كتاب 11

04:40 مساءً EET

تحدي العقل .. و«ردود الفعل»

< كل شيء له سبب ونتيجة، فعل ورد فعل، هكذا هي الحياة حركة دائمة لا تتوقف، تعودنا أن نتأثر بـ«ردود الفعل» فنقع أسرى لذلك، مما يعوق مسيرتنا في الحياة.

يركز الأفراد على هوامش الحياة (إشاعات/نكت)، فتكون «ردود أفعالهم» لها مضيعة للوقت، وتجاهلوا تماماً كيف يطورون أنفسهم ويركزون على نقاط القوة لديهم، وكيف يستفيدون من طاقاتهم الجبارة!

اليوم، نحن أمام عقول تعطلت فترة طويلة ولم «تخض» التفكير، بل كان تفكيرها محدوداً جداً، وهو ما أنتج سطحية واضحة في طريقة التربية مع الأبناء، فنجد تربية مفرطة الدلال، أو تربية أسقط عليها عقد نفسية، وقيسوا كم أنتجنا من أبناء من هذه النماذج.

«سطحية التفكير» أثرت في مفهوم العمل أيضاً وعدم الإخلاص له، لم تزرع حب العمل بتفانٍ، لم نستشعر بسببها قيمة العمل، بل وصلت بنا الحال إلى أننا إذا رأينا شخصاً مخلصاً اتهمناه بالسذاجة، حتى انتشرت عندنا ثقافة «الغياب» وكأنه أمر عادي، من هنا بالذات لم نعرف قيمة الفكر وطريقة التفكير في حب كل شيء من حولنا. لماذا؟ لأننا – كما ذكرت – لم نعطِ الفرد الشعور بقيمة عقله وفكره، ولم يتعود على التفكير والتحليل أو إعطاء المساحة الحرة في عملية الاختيار، بل وجّه وأحجب وقُيد بطريقة رجعية تماماً، صنعت منه فرداً «خاوي الفكر».

إذاً، كيف ينهض المجتمع؟

لا يكفي أن يكون هناك بعض الأفراد المؤثرين والبقية تابعين، لا بد من العمل على صنع الفرد من جديد. نعم، لا بد من أن نعترف بأن لدينا قصوراً كبيراً في نظرتنا لقيمة الإنسان، فكيف لنا إذاً أن نرتقي في مجتمعنا؟

أولاً: قبل مرحلة التعليم نحتاج إلى جهة منظمة حقيقية تدرك الهدف الأساس من دورها، وهو تثقيف وتوعية المعلمين والمرشدين والأساتذة في تعريفهم بقوة «العقل والتفكير»، وأيضاً كيفية يتم التعامل مع النشء باحترام وتقدير.

ثانياً: طريقة التعليم لا بد من أن تتطور عن «التنظير»، نحتاج إلى ورش عمل تدور بين المعلم والطالب، تعتمد على طرح الأسئلة في ما يخص المادة وإثارة الحوار، وجعل الطالب يحلل ويفسر ويقارن. هنا لن ينسى الطالب ماذا تعلم، بل ستكبر العلاقة بين المعلم والطالب، ويشعر الطالب بقيمته فرداً حراً يتكلم ويعبّر من دون خوف من «عصا المعلم»، من هنا يقوم المجتمع على احترام الذات منذ الصغر.

ثالثاً: الأسر في حاجة إلى توعيتها في كيفية التربية والتعامل والتواصل، ويتم طرح ذلك في القنوات التلفزيونية والإذاعية، تعاد وتكرر أمامهم بصورة جاذبة تحفزهم وتعمل على تحريك عقولهم من نمط الفكر القديم إلى نمط أكثر اتساع ورؤية.

رابعاً: أساتذة الجامعات دورهم كبير جداً، ليس فقط في إعطاء المواد العلمية، بل في توعية الطلاب في محاورتهم والتقرب منهم وكسر المساحة الوهمية التي بينهم. الجامعة ليست محاضرات، بل عليها دور كبير في صنع آلية التواصل مع طلابها لتثقيفهم والسماع لهم. يجد طالب اليوم مواد علمية، لكنها بعيدة عن مفهوم الحياة ومراحلها، يحتاج الطالب إلى التعرف على نماذج صنعت وعملت واجتهدت، وكيف تحدت الصعاب بجدارة.

خامساً: مسؤولية المؤسسات الحكومية والخيرية والتجارية والمصارف ورجال الأعمال أن تتكاتف في صنع ما يثري العقل والفكر، وأن تشارك في بناء أبناء الوطن من خلال خدماتها وخبراتها، ولنا مثال في ما قدمته شركة عبداللطيف جميل من أعمال خيرية وإنسانية، إذ إنها لم تكن مجانية فقط، بل وفّرت العديد من الوظائف جعلت الأفراد يعتمدون على أنفسهم ولم يكونوا عالة على أحد. لماذا نجح؟ لأنه يمتلك «حس المسؤولية» التي غابت عن الكثير، خصوصاً من يملكون الإمكانات في مساعدة الآخرين.

سادساً: دورنا ألا ننتظر غيرنا يقدمون المساعدة لنا، هي مسؤولية كل واحد فينا، أن يطور نفسه ويتعلم أن الحياة لم توجد عبثاً، بل علينا أدوار نقوم بها.

كل ما ذكرت يعتمد في الدرجة الأولى على الفعل والإرادة والعمل والعزيمة، لا على «ردود الفعل» الوقتية التي تجعلنا نسبح في فضاء الوهم من دون سبب واضح، نخسر من خلاله الكثير من وقتنا وتطورنا وتقدمنا.

Haifasafouq@

التعليقات