كتاب 11

11:52 صباحًا EET

النفط والديناصور!

يتذكر كثيرون شركة «كوداك» الأميركية، التي كانت رمزًا لصناعة الكاميرات والأفلام وكل ما له علاقة بالتصوير وأدواته المختلفة، وكذلك اسم شركة «نوكيا» الفنلندية التي كانت رائدة الهواتف الجوالة حول العالم بلا أي منازع. هاتان الشركتان تحولتا من مثال رائع ومميز ومبهر للنجاح والتألق إلى ما يبدو أنه أيقونة للفشل وعدم القدرة على قراءة اتجاهات الرياح المصاحبة للتغيير.
«كوداك» لم تستطع أن تتأنى وتتوقف لتعي أن نمط التصوير تغير وأصبح الهاتف الجوال كاميرا المستقبل، وانتهى دور الأفلام واستمرت في المكابرة حتى فاتها القطار، وأصبحت الشركات المصنِّعة للهواتف الجوالة هي التي تتصدر مشهد الكاميرا والتصوير، وأفلست «كوداك» وخرجت من السوق تمامًا. أما «نوكيا» فلها قصة لا تقل إثارة؛ فلقد كانت رائدة صناعة الهاتف الجوال التقليدي، ولم تأخذ دخول شركة «آبل» بهاتف ذكي جديد هو «آيفون»، الذي وعدت بأنه سيمكن المستخدم من أن يكون لديه الهاتف الذكي الذي يخلصه من سطوة شركة الاتصالات واعتماده على ما تقدمه من خدمات. وأنكرت «نوكيا» هذا التوجه، واستهزأت بدخول صانع حواسيب وكومبيوتر إلى سوق هواتف جوالة لا يعرف شيئًا عنها، والكل يعرف ما الذي حصل بعدها. أصبح «آيفون» نجمًا ناجحًا وقلده الكثيرون من بعدها ليكون الهاتف هو المعيار الذي تقاس به نجاحات هذا النوع من المنتجات، ولحقت «نوكيا» بشركة «كوداك»، وأصبحت الاثنتان في مصير الديناصورات بعد انقراضها.
المكابرة والامتناع عن قراءة رياح التغيير، وإدراك أن هناك إعادة تمركز وإعادة هيكلة للسوق والقائمين عليها، ستكون نتائجها واضحة جدًا، وتحديدًا نتائج مخيفة. لعل الشركات المهددة بهذا المصير اليوم هي شركات النفط العملاقة حول العالم، فهي غير قادرة على قراءة المتغيرات الحاصلة في عالم الطاقة البديلة وقوانين المحافظة على البيئة، وهي منغمسة تمامًا في أهداف قصيرة الأجل، كلها تصب في رفع مستوى الكميات المنتجة من الآبار الحالية والتنقيب عن النفط في أماكن جديدة حول العالم.
من المهم التذكر بأن أهم تحدٍّ يواجه صناعة النفط اليوم هو أن ينضب النفط اقتصاديًا، قبل أن ينضب طبيعيًا، فالفحم الذي كان المصدر الأساسي للطاقة في يوم من الأيام لا يزال يُنتج، ويتم استخدامه، ولكنه انقرض اقتصاديًا مع استمرار وجوده الطبيعي، وهذا هو المصير المرجح للنفط مع اتساع رقعة استخدام الطاقات البديلة كالشمسية والهوائية والذرية وغيرها، وكذلك زيادة الهجمات التشريعية المناصرة للبيئة، التي بالتدريج ستتمكن من تحريم استخدام النفط باعتباره طاقة ملوثة وضارة تمامًا، مثلما يحصل مع التبغ والسجائر.
هناك اتجاه قوي وواضح الملامح لإعادة هندسة صناعة النفط لتصبح صناعة طاقة بلا نفط، ونحن الآن في خضم الحالة الانتقالية، وشركات النفط أمام التحدي الأعظم؛ إما أن تلقى مصير الديناصورات و«نوكيا» و«كوداك»، أو تقرأ ما يحدث جيدًا وتستعد للتحول والتغيير بلا مكابرة ولا إنكار.

التعليقات