لها، ويدفعهم لذلك أسباب كثيرة كلها شر ولاشك، وتراهم دوما قبل أن يخوضوا فيما تصوروها خلافا قاتلا ، وحاولوا إيهام المواطنين به، يشككون في مواقف وطنهم قبل غيره، غايتهم إشاعة الاضطراب به قبل ما يصورونه من الاقطار الأخري علي أنه عدو له، وهذا مايشرح لنا كيف أن مهاجمة مصر والسعودية وتشويه مواقفهما مستمر زمنا ليس بالقصير من قبلهم في القطرين، ودون الزعم أن هناك خلافا بينهما، فإذا ما بدر نوع من الخلاف ولو كان ضئيلا تجدهم قد أقبلوا فرحين، فهذا هو مجالهم المحبب إلي نفوسهم لتصوير الأمر وكأن القطيعة قادمة لامحالة، وإذا انقشعت الغمة وظهر أن كل ما يدعونه كان من صنع خيال مريض رأيتهم يعودون للبحث من جديد في الاخبار والتصريحات ما يمكن أن يبنون عليه وجود اختلاف جديد يغتنمون فيه الفرصة من أجل اشاعة أخبارا زائفة عن أاحداث لم تقع من أجل الخوض فيها عل ذلك يصنع اختلافا، وما علموا أن الدول لا تصنع مواقفها عبرهم، بل يصنعها عقلاء يريدون الخير لبلدانهم، لا كما يريدون هم أن
تسقط، وأظن القارئ العزيز يدرك هذا جيدا، فخلال الاربع السنوات الماضية عملت هذه الفئة بنشاط كبير، ولكنها بحمد الله لم تستطع تحقيق أغراضها ولن تستطيع إذا لم يصغ اليهم المواطنون وسعوا مع الدولة لعمل جاد ومفيد يقضي علي كل المخاطر، ليجدوا حينئذ انفسهم يعيشون كما كانوا من قبل منتظرين ثمرة زرع لم يحسنوا زراعته، أو لأنه زرع ردئ، لن ينموا أبدا ما أشعنا الحقائق ولم نخفها عن شعوبنا، وتحدثنا بشفافية عن كل خطواتنا، فلم نترلا لهم شيئا يخوضون فيه، وهو هوايتهم المستمرة، لم نخف حتي الاختلاف واسبابه إن وجد، فالأمراض لاتعيش إلا في بيئة مليئة بالمكروبات، فالافصاح عن الحقائق بشفافية تامة تقضي علي امراضنا السياسية والمصابين بها ، فهل نفعل هو ما أرجوا والله ولي التوفيق،
عبدالله فراج الشريف
كاتب سعودي
جدة