كتاب 11
سوريـا والسعـودية: كـابوس الرحيل
ليس هناك أسوأ من سيناريو رحيل الرئيس بشار الأسد عن الحكم في سوريا، سواء كان ذلك الرحيل “طوعاً أو كرهاً”، وبالحل السياسي أو العسكري. رحيل الرئيس يعني أن تتولى الدول الداعمة والمطالبة برحيل الرئيس السوري، مسئولية إدارة البلاد السورية والنزاع الحاصل في وعلى أراضيها من الداخل والخارج. كما ستتولى تلك الدول “كرهاً” لا طوعاً ضبط إدارة البلاد، وتنظيف البلاد السورية من أكثر من (١٠٠) تنظيم مسلح، وإعادة المشردين والنازحين إلى ديارهم، وغربلة أو حل حزب البعث، وإعادة تأهيل الجيش، وهيكلة المؤسسات، وإعادة صياغة الدستور، وإجراء إنتخابات، وفوق ذلك كله إعمار المدن السورية. ونجزم بأنه لو أراد الرئيس بشار الأسد ضرراً بالغاً بالدول التي تطالب برحيله، لترك الحكم وترك سوريا بكل تعقيدات مشاكلها ورحل.
وصلت الأزمة في سوريا إلى حد معقد فاق قدرة القوى العظمى على إدارتها، وباتت تلك القوى تدرك أن رحيل الرئيس السوري لم يعد خياراً، بل على العكس تماماً، إذ أصبح بقاء الرئيس السوري هو الحل الوحيد حتى لو إضطرت تلك القوى العظمى لمساعدته بشكل مباشر أو غير مباشر. رحيل الرئيس يعني تفكك البلاد السورية ونشوب حرب أهلية بين تنظيمات ومجموعات غير معروفة الأهداف والتوجهات. كما يعني رحيل الرئيس السوري، إعادة السيناريو العراقي، لكن بشكل مضاعف عشرات المرات، مما يعني إلتهاب كل ما حول سوريا: تركيا، ولبنان، والعراق، والأردن، والأهم بالنسبة للقوى العظمى، إسرائيل.
تتشابك في سوريا وحولها مصالح الولايات المتحدة، وروسيا، وأوروبا، وتركيا، وإيران، وإسرائيل، والعراق، ولبنان، والأردن، ومصر، والخليج، ويشمل ذلك التشابك المعقد المصالح: الإستراتيجية، والسياسية، والجيوسياسية، والعسكرية، والإقتصادية والديموغرافية، والثقافية، والإنسانية. ونجزم بأن التنظيمات الأرهابية المعروف منها والمجهول، يتبع ويأتمر بشكل أو بآخر لإستخبارات دولة وأكثر من الدول السالفة الذكر. رحيل الرئيس بشار الأسد يعني إنفراط عقد الدولة السورية مما يولِّد إنفجار سياسي له إرتدادات يحجم كثير من خبراء الإستراتيجية مجرد التفكير فيه أو تصوره. ولذا، أصبحت مراكز التفكير والدراسات الإستراتيجية تعقلن أبحاثها بمجرد رؤية مشهد بسيط من كابوس رحيل الأسد.
يرحل الرئيس بشكل أو بآخر، ثم ماذا؟ نجزم بأنه لا يوجد سيناريو مكتمل ومحكم لما بعد رحيل الرئيس السوري. لكننا سنطرح هنا سيناريو مابعد رحيل الرئيس بشار الأسد، بالرغم من إستحالته، على فرضية أن الرئيس الأسد رحل أمس: ستجتمع القوى العظمى مع الدول الكبرى الإقليمية لإختيار إدارة جديدة “مناسبة” من ما يسمى “المعارضة”، مع كل ما يتبع ذلك من خطوات في شكل الحكومة، والدستور، والإنتخابات، والمحافظة على الأقليات والتنوع العرقي والديني، حسناً. سيصار إلى حل حزب البعث، وإعادة هيكلة الجيش العربي السوري (بمعنى حله تقريباً)، وسنفترض أن المجموعات والتنظيمات المسلحة تلاشت أو تم التفاهم معها؛ وتم إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وقوننتها وتنقيتها من بقايا النظام القديم. هنا ستدخل إيران وتركيا والأكراد على الخط، لكننا سنفترض أنه تم إرضاءهم بشكل أو بآخر. ستتحرك إسرائيل سراً أو علناً للإحتفاظ بالجولان أو عمل ترتيبات أمنية لصالحها، جراء صمتها وعدم تدخلها بشكل مباشر.
يتبقى إعمار سوريا. من سيتحمل كلفة فاتورة الإعمار، وإعادة اللاجئين والمشردين والنازحين في الداخل والخارج السوري؟ إذ تقدر فاتورة الإعمار بمبلغ (٢) تريليون دولار. لا تستطيع أوروبا أو الولايات المتحدة أو ما سمي أصدقاء “الشعب السوري” دفع أكثر من (١٠٪) من مبلغ إعادة الإعمار على مدى عقد من الزمان. هنا ستقع دول الخليج في مأزق كبير لسببين: (١) أنه ينظر إليها من العالم أجمع على أنها “صندوق الصناديق” لتمويل كافة حروب وأزمات العالم؛ (٢) لأن دول الخليج وفي مقدمتها السعودية الأعلى صوتاً في المطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد. هنا سيقف حمار شيوخ الخليج والنفط في العقبة.
أخيراً، رحيل الرئيس بشار الأسد، أمر ليس في مصلحة الجميع، سواء للذين هم معه أو ضده. ولذا يتوجب على دول الخليج، وفي مقدمتهم السعودية أن تحسب حساب مئالات رحيل الأسد وما سينتج عنه من تعقيدات، لأنها – أي السعودية – ستكون المتضرر الأكبر سياسياً وإقتصادياً وأمنياً. إذ أن السعودية هي الدولة المرشحة التالية للفوضى “الخلاقة”، بعد العراق ومصر وسوريا، كما جادلنا في مقال سابق. لا يمكن الركون إلى القوى العظمى ذات السياسة المزدوجة والخبيثة والماكرة، ولا يمكن الإعتماد على القوى الإقليمية في تحمل العبء. سيناريو رحيل الرئيس بشار الأسد كابوس يؤرق كل من هم في سنة أولى سياسة. ختاماً، لا يكفي لعشاق الطيران أن يتعلموا كيفية الإقلاع بالطائرة فقط، بل يجب عليهم تعلم كيفية الهبوط بسلام. حفظ الله الوطن.
كاتب سعودي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst