كتاب 11

05:33 مساءً EET

الفتنة .. القرني وآل الشيخ إنموذجاً

يجدر بنا التأكيد بداية لبعض من تأخذهم العاطفة بعيداً عن العقل، أن مانكتبه أو ماكتبناه في السابق حول بعض الأمور السياسية الإقليمية، ليس تعاطفاً مع أحد بقدر ماهو دفاعاً وحماية لهذا الوطن في حقبة من أصعب الحقب، إذ تمر السعودية اليوم بمرحلة من أدق مراحلها وأكثرها حساسية وخطورة مما يتطلب الحيطة والحذر من الفتنة السياسية المتعلقة أو المتلبسة بالدِين. فالخصومة السياسية مع إيران وبالأخص مع موسم حج هذا العام، تلبست ثوباً عقائدياً رفع درجة التناحر والتلاسن والتقاذف إلى درجة تعقّد وتصعّب عمل السياسي بشكل مضاعف. تغريدة الشيخ د. عائض القرني بعد حج هذا العام، الذي غاب عنه حجاج إيران، كانت في غير محلها ومن غير أهلها. كما أن تغريدة الكاتب الجدلي في صحيفة الجزيرة محمد آل الشيخ ضد مصر ورئيسها بسبب مؤتمر “غروزني” خارجة عن الأصول من كاتب يلبس إسماً دينياً. وهنا نجادل أن حشر الدين شكلاً أو مضموناً أو إسماً في السياسة هو أمر مضر بالسياسة السعودية ويجب الحذر منه.

 

المسألة الأولى: كتب الشيخ د عائض القرني تغريدة شاذة يقول فيها: “نجح حج هذا العام بنسبة 100/100 والسبب بعد توفيق الله غياب إيران الدولة الصفوية المجوسية أم الفتن والإرهاب في العالم” #الحج_بدون_ايران_تنظيم_وامان “. لمتابعين في حسابه يفوقون (14) مليون، وبذلك نزل الشيخ الدكتور القرني من وقاره الذي جمعه خلال ربع قرن من الزمان بعد أن فقده ومجموعة من طلبة العلم معه خلال حرب الخليج الأولى (1991) عندما حشروا أنوفهم في السياسة وأدى ذلك إلى نشر غازي القصيبي، رحمه الله، رسائله في كتاب “حتى لا تكون فتنة” لثلاثة كانوا يشكلون الواجهة حينذاك: عائض القرني؛ وسلمان العودة؛ وناصر العمر. كان تحذير القصيبي حينها من تدخل فقهاء الدين في السياسة ومحاولة إختطاف الدولة. اليوم يعود البعض من فقهاء الدين للسياسة عبر بوابة الخصومة السياسية مع إيران للإيحاء بحق أو باطل أنهم مع الدولة في الخصومة مع إيران، وهذا من وجهة نظرنا فخ يجب التنبه له والحذر منه، لأن مئالاته سيئة تفقد الدولة زمام القيادة والسيطرة وتحيل الأمر إلى تراشق بين العمائم واللحى في السعودية وإيران، وهذه هي الفتنة.

 

المسألة الثانية: يعلم الشيخ د. عائض القرني، جزاه الله عنا خير الجزاء، أن مكانته جاءت على خلفية ما يقدمه من علم نافع في أمور الدين والحياة التي يحتاجها الفرد العادي الذي يغالب التطور والتسارع المدني بدليل حجم المتابعين، وليس كفقيه يدس أنفه في السياسة “القذرة” Dirty Politics، التي لايعلم بالتأكيد مساربها ومشاربها، أو طالب علم مرتبك يحتاج إلى أن يعيد إثبات ولاءه لولاة الأمر. فلو إكتفى بتغريدة التهنئة والتبريك بنجاح الحج لكان الوقع أفضل ووصلت تغريدته إلى كل من عمل وساعد في خدمة الحجيج ونجاح الحج هذا العام. أما أن يتجرأ على الله ويربط نجاح الحج بغياب إيران، أو يتهم إيران الدولة المسلمة التي تضم قرابة (80) مليون بأنها “الصفوية المجوسية أم الفتن والإرهاب” فهذه سقطة طالب علم يدرك خطئها وشذوذها وأنها ليست مقبولة دينياً أو إنسانياً أو سياسياً أو عقلياً أو منطقياً. فعندما تعود إيران للحج في المستقبل وتلتزم بإشتراطات الحكومة السعودية يوماً ما فهل ستخرج إيران من الأوصاف الأبدية التي ذكرها فضيلة الشيخ القرني؟ شتم إيران من طالب علم ديني سعودي معروف، سيؤدي في أبسط الحالات إلى أن ينبريء أكثر من طالب علم ديني في إيران بشتم السعودية بأوصاف لا تقل عن أوصاف شيخنا ودكتورنا عائض القرني. ثم ماذا؟ النتيجة تسليم دفة القيادة لرجال الدين لكي يعيثوا ويعبثوا، وهذا خطر فادح.

 

المسألة الثالثة: كتب الصحفي الجدلي في صحيفة الجزيرة محمد آل الشيخ تغريدة شاذة يقول فيها: “مشاركة شيخ الأزهر بمؤتمر “غروزني” الذي أقصى المملكة من مسمى أهل السنة يحتم علينا تغيير تعاملنا مع مصر فوطننا اهم ولتذهب مصر السيسي إلى الخراب” وأتبعها آل الشيخ بتغريدة أكثر شذوذاً يقول فيها: “كنّا مع السيسي لان الأخونج والسلفيين المتأخونين أعداء لنا وله، اما وقد ادار لنا ظهر المجن في قروزني وقابلنا بالنكران فليواجه مصيره منفردا”. بالتغريدتين التي أطلقها آل الشيخ عبثاً ضد مصر ورموزها السياسية والدينية بسبب مؤتمر هامشي حدث في “غروزني”، زاد الطين بلة من حيث يدري أو لا يدري الكاتب وكأنه يقول مقولة جورج بوش “الإبن” الغبي : “من ليس معنا فهو ضدنا”، وبهاتين التغريديتين يساعد آل الشيخ في زيادة مؤامرة العزلة على السعودية والتي طالما يشتكي منها آل الشيخ. فإذا كانت السعودية يراد لها أن تعزل عن محيطها العربي في اليمن، والخليج، والعراق، وسوريا، ولبنان، فهل يضيف لها آل الشيخ مصر العروبة، بتغريدات عبثية؟

 

المسألة الرابعة: لم يقتصر هجوم الكاتب الجدلي محمد آل الشيخ على تفنيد سياسي، بل تطاول على مؤسسة دينية عريقة وشيخها الوسطي الحكيم المعتدل الدكتور أحمد الطيب، وكأن الكاتب يحاول تأجيج العزلة الدينية للسعودية في وقت تتزايد فيه محاولات العزل وإتهام “الوهابية” في مشارق الأرض ومغاربها. نسي الكاتب الجدلي محمد بن عبداللطيف آل الشيخ أنه ذاته ينتمي إلى عائلة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله، وأنه غير مقبول منه التطاول على الآخرين في النواحي الدينية لأن ذلك سيزيد من حمى الهجمات على السعودية. في المقابل، يعتبر البعض أن كتابات آل الشيخ ضد التطرف والتكفير ومواجهته “الأخونج” كما يسميهم على الدوام، هو نقد ذاتي محمود يحقق نوع من التوازن بين الإتهامات الموجهة للمؤسسة الدينية وبين رأي فيه نقد أو جلد ذاتي من داخل “الوهابية”. فالكاتب الجدلي محمد آل الشيخ يقول في تغريدة : “حينما تضع نفسك وكيلا عن الله جل شأنه في الأرض فتكفر هذا وتزندق ذاك لأنه يختلف معك فأنت تعطيه الفرصة لان يفعل ذات الفعل تجاهك”. ونحن نتفق تماماً، ونقول للكاتب آل الشيخ: يا أيها الرجل المعلم غيره ** هلاّ لنفسك كان ذَا التعليم.

 

المسألة الخامسة: لدينا هنا طالب علم ديني مثل د. عائض القرني ركب موجة السياسة في السابق إبان حرب الخليج الأولى وأخضعها ومن معه لتخريجاتهم الدينية، واليوم يعاود الكرة ويخرج دولة بأكملها وشعبها الذي يفوق (80) مليون نسمة من الرسالة المحمدية. يكرر ذلك الشيخ القرني، بعد ربع قرن من محاولة سابقة كان الظن بأنه تعلم منها وعقلها، لكنه يعود ليتمسح بالسياسة “القذرة” فيصب الزيت على النار. ولدينا طالب صحفي مثل محمد آل الشيخ يخلط السياسة بالدِين ويلبس إسماً دينياً منحه شيء من الوجاهة والحصانة فلم يعطيها قدرها، ثم يزيد الطين بلة بالهجوم على دولة عربية كبرى هي ما تبقى للسعودية ناصراً ومعيناً بعد الله سبحانه. كلا الإثنين إنساقوا خلف قضايا سياسية لا يدركون حساسيتها وتوقيتها ظناً منهم أنهم يدافعون عن السعودية وأنهم ينتهجون أفضل السبل للذود عن حياض الوطن و يحسبون أنهم يحسنون صنعا. لو أي منهم فكّر قليلاً قبل أن تأخذه العاطفة أو الحميَّة أو العصبية، وتأمل التأليب على السعودية من الولايات المتحدة، وبريطانيا، والإتحاد الأوروبي، وروسيا، وتركيا، وإيران، والعراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، لما كتب التغريدات، ولقال خيراً يجمع ولا يفرق، ويحبب ولا يكرّه، أو صمت.

 

المسألة السادسة: ليس أخطر على السياسة من حشر الدين في ثناياها لسبب بسيط وهو أن الخصومة السياسية لها حساباتها التي لا يدركها رجل الدين بعفويته ومثاليته، لكن عندما يركب رجل الدين السياسة يصبح لا مكان لرجل السياسة في المعادلة، وهذا ما يجب الحذر منه. الخصومة بين السعودية وإيران هي سياسية بإمتياز، وستؤول إلى الحل عاجلاً أو آجلاً بدهاء وفن الساسة، أما فتح نافذة في العلاقات الدولية يدخل منها الديني فذلك يعقد ويصعّب المفاتيح على السياسي. كما أن حشر طالب العلم الديني نفسه في السياسة هو هدر لوقار العلم الشرعي الذي يستند ويتكيء عليه لتبليغ رسالته الإيمانية. وخصوصا، كطالب علم من أمثال الشيخ د. عائض القرني الذي يتابعه أكثر من (14) مليون، فيهم العالم والمثقف والأمي والجاهل، ولا يعلم القرني كيف تُفهم تغريدته أو كيف يتفاعل معها الأتباع. وهنا تكمن المعضلة. أما الكاتب الجدلي محمد آل الشيخ فشخصه ورأيه ليس بذات أهمية سياسية أو ثقافية أو إجتماعية، إلا أنه يُستشهد بأرائه أما ضد عائلته الكريمة التي لها مكانة لدى الدولة والمجتمع في السعودية، أو “الوهابية” التي بات يلوكها الإعلام الغربي والعربي زوراً وبهتاناً، لكنه الكاتب آل الشيخ يضرب بكل تلك المحاذير والمعايير عرض الحائط.

 

المسألة السابعة: الموقف السياسي للسعودية اليوم حرج وحساس ويجب على الدولة أن تمنع بداية كل من هو محسوب على الفضاء الديني من إختطاف السياسة لأن في ذلك فوضى تؤدي إلى فتنة تخرج الأمر عن القيادة والسيطرة. السعودية دولة قوية ومدنية ومستقلة وذات سيادة، تقوم بواجباتها ومسئولياتها حسب ما تمليه مصالحها وعلاقاتها الدولية وترفض تسييس الشعائر والمشاعر الدينية، ونجاح حج هذا العام جاء بتوفيق من الله سبحانه ثم بجهود ولاة الأمر وكافة أجهزة الدولة التي تتفانى في كل عام لكي يكون الحج وتنظيمه أفضل من سابقه. أما إيران فهي دولة جارة وشقيقة ومن أبرز الدول الإسلامية مهما بلغت خصومتها السياسية مع السعودية فلا يخرجها ذلك من الملة ولا يخرجها سقطة طالب علم في تغريدة الشيخ د. عائض القرني. أما أرض الكنانة مصر، أرض العروبة ورئيسها وحكومتها وأزهرها الشريف، أقدم وأكبر مؤسسة إسلامية في العالم والشيخ د. أحمد الطيب الشيخ الفاضل، فلن يبعدهم عن السعودية تغريدة كاتب جدلي مثل محمد آل الشيخ، الذي يأخذ المجتمع السعودي أرائه بقليل من الملح. ختاماً، الفتن يؤججها رجال الدين عندما يدسون أنوفهم في السياسة، والمحن تؤكدها الصحافة عندما يهرف بعض الكتاب بما لا يعرفون. نعوذ بالله من الفتن والمحن، حفظ الله الوطن.

 

كاتب سعودي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst

التعليقات