كتاب 11

01:10 مساءً EET

السعودية وحرب نووية في العراق و سوريا

يتوجب على السعودية أن تحذر من أن تنساق خلف بعض الدعاوى التي تدفع السعودية نحو مواجهة مباشرة أو غير مباشرة في العراق أو سوريا ضمن تحالف إقليمي أو دولي، وتحت أي ذريعة، سواء كانت دينية، أو طائفية، أو قومية، أو عربية، أو إنسانية، أو أخلاقية. الموقف الإقليمي الدولي محتقن والحرب باتت صنيعة القوى العظمى لإعادة هيكلة النظام الدولي والمصالح الجيوسياسية، وذريعة للدول الإقليمية الفاشلة للخروج من أزماتها الداخلية سواء تركيا أو إيران أو إسرائيل، والبحث عن سراب الإمبراطوريات. السعودية لديها نزاع عسكري يقف على حدودها الجنوبية ويتمنى الجميع إنهاءه بأفضل السبل وأسرعها. السعودية هي الدولة المتبقية في قائمة الدول المستهدفة بالفوضى الخلاقة ويراد إسقاطها وتقسيمها بحيّل شتى. كما أن بين يدي السعودية مشروع تنموي حضاري مستقبلي في الداخل تعبر عنه رؤية 2030 يحتاج لكل الجهد والوقت والمال، وليس من الصواب أو الحكمة تشتيتها في سراب سياسي. صحيح أن ما يحدث في العراق أو سوريا مؤلماً، لكن تلك النزاعات والحروب ليس للسعودية فيها ناقة ولا جمل. كما أننا نؤكد أن لا حرب مشروعة وعادلة يجوز للسعودية دخولها أو الإنخراط فيها، ويغفر لها التاريخ ذلك، سوى الحرب الوجودية Existential War التي تهدد وجود السعودية بشكل واضح لا لبس فيه أو تمس حدودها وأراضيها بشكل مباشر، ومالا فلا.

 

الموقف السياسي في العراق مختلط ومعقد وأحمق وأعمق مما يحاول البعض تبسيطه، وأي إنسياق خلف مواجهة عسكرية في ذلك القطر ضمن تحالف دولي أو أقليمي ستكون أثاره سلبية وعكسية. الأجندة الأمريكية غير واضحة وتتغير بين عشية وضحاها وتحالفاتها غير مأمونة أو مضمونه. كما ان الإرتباط التكتيكي والميداني بين مايحدث في العراق وبين مايحدث في سوريا يجعل من المهمة أكثر خطورة، ويفضي إلى مستنقع يصعب الخروج منه. الهيمنة والمصالح الأمريكية في العراق من جانب، والهيمنة والمصالح الروسية في سوريا، من جانب آخر، يعقد الموقف ويجعل جيوش الدول الإقليمية الصغيرة ودولهم من خلفها مجرد أدوات ولعبة في أيد القوى العظمى. كما أن التدخل العسكري التركي المرفوض في العراق وميوعة الموقف في إقليم كردستان العراق من ناحية، والأطماع التركية في خلق منطقة عازلة في شمال سوريا بمساحة (5000) كم مربع، من ناحية أخرى، يجعل من الإقتتال محتدماً ومربكاً. تشكيل الحشد الشعبي الشيعي في العراق وإرتباطاته الثقافية والعقدية مع وجود إيراني وميليشيات متحالفة معها في سوريا سيؤدي بالأمر للخروج عن السيطرة.

 

دعونا نتأمل “ليس للسعودية أطماع خارج الحدود” هي عبارة كررها أكثر من مرة مؤخراً وزير الخارجية السعودي في محاضرة بالمعهد الملكي للعلاقات الدولية (تشاتهام هاوس) قبل أسبوعين (7 سبتمبر 2916) وشرح الجبير بكل إقتدار السياسة الخارجية السعودية بأنها تركز على الداخل بهدف تحسين مستوى دخل حياة المواطن السعودي، وأن إستمرار الحرب في اليمن يشكل قلقاً بالغ، مما يوحي بمنطق الحكمة في السياسة الخارجية السعودية كما يجب أن تكون، والذي نأمل إن يكون كذلك ولا يكذبه الواقع. فأي تدخل سعودي خارج الموقف السياسي أو الدبلوماسي للأزمة في العراق أو سوريا سيكون سلبياً. جر السعودية إلى نزاعات خارجية بحجة حماية السنة في عراق تواصل فيه الشقاق والنفاق منذ عهد الحجاج، أو أي بلد آخر هو تكتيك أمريكي وتركي وقطري لأجندتهم الخاصة للعب على الوتر الطائفي، كما أن إنسياق السعودية بأكثر من التعاطف السياسي خلف ما يسمى زوراً وبهتاناً بـ “المعارضة المعتدلة” هو ورطة وكمين تم نصبه في العام 2011 من الولايات المتحدة وتركيا وقطر بدعاوى أخلاقية وإنسانية ثبت كذبها وفشلها.

 

فضحت الأزمة السورية المتواصلة منذ أكثر من (5) أعوام اللعبة الأمريكية التي لم تكن خافية إلا على الأغبياء والسذج بأن ماجرى في سوريا هو ثورة شعبية، كما فضحها علناً رولان دوما وزير الخارجية الفرنسي الأسبق على التلفزيون الفرنسي، وفضحها علناً، أيضاً، وزير الخارجية القطري الأسبق في حديث مطول مع صحيفة الفاينانشال تايمز. أكذوبة “المعارضة المعتدلة” واحدة من الأدلة على الأجندة الغربية الأمريكية التي لا تقل عن كذبة الجنرال الأسمر كولن باول في مجلس الأمن قبيل إحتلال العراق. لم يشهد التاريخ معارضة توصف بـ “المعتدلة” وهي مسلحة بصواريخ “غراد”، لكن مصطلح “الإعتدال” يعني في القاموس الأمريكي: “المتوافق مع المصالح الأمريكية والغير معادي لإسرائيل”، تماماً مثل مصطلح “دول الإعتدال العربي” الذي ساد ثم باد حقبة من الزمن. المصالح القطرية والتركية قضت في العام 2011 تنفيذاً للإرادة الأمريكية أن تغيّر النظام السوري بات حتمياً، لكنهم عجزوا تماماً، وظهر أن اللعبة أكبر مما تصور الخيال الإقليمي والأوروبي والأمريكي. ولذا فإن أي إرتباط للسعودية بما يجري في سوريا هو خطأ إستراتيجي جسيم مهما حاول البعض تمريره أو تبريره، وبقدر إنسحاب السعودية من التدخل والإنجرار خلف حجج واهية في العراق وسوريا بقدر تخفيف العواقب السيئة الناتجة عن ذلك على المستويين المتوسط والبعيد.

 

تحتاج السعودية إلى الإسراع في صياغة مراجعة رباعية للسياسة الإستراتيجية 2017-2021 Quadrennial Strategic Policy Review في أربعة محاور: (1) الإنسحاب من أي نزاع خارج الحدود السعودية مهما حاول الآخرون تسويقه أو تمريره (2) إنتهاج سياسة ودية وصديقة على المستويين الإقليمي والدولي؛ (3) إعادة تقييم العلاقة السعودية الأمريكية حسب المستجدات فيما بعد قانون “جاستا”؛ (4) التركيز على الداخل بما يتفق وإنجاح ورؤية 2030، وإعادة النظر في كل صفقات التسليح مع الخارج وتحويلها إلى اتفاقيات مدنية تنموية. التحديات التي ذكرها وزير الخارجية السعودي في لندن لتنفيذ رؤية 2030 مثل: تمكين الشباب؛ وخلق ثقافة الإبتكار؛ وتشجيع ريادة الأعمال؛ واستقطاب الإستثمار الداخلي والخارجي؛ وبناء المصانع ورفع القدرة التصنيعية؛ وإيجاد مناطق للإستثمار في التعدين والسياحة والترفيه وتقنية المعلومات ضمن شراكات عالمية؛ يتطلب جهدا مضاعفاً يُبنى على علاقات دولية متميزة، وفي بيئة بعيدة كل البعد عن النزاعات والمماحكات السياسية والقلاقل.

 

إنشغال السعودية في أي نزاعات خارجية لن يحل أي أزمات أو تحديات داخلية تتمثل في: محاربة الإرهاب والتطرف؛ ومكافحة الفساد؛ وحل أزمة البطالة المتفاقمة؛ وإسكان المواطنين الذين طال إنتظارهم؛ والتعامل مع تحدي تطوير الرعاية الصحية والتعليم وخصخصتها؛ وتطوير الرعاية الإجتماعية، كل تلك التحديات وغيرها ستؤجل وستتفاقم في حال النزاعات الخارجية. من ناحية أخرى، قد يكون من السهل الدخول في النزاعات الخارجية العسكرية تحت ذرائع شتى، لكن الخروج من تلك النزاعات والحروب قد لا يكون متاحاً أو سهلاً كما يتصور البعض. كم من نزاع أو حرب في التاريخ المعاصر، أكد أنصاف السياسيين أو جنرالات العسكر، أنها ستنتهي في أسابيع وأشهر قليلة، لكنها دامت وإستمرت سنوات؟ دخل صدام حسين حربه مع إيران بناء على تقدير موقف يؤكد إنتهاء الحرب وتحقيق أهدافها خلال (3) أسابيع لكنها إستمرت (8) سنوات 1980 – 1988 وإستنزفت الكثير من الموارد المالية للعراق ودول الخليج، وقتلت ملايين من الشعب العراقي، وعطلت التجارة العالمية في الخليج العربي، وبذرت بذور إحتقان كان ولايزال، كما ولّدت حروب أخرى.

 

السعودية معنية بماهو داخل حدودها الجغرافية وأمنها من خطر وجودي فقط، وماعدا ذلك يمكن التعامل معه بالتعاطف السياسي والدبلوماسي. التدخل في شؤون الدول والأمم الأخرى ليس من منهج السعودية، ولا يجب أن يكون، مهما بلغ التعاطف القومي أو المذهبي أو الطائفي أو الديني. كما أن الإعتبارات الإنسانية والأخلاقية مهمة لكن في حدود الموقف السياسي والدبلوماسي والمساعدات الإغاثية. عانت السعودية أيما معاناة من العاطفة والطيبة السعودية ضمن مواقف سياسية يسجلها التاريخ، لكن إنعكس كثير من تلك المواقف، مع كل أسف، سلباً وجحوداً ونكراناً، بل وتهجماً على السعودية. إذا كانت السعودية، كما جادل وزير الخارجية السعودي في لندن، تعيب على إيران وتنتقدها في كافة المحافل الدولية بانها تتدخل في شؤون الدول المجاورة وتُصدر منهجها للخارج، وتعتبر ان حماية الشيعة في الدول المجاورة حق لها، فحري بالسعودية أن لا تفعل الشيء ذاته في أو مع أي دولة. كما أن إصرار السعودية على رحيل رئيس دولة مستقلة ذات سيادة بصرف النظر عن الحب والكراهية، هو منطق سياسي مخالف لكل الأعراف والقوانين الدولية، قد يؤدي إلى نتايج عكسية في المستقبل. فشرعية أي نظام سياسي هو من القداسة بحيث لا يجوز لأحد غير شعب الدولة ذاتها التدخل فيه. كما أن الإصرار الخارجي على تغيير الأنظمة يزيد تلك الأنظمة قوة وثباتا وتلاحماً مع شعوبها، إذ ليس هناك من شعب حر يقبل بفرض أنظمة عليه من الخارج.

 

أخيراً، بالرغم من أن الخلاف الروسي الأمريكي المستجد حول سوريا يصنف حسب بعض المراقبين ضمن الحرب الإعلامية لتحقيق نقاط تفاوضية وتوريط حلفاء إقليمين، إلا أن في الأفق بوادر تصعيد للأزمة في العراق وسوريا من الموصل حتى حلب، قد يؤدي إلى إشتعال حرب شاملة تراوح بين العالمية والإقليمية. كما أن السعودية يراد لها أن تتفتت وأن تزول حسب جدول ومخطط الفوضى الخلاقة الذي بدأ بُعيد إحتلال العراق في العام 2003. ولذا فإن السعودية في موقف يتطلب منها إعادة التفكير جدياً وسريعاً في نسبة مشاركتها وتعاملها مع الأزمات الإقليمية ضمن مراجعة رباعية للسياسة الإستراتيجية لتتمكن من تنفيذ رؤية 2030 التي تجمع بين تنمية المواطن والوطن في الداخل، وتحقيق الرخاء والإزدهار للمحيط الإقليمي والدولي في الخارج. ختاماً، سألت عالم جليل عن تفسير “التقوى” في الأية الكريمة المحفورة أمام مبنى الخارجية السعودية في جدة: “وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم” فقال شيخنا فتح الله عليه، التقوى هاهنا هي: كف الأذى والحذر. حفظ الله الوطن.

 

كاتب سعودي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst

التعليقات