كتاب 11
الوزير بين البربرة والبربسة
سخرت وسائل التواصل الإجتماعي من حادثة “البربرة” التي سببها معالي وزير النقل الأخ الصديق سليمان الحمدان (أبو بدر) عندما طلب من أحد المسئولين الكبار (الرئيس التنفيذي لخدمات الملاحة الجوية) تنفيذ أمر بصرف مبالغ مالية، رأى المسئول الكبير أن في تنفيذ أمر الوزير مخالف للأنظمه، إستشاط الوزير غضباً – حلوة إستشاط، يعني ولع أو إحترق – فأرسل صاحب المعالي رسالة إليكترونية شديدة اللهجة إلى المسئول الكبير الذي “ليس معالي”، وأمره بالتنفيذ مع تذييل رسالة الوزير تقول: (وبلاش بربرة)في الساعة 18:35, فما كان من المسئول “الكبير” إلا أن قدم إستقالته برسالة إليكترونية جوابية في الساعة 19:11، ولأن معالي الوزير “مستشيط” قبل الإستقالة فوراً الساعة 19:13، أي أن “البربرة” و”البربسة” إستغرقت (38) دقيقة فقط. لكن، ماهي “البربرة” في هذا المقال؟ هي الكلام (الحكي أو الحتسي) الغير مفهوم أو الذي لا يؤدي إلى نتيجة؛ أما “البربسة”: فهي العمل الغير منتج أو العبث. حسناً، إنتشرت القصة وإستنكر الجميع هذه اللهجة الفوقية من وزير النقل إلى مسئول رفيع المستوى، فإرتفعت التغريدات والهاشتاقات تطالب بإعفاء وزير النقل بناء على طلبه، أو ليس بناء على طلبه.
أما كاتب هذه السطور فلن يطالب بإستقالة وزير النقل، أو أي وزير آخر بعد اليوم، مهما بلغت “البربرة” أو “البربسة” من الوزير، فقد ثبت بما لا يدع مجال للشك أنه كلما طالبنا بإعفاء وزير تم ترقيته. كيف؟ (1) إنتقدنا وزير العمل السابق على “بربرته” حول نقص التوطين وزيادة العمالة الوافدة والصورة الوردية المضللة التي رسمها حينذاك، وعلى “بربسته” في برامج فاشلة مثل نطاقات وطاقات ولقاءات، وطالبنا بآقالته والتحقيق معه. ماذا حدث؟ إزداد ثباتاً وتسلم حقيبة الصحة التي “بربر” و “بربس” فيها مما إضطر “نزاهة” إلى “البربرة” بأنها إكتشفت (38) شبهة فساد، ولم يمض وقت طويل حتى تم تعيينه وزير للإقتصاد والتخطيط، حيث يستطيع أن “يبربر” و “يبربس” هو وفخامة المستشار “ماكينزي” على كيفهم حتى نهاية التحوّل الوطني والرؤية؛ (2) طالبنا بإعفاء وزير العمل الحالي على “البربرة” و “البربسة” في الإستقدام، ومالبث أن ثبت معاليه وتمت ترقيته ليحمل حقيبتين: العمل، والتنمية الإجتماعية؛ (3) إنتقدنا رئيس هيئة الطيران المدني، صاحب “البربرة” موضوع مقالنا، على “البربسة” في المطارات خلال المواسم، وعدد من القضايا، وطالبنا بإقالته، لكن تم عكس ذلك تماماً، فتمت ترقيته لكي يصبح وزير النقل بصلاحيات أكبر وأكثر في “البربرة” و “البربسة”.
صديقنا وزير النقل لديه مشكلة في “البربرة” فقد سبق أن توجه له أحد الصحفيين قبل أسابيع يسأله عن موعد إفتتاح مطار الملك عبدالعزيز الجديد في جدة، لكنه أهمل الصحفي بشكل يتعدى كل أصول اللياقة من وزير يفترض فيه أن “يبربر” مع الصحافة والإعلام. المشكلة هذه لا تقتصر على وزير النقل، فبعض الوزراء والمسئولين لم يتعلموا “البربرة” وخصوصاً مع الإعلام، وينطبق عليهم المثل الشعبي “يازينك ساكت”. هل تذكرون “بربرة” وزير المياه السابق على إثر إرتفاع سعر فواتير المياه؟ أو وزير الإقتصاد والتخطيط السابق عندما “بربر” بأن المواطن السعودي يعيش رفاهية ليس لها مثيل في العالم. أو وزير الصحة السابق عندما “بربر” على أحد المواطنين مما أدى إلى إعفائه، ولذا نجده اليوم بعد تعيينه وزيراً للترفيه لم “يبربر” بكلمة واحدة خوفاً من الإعفاء. وهكذا نجد أن مشكلة “البربرة” متأصلة في بعض الوزراء والسفراء وأعضاء مجلس الشورى، ما أن تسنح لأي منهم فرصة “البربرة”، حتى “يجيب العيد”، كما يقول المثل الشعبي.
يسمح للوزراء بـ”البربسة” فقط. لأنها عبث له علاقة بالعمل والإنتاجية وتخفى على الكثير ولا يعلم عنها الرأي العام والمواطن إلا بعد حين، أما “البربرة” فمشكلتها مشكلة، تفتضح سريعاً ويتداولها الناس عبر وسائل التواصل الإجتماعي ويسخرون منها ومن معالي الوزير، مما يسبب إحراج للحكومة. وزير الخارجية، على سبيل المثال، عمله يتطلب “البربرة” بشكل مكثف، فالسياسة حرب، والمثل الشعبي يقول: “نصف الحرب صياح”. فنجده يجيد “البربرة” حول اليمن وسوريا والعراق وإيران وأمريكا، بصرف النظر عن ما يحدث على أرض الواقع من “بربسة”. وزير الطاقة، أيضاً، يستخدم “البربرة” لكنه حذر جداً لأن أي “بربرة” في موضوع النفط قد يخلق “بربسة” في الأسعار. وزير الإسكان، غلبان، غلط ذات مرة بعد أن سقط في فخ نصبه له الصديق د. فهد العرابي الحارثي، الذي دعاه إلى مركز أسبار فوقع معاليه في “البربرة” حول الفكر، ومنذ تلك اللحظة والشعب السعودي التواق إلى السكن والإسكان يفكر في “بربرة” الوزير و “بربسة” وزارة الإسكان. أما وزير الثقافة والإعلام الذي لا يعرف “البربرة” مع أن منصبه يحتم عليه ذلك، غلط مرة و”بربر” بقصيدة لأحمد شوقي فأتهم بالسرقة و “البربسة”، وقامت الدنيا ولم تقعد.
أخيراً، نسي معالي وزير النقل أن مسمى وزارته القديم هو وزارة المواصلات، التي من أهم سمات من يشغل المنصب فيها ويحمل حقيبتها، أن يعرف كيف يتواصل مع مرؤوسيه، وأن يعرف أصول “البربرة” مع الإعلام للتواصل مع الرأي العام. كما سبق أن طالبنا وزير النقل أن يعتني بالمطارات التي لازالت تشكل صورة سيئة للمواطن في داخل البلاد والقادم إليها، وأن يلتفت إلى “بربسة” سيارات الأجرة في المطارات التي لم يتمكن أحد من حلها وإصلاحها، لكننا لن نطالب بإعفاءه، خشية أن يتم ترقيته ويحمل حقائب أكثر وأكبر. ختاماً، نهدي كل وزير يريد أن يجيد ويتقن ويُحسن “البربرة” والبربسة” معاً، أن يتبع الخطوات التالية: إصقع .. كمِل .. شربِك .. حط رجلك كِذا.. وحط الثانية كِذا .. وسو براسك كِذا .. وبربس، بربس، بربس. حفظ الله الوطن.
كاتب سعودي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst