كتاب 11

01:16 مساءً EET

حكاية وادي الذهب

في مارس (آذار) 1999؛ وعلى بعد 6 كيلومترات من مدينة الباويطي – عاصمة الواحات البحرية بمصر – قمت بالكشف عن وادي المومياوات الذهبية. وخلال موسم الحفائر الأول أزحت الرمال عن أكثر من مائة مومياء كاملة؛ حيث لم يسبق من قبل أن يتم الكشف عن هذا العدد الكبير من المومياوات وفى حالة جيدة من الحفظ في مصر. تؤرخ المومياوات بالعصر اليوناني الروماني؛ وقد أظهرت لنا نماذج وطرزًا مختلفة من الفن وتمثيلاً لكل الطبقات الاجتماعية التي عاشت في هذا العصر. وقد غطيت بعض المومياوات بطبقة من الذهب من الرأس وحتى منطقة الصدر؛ الأمر الذي يعكس مدى ثراء أصحابها. ويذكرنا كشف المومياوات الذهبية باكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون».
تم تقدير المساحة الكلية للوادي الذهبي بنحو أربعة أميال مربعة، وقدر ما به من مومياوات بعشرة آلاف مومياء؛ تحتاج أعمال الحفائر لكي تنجز كلها إلى خمسين عامًا.
حظيت المومياوات المكتشفة ذات الوجوه المذهبة بشهرة عالمية واسعة؛ احتلت صورها أغلفة أشهر المجلات في أوروبا وأميركا واليابان. كما خُصصت لهذا الكشف أعداد خاصة من جميع المجلات المتخصصة في مجال الآثار، التي تصدر في الولايات المتحدة وأوروبا، كذلك تصدرت أخبار الكشف الصفحات الأولى في الجرائد والمجلات العالمية.
تعطي المومياوات إحساسًا بالرهبة عند رؤيتها، ربما لأنها تتعلق وتتصل بالعالم الآخر؛ ذلك العالم البعيد والغامض على الأحياء. وبالنسبة لي فالأمر يختلف تمامًا، فقد عملت في منطقة الأهرامات لأكثر من عشرين عامًا، أنجزت خلالها الكثير من الاكتشافات المهمة، مثل اكتشاف جبانة «بناة الأهرام» جنوب شرقي أبي الهول، وكذلك بعض مقابر النبلاء بالجبانة الغربية بهضبة الجيزة، والهرم الصغير المجاور للهرم الأكبر، بالإضافة إلى اكتشافات مهمة بجوار هرم الملك «تتي» بسقارة. ولكن الآن عندما أقوم بإلقاء محاضرة، فالناس تريد أن تسمع فقط عن المومياوات الذهبية وعن مومياء توت عنخ أمون وأفراد عائلته. وفى الحقيقة فإن للمومياوات سحرًا وغموضًا مثيرًا وسيظل.
والحقيقة أنه قبل هذا الكشف في الواحات البحرية لم تكن دراسة المومياوات من ضمن مجالات اهتمامي أو من تخصصي، كما كانت لا تستهويني دراسة الآثار اليونانية الرومانية مع أنني في الأصل خريج قسم الآثار اليونانية الرومانية بجامعة الإسكندرية! ولعل السبب أن الآثار الفرعونية استحوذت على تفكيري تمامًا فأحببت عملي في منطقة الأهرامات بدرجة كبيرة، وخصوصًا عندما قمت باكتشاف جبانة «العمال بناة الأهرام» التي ألقت الضوء على حياة الأشخاص العاديين في مصر القديمة؛ العمال والفنانين والمهندسين والإداريين، بعد أن كانت معظم معلوماتنا عن المصريين القدماء نستمدها من الملكية في مصر القديمة أو من مقابر النبلاء وعلية القوم، وكان ينقصنا الكثير عن حياة الأفراد العاديين.
تعد المومياوات الذهبية المكتشفة بالواحات البحرية على درجة كبيرة من الأهمية، فهي ليست فقط مجرد مومياوات جميلة، وهي على الرغم من سكونها العميق والأبدي، فإنها ساعدتنا في الإجابة عن كثير من الأسئلة التي تدور حول تاريخ الواحات وأوضاعها السياسية والاقتصادية؛ ومظاهر الحياة اليومية لسكان الواحات البحرية خلال العصور القديمة المختلفة.
لا تزال الواحات البحرية منطقة بكرًا فيها كثير من المواقع الأثرية التي تحوي مقابر، ومعابد، وقلاعًا وحصونًا تمتد من عصر ما قبل الأسرة الثامنة عشرة وحتى العصور اليونانية والرومانية والقبطية، وكثير من تلك المواقع قد سبق كشفها بواسطة الأثريين الأوائل، إلا أن أغلبها لم يتم الكشف عنه بعد. لقد أثبتت الواحات البحرية بفضل الكشف عن وادي المومياوات الذهبية أنها من أغنى مواقع الآثار في مصر.

التعليقات