كتاب 11
الأيديولوجية الوهابية بين الأخونة والتخوين: التويجـري أنموذجـاً
إرتكب الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري، الذي يشغل، للأسف، منصب مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، جريمة يعاقب عليها القانون بعد تغريدة تخوينية لكاتب هذه السطور. تقول بالنص: “ليس هناك أدنى شك في كونه منحازا إلى أعداء بلاده فمقالاته دليل على ذلك.” هذه تهمة خطيرة ومن الجرائم المعلوماتية ويعاقب عليها القانون في السعودية، لكن هذا مبحث آخر. المزايدة في الدين والوطنية ظاهرة وثقافة يعتنقها أصحاب الأيديولوجية “الوهابية” في السعودية، تتعاظم لحد التخوين.
التخوين هو أسلوب الفاشل، وتتخذه جماعات الإسلام السياسي ضد كل من يختلف معها أو لا يسير على نهجها. فالذين يحملون ثقافة “الأيديولوجية الوهابية” في السعودية يشتركون مع جماعة “الأخوان” الإرهابية في ثلاث درجات من التخوين: (١) خيانة الدين؛ (٢) خيانة “الأمة”؛ (٣) خيانة الجماعة”. لكنهم في السعودية يضيفون درجة رابعة، وهي “خيانة الوطن”، لكل من هو ليس على شاكلتهم، لأن جماعات الإسلام السياسي وفي مقدمتهم “الأخوان”، لا يعترفون بالوطن مطلقاً. هذه الأربع درجات من التخوين، إن أفلت المرء من واحدة لم ينجو من الأخرى، ويؤدي أياً منها، أو كلها بالطبع، إلى الإقصاء ثم التكفير، والتكفير يقود، بالضرورة، إلى القتل، وهو الإرهاب الذي يعاني منه العالم اليوم.
منعاً للإلتباس، نطرح أمرين: (١) أن لا علاقة للأيديولوجية “الوهابية” موضوع مقالنا هذا، بما يدور هذه الأيام من حملات لمحاولة النيل من الوهابية، أو الشيخ محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله، وحركته الإصلاحية، فذلك جدل مختلف، “تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ”؛ كما أن لا علاقة للأيديولوجية “الوهابية” بالتصنيفات المحتدمة هذه الأيام حول “الجامية” أو “السرورية” أو غير ذلك؛ (٢) أن التويجري، الذي نتحدث عنه هنا، ليس الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري، رحمه الله رحمة واسعة، المثقف، والمنفتح، ورجل الدولة، وصاحب المواقف الوطنية والعروبية، التي يشهد لها التاريخ المعاصر، كما أنه ليس من أحد أبناءه البررة الذين يخدمون الوطن في مواقع شتى. ضيف مقالنا هذا، هو شقيق أحمد بن عثمان التويجري الذي دافع دفاع المستميت عن تجريم جماعة “الأخوان” وتصنيفهم منظمة إرهابية.
لكن ماهي “الأيديولوجية الوهابية”؟ هي بإختصار، ثقافة تمزج بين ثالوث: “الديني والسياسي والمجتمعي”، وهي خاصة بالسعودية، ويعتنقها بعض أفراد من عوائل في حاضرة نجد فقط. بمعنى آخر، الحامل لهذه الأيديولوجية يقول: “أِنّا” على المنهج الديني الحق؛ “إِنّا” الأقرب للسلطة السياسية؛ “إِنّا” الأكثر إنتماء للوطن، ومالا فلا. حصل كثير من أولئك على المناصب الأكثر تأثيراً في صنع السياسات وإتخاذ القرار في السعودية، ويعتبرون أنفسهم الأحق بالترشح والترشيح لكل منصب هام. يصنف أصحاب “الإيديولوجية الوهابية” المجتمع إلى دوائر يموضعون أنفسهم دائماً في بؤرة المركز، كما أن لهم أراء تشكيكية في الجميع تزداد وتنقص بحسب القرب أو البعد عن مركز الدائرة.
يغلب على معتنقي الإيديولوجية الوهابية تأييدهم لجماعة”الأخوان” الإرهابية، لكن ليس كل مؤيدي الأخوان من معتنقي الأيديولوجية “الوهابية”، فالعنصر الإجتماعي (المكان) أصيل وحاكم؛ يشبههم البعض بـ”الكيان الموازي” الذي سمعنا عنه مؤخراًفي تركيا، لكنهم ليسوا كذلك، فهم ليسوا طلاب سلطة أو حكم، بقدر رغبتهم في التحكم. يراهم البعض أنهم القوة الخفيّة حول تعطيل تقدم السعودية في كثير من المجالات بسبب تغلغلهم في القطاع الحكومي والخاص؛ هم أشبه ما يكون بـ”المؤسسة” The Establishment، التي نسمع عنها في الولايات المتحدة، وتقبع خلف الكواليس لإدارة الدين والسياسة والمجتمع في التعليم والقضاء والمال والثقافة والإعلام. هم يستهدفون ويستطيبون التحكم في سياسات الدولة، وليس الحكم.
طالبنا، ضيف مقالنا هنا، د.التويجري، بالإعتذار عن تغريدته، لكي يثبت أنه: (١) يستحق أن يكون مدير عام “منظمة”، وليس “تنظيم”؛ (٢) أنه يتحلى بالأخلاق الإسلامية؛ (٣) أنه يفهم أصول التربية؛ (٤) أنه صاحب علم ينفع؛ (٥) أنه يملك ثقافة عالمية لا تؤمن بالإقصاء وتستمريء التخوين. أليست هذه هي الخمس مهام التي شغلها التويجري على مدى ثلاثة عقود في إيسيسكو؟ أم أن وجوده في هذا المنصب تم بالواسطة وبالتقادم؟ مجرد سعودي من حواضر نجد يرأس “منظمة” تتفرع من منظمة التعاون الإسلامي التي مقرها السعودية!! كان حرياً بمن هو في مثل منصبه وما يدعيه من علم ومعرفة، و”غِيرة على الوطن”، أن يناقش الأفكار في المقالات التي يزعُم أنها تؤكد إنحياز الكاتب لأعداء بلاده، ويدحض الفكرة بالفكر، وليس بالتخوين.
فرض التويجري بتغريدته أسئلة كبرى تجعلنا نشكك في موقف التويجري الرسمي نفسه: (١) أليس ما يعيشه العالم اليوم من إرهاب هو بسبب سوء فهم الدين، وسوء التربية، وسوء التعليم، وسوء الثقافة، تلك الفروع الأربعة التي هو مسئول عنها بشكل مباشر ومن صميم عمله؟ (٢) ماذا حقق التويجري خلال عمله (٣١) عاماً في الإيسيسكو لتأصيل الثقافة والعلوم والتربية الإسلامية الصحيحة ومنع التطرف والإرهاب؟ (٣) هل زادت أم نقصت وتيرة الإرهاب ووحشيته اليوم عن العام ١٩٨٥م تاريخ إنضمام التويجري للمنظمة، أو منذ تسلمه منصب المسئول الأول في العام ١٩٩١م؟ (٤) ألا تعتبر “إيسيسكو” مسئولة بشكل أو بآخر عن ثقافة الإرهاب المتلبس بالدِين الإسلامي؟ (٥) ألا يجدر بمدير عام منظمة “إيسيسكو” من الناحية الأخلاقية أن يتقدم بإستقالته فور تنامي وإنتشار الإرهاب بإسم الإسلام كتعبير شجاع، أم أنه التنصل من المسئولية، وإستمرار حالة الإنكار؟ (٦) أليس من الأفضل أن يستقيل الدكتور التويجري، إحتراماً للإسلام البريء من التهم التي ألصقت به؛ أو تبرئة للمنظمة التي أدارها لثلاثة عقود متتالية ولم تحصد سوى الفشل؛ أو يستقيل على الأقل، إكراماً للسعودية التي ينتمي إليها وتتهم زوراً وبهتاناً برعاية الإرهاب؟
أخيراً، نجزم بأن الثقافة البالية للأيديولوجية “الوهابية” ستذوب وتتلاشى بفعل ثلاثة قضايا: (١) رفض المجتمعات للإسلام السياسي لإنتمائهم للإرهاب، مثل جماعة الأخوان؛ (٢) ظهور جيل جديد في السعودية مع رؤية 2030 سبق أن أطلقنا عليه “تيار ٢٥ إبريل” يؤمن بأن الدين لله والوطن للجميع؛ (٣) أن ولاة الأمر في السعودية أكثر حرص على البلاد والعباد، من أي فرد أو مجموعة تزايد أو “تهايط”. ختاماً، ننصح الأخ الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري أن يبادر إلى ثلاثة أمور: أن يعتذر؛ أن يدحض الفكر بالفكر بدلاً من التخوين؛ أن يستقيل من منصبه بعد فشل المنظمة التي يديرها بسبب تفشي ظاهرة التطرف والإرهاب. حفظ الله الوطن.
كاتب سعودي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst