كتاب 11
شعرة «معاوية» و«باروكة» حسن نصر الله
هناك قصة تروى في الأثر أن أعرابيا سأل معاوية بن أبي سفيان كيف حكمت الشام
أربعين سنة ولم تحدث فتنة والدنيا تغلي؟ فقال: «إني لا أضع سيفي حين يكفي
سوطي، ولا أضع سوطي حين يكفي لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت
كانوا إذا مدوها أرخيتها وإذا أرخوها مددتها»، وعرفت هذه المسألة كقاعدة
أساسية في السياسة يشار إليها دومًا بشعرة معاوية، وهي من الإبقاء على
الحدود الدنيا من العلاقات مع الأصدقاء والخصوم على حد سواء.
تذكرت هذه القاعدة وأنا استمع إلى خطاب حسن نصر الله زعيم التنظيم الإرهابي
في لبنان والمعروف باسم ميليشيات حزب الله، الذي شهد فيه «تحولات» رمزية
ومباشرة واضحة جدًا، فهو الذي اعتاد على توجيه الاتهامات والنقد الحاد جدًا
ضد تركيا واتهامها المستمر والمتواصل بأنها دولة راعية للإرهاب، ولكنه وبعد
زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ولقائه الدافئ بنظيرة التركي، جاءت
على ما يبدو الأوامر الصريحة من طهران لعميلها الصغير في الضاحية الجنوبية
بالكف عن انتقاد تركيا وذكرها بأي شيء سلبي، وطبعًا لم يكن أمامه أي خيار
سوى الانصياع التام وتنفيذ ما يؤمر به.
لم يكتفِ حسن نصر الله بهذا القدر من التحول، ولكنه توجه إلى رفاق دربه في
عوالم الإرهاب ووجه نداء إلى زعامات «القاعدة» و«داعش» في سوريا بالهدنة
والتوافق على إبقاء الوضع على ما هو عليه جغرافيًا. إرهابي يفاوض إرهابيًا
علنًا وعلى الهواء.. حسن نصر الميكيافيللي الوصولي بأي ثمن، يدرك أنه لا بد
أن يقدم «حلاً» أمام سلسلة الغضب الشعبي المتزايد في أواسط ضحايا تنظيم حزب
الله الإرهابي الذين لا يعرفون لماذا يموت شبابهم؟ وما دواعي هذه الحرب
التي يخوضونها؟ وخصوصًا أن حسن نصر الله قدم لهم أكثر من سبب؛ مرة كان يقول
لهم ذاهبون هناك لحماية المزارات المقدسة، ومرة أخرى لحماية الجالية
اللبنانية في سوريا، وبعدها لحماية نظام الممانعة، وبعدها لمحاربة
التكفيريين، وكل مرة يلقي خطابًا كان بعدها تأتي أرتال من التوابيت المغطاة
بأعلام تنظيم حزب الله الإرهابي الصفراء، فتقام مجالس العزاء ويبدأ النحيب
والعويل، وسرعان ما يخرج أحد المحسوبين على الدائرة الإعلامية الخاصة للحزب
ليصيح بأعلى صوته في مجلس العزاء: «كلنا فداء لصرماية السيد»، وطبعًا حذاء
حسن نصر الله لم يعد له قيمة تذكر وسط أرتال الموتى الآتية بشكل يومي من
سوريا، وهذا هو طبعًا الذي اضطر حسن نصر الله ليقدم العرض المفلس
لـ«القاعدة» و«داعش» ويثير سخرية أعدائه وأنصاره وتحفظهم، ولكنه مشهد جديد
لاستمرارية سقوط حسن نصر الله المتواصل في كل مرة أسوأ من التي كانت قبلها.
إنه إفلاس تام.. معركة حلب كانت بمثابة «كف» محترم لميليشيا حزب الله
الإرهابي والارتباك كان واضحًا على زعيم التنظيم وهو يلقي خطابًا لا يظهر فيه
سوى تلعثمه وعرقه.
إذا كانت هناك أي ميزة لأحداث سوريا فهي أنها فضحت أشكالاً من نوعية حسن نصر
الله كان من المعيب والمخجل والعار أن تبقى بيننا وتعامل باحترام.