كتاب 11
ظريف إيران وتدمير الأقليات
كتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ضمن جهوده المتواصلة للهجوم على السعودية، مقال نشرته النيويورك تايمز يوم أمس الثلاثاء 13 سبتمبر 2016 بعنوان “دعونا نتخلص من عالم الوهابية”، يزخر المقال بالمغالطات ومحاولة صرف العقلية الغربية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص في ذكرى أحداث سبتمبر عن ممارسات السياسة الإيرانية في المنطقة التي تهدف إلى تقويض النظام وإشاعة الفوضى في الدول العربية المجاورة حتى لو أدى إلى تدمير الأقليات الشيعية. مقال وزير الخارجية الإيراني طائفي وعنصري بإمتياز بدءاً من العنوان ومروراً بفقرات مليئة بكثير من الإفتراءات التي يعرف ظريف أنها غير صحيحة لكنها تحاكي صورة نمطية إستقرت في ذهن المجتمع الأمريكي لتسويق الحرب على الإرهاب عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. والهدف الأهم لمقال ظريف في هذا التوقيت هو إستغلال صدور مشروع قانون “العدالة” لزرع “أدلة ظرفيه” في الذهنية الأمريكية علها تنتقم لإيران من السعودية.
مصطلح “الوهابية” الذي لاكته ألسن الإعلام الغربي لا يعدو كونه عذر لإستهداف السعودية بشكل غير مباشر. وبالرغم من الفارق الكبير بين النسخة والممارسة لما سمي “الوهابية” في القرن الثامن عشر، والنسخة والممارسة السعودية الحديثة في القرن الحادي والعشرون (اليوم)، يتضح لأي باحث محايد من دون أدنى عناء أن يكتشف إنعدام العلاقة بين النسختين والممارسة، إلا في أذهان أعداء السعودية. الرابط في نظر بعض من يزيّف الحقائق هو وجود أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، مقربون اليوم من المؤسسة الدينية والسياسية في السعودية. أما مايحاول ظريف وغيره من الإستدلال به من بعض الأحكام التي يعتنقها جماعات دينية إسلامية متطرفة فهذا تحميل مالا يحتمل للسعودية بأنها تدعم الإرهاب فكرياً من خلال مساعدتها في إنشاء مدارس ومساجد في مناطق مختلفة من العالم.
الإنحياز الإعلامي الغربي والأمريكي، بصفة خاصة، في الفترة 2012 -2015 لتسويق الإتفاق النووي (5+1)، إستثمرته إيران وإستفاد منه وزير الخارجية الإيراني وبعض المثقفين والخبراء من إيران بعد الإتفاق لتمرير وجهات نظرهم وتحقيق إختراق للمجتمعات الغربية لكسر العزلة التي عاشتها إيران خلال العقوبات. لكن تغير المزاج السياسي في المجتمعات الغربية نحو اليمين مؤخراً سينعكس سلباً على المساعي الإيرانية المؤقتة لتشويه صورة السعودية. كما أن محاولات الخارجية الإيرانية بقيادة محمد جواد ظريف لن تفلح كثيراً وطويلاً في صرف أنظار الشعب الإيراني عن التنمية المنتظرة لقرابة أربعة عقود. يضاف إلى ذلك أن الإنفتاح المؤقت لإيران على روسيا سيجعل منها رأس حربة في صراع قطبي بين القوتين العظميين. وتبقى حقيقة لم تدركها الخارجية الإيرانية، وهو أن الظن الإيراني حول النجاح في توسيع المجال الحيوي في الدول العربية لا يعدو أن يكون باهتاً ومؤقت.
إستعداء محمد جواد ظريف للسعودية وإتهامها بقضايا دعم العنف والإرهاب في العالم مرافعة باتت ممجوجة ومرفوضة من كل الدول تقريباً، ماعدا بعض الدول التي تستخدم مرافعة وزير الخارجية الإيراني للتهويل والإبتزاز. فإذا كانت الولايات المتحدة تُمارس إبتزازها المالي بإصدار قانون “العدالة” قبل أيام، فإن وزير الخارجية الإيراني يحاول أن يفعل الشيء ذاته للإبتزاز السياسي في قضايا حيوية تعني بها السعودية في المنطقة. المهم، أن ظريف يعلم قبل غيره أن مرافعته أمام العالم الأمريكي لن تنجح في تحقيق أي هدف في العالم العربي الذي تسعى إيران إلى إختراقه بوسائل شتى أبسطها يتنافى مع أهم المباديء التي يقوم عليها المجتمع الدولي وهو مبدأ التعايش السلمي.
يعيش في الدول العربية المحاذية لإيران ملايين الأخوة من الطائفة الشيعية كانوا في وئام وسلام مع أخوانهم من الطوائف الأخرى وخصوصاً السنة الذين يشكلون الغالبية العظمى ليس في الدول المجاورة لإيران بل في العالم أجمع. ولذا فإن الأخوة الشيعة يشكلون أقليات في معظم الدول العربية. هنا يأتي الدور المدمر في السياسة الإيرانية في المنطقة، وخصوصاً بعد الإحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 وذلك بمحاولة إستغلال تلك الأقليات كرأس حربة لتنفيذ أجندة سياسية بحتة لصالح إيران. زاد الأمر سوءاً بعد العام 2011 لسببين: (1) إنسحاب القوات الأمريكية المحتلة من العراق؛ (2) الفوضى التي خلفها “الربيع العربي” في كثير من الدول والمجتمعات العربية.
أتاح إنسحاب أمريكا من العراق وتعديل الدستور العراقي أن تزرع إيران الكثير من الأحقاد والكراهية لدى الطائفة الشيعية في العراق ضد أشقائهم وأخوانهم من السنة حتى بات العراق مسرحاً للفوضى والدمار والقتل والكراهية. كما لعبت إيران على وتر الأقلية/الأغلبية في كافة الدول العربية الشرق أوسطية: لبنان، سوريا، دول الخليج، اليمن، مما ينذر بفوضى وشقاق داخلي في تلك الدول. لم تساعد إيران العراق، الذي أمسى تحت النفوذ الإيراني، لخلق نموذجاً يحتذى من حسن الإدارة والتسامح والتعايش، بل على العكس من ذلك ألهبت الصراعات المذهبية والطائفية والعرقية. هنا يكمن التساؤل: هل بلغ الحقد والكراهية بإيران، أو حسب رأي البعض الإنتقام، لكي تحيل المنطقة كلها إلى ركام أسوة بما يحصل في العراق؟
دعوة وزير الخارجية الإيراني بالتخلص من عالم الوهابية، هي دعوة مبطنة للتخلص من السعودية، وهذا فيه الكثير من مباديء “النازية”، وقليل من مبادئ الإنسانية في التعايش السلمي. السعودية دولة مدنية حديثة ترفض التطرف بكل أشكاله وألوانه، وقد عانت السعودية من الأرهاب أكثر من إيران وحاربته ولا زالت. كما أن العنف السياسي في المجتمعات ليس بحاجة إلى دين أو طائفة أو مذهب لكي ينمو وينتشر، وإلا ماذا نسمي العنف السياسي (الإرهاب) الذي ضرب أوروبا في شمال إيرلندا من الجيش الجمهوري الإيرلندي، على سبيل المثال، أو منظمة إيتا الأسبانية، أو منظمة الألوية الحمراء في إيطاليا؟ أغلب الظن، أن محمد جواد ظريف يريد أن يمهد بأطروحته المنتهية الصلاحية لمزيد من الفوضى والكراهية بين المكونات الشيعية والسنية في الدول العربية لمزيد من التدمير على طريقة “لم أمر بها لكنها لم تسؤني”.
اللعب على وتر الأقلية ضد الأغلبية، ووتر المظلومية التي إستحكمت لدى فئات قليلة من أخواننا الشيعة في بعض الدول العربية هو مشروع تدمير للسلم الأهلي لتلك الأقليات في دولهم ومجتمعاتهم. وإذا كان محمد جواد ظريف جاد وصادق في دعوته ومرافعته فليثبت للأقليات الشيعية في العالم العربي حسن الإدارة والتعايش والتسامح في العراق الذي تحكمه الطائفة الشيعية بحسب الدستور، وتتنفذ فيه إيران خارج الدستور. فإذا إستطاعت إيران أن تلعب ورقتها وتثبت في العراق ما تأمل تحقيقه في سائر الدول العربية التي تسعى إلى توسيع مجالها الحيوي فيه، عندها يمكن لنا أن نتفق مع وزير الخارجية الإيراني. أما أن تقبل السعودية أو الدول العربية الأخرى أن تتحول مجتمعاتها إلى عراق جديد، فهذا من المستحيلات السياسية.
أخيراً، يجدر بوزير الخارجية الإيراني أن يطور من لغته ويحسن من لهجته تجاه السعودية، فمستقبل إيران لن يكون إلا عبر البوابة السعودية، الدولة الأقوى والأعظم تأثيراً والأكثر تسامحاً مع الشعب الإيراني. اللعب على وتر المذهبية والطائفية والأقلية والأغلبية والمظلومية في السياسة والممارسة الإيرانية لن يفضي إلى طريق السلم الإجتماعي والتعايش السلمي. فلتنتهج إيران ماتريد من معتقد ديني أو أيديولوجي، وكذلك السعودية والدول العربية الأخرى، “لا إكراه في الدين”، ولتلتقي إيران مع السعودية على صفيح سياسي نظيف يحقق المصلحة لكلا البلدين والشعبين. ختاماً، أخطأت محاولة محمد جواد ظريف في مقاله العنصري والمذهبي والطائفي التي أشبه ما تكون بالمحاولات النازية لتصفية الخصوم عبر وسائل مختلفة، والمثل العربي يقول “مَاهكَذَا تورد الإبل” ياظريف. حفظ الله الوطن.
كاتب، ومحلل إستراتيجي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst