كتاب 11

12:18 مساءً EET

سقط العرب، ونجحت عُمـان

نجحت عُمان بقيادة السلطان قابوس وبعقل وحكمة أبناءها وبناتها أن تضرب مثلا مشرفاً على مستوى العالم في التناغم بين السياسة والدين والمجتمع مما ساعد على بناء الدولة، أو إعادة بناءها، على أسس صحيحة. ونظن أن المنهج العُماني يكمن في أبسط العناصر وهو بناء الإنسان العُماني وخدمة مصالحه والإبتعاد عن أي أمر يضره. وبالرغم من بساطة هذا المنهج الذي يرفعه كل سياسي وتضعه كل سياسة في مقدمة أولوياتها كشعار فقط، إلا أن عُمان ربطت النظرية بالممارسة والتطبيق، وقرنت القول بالفعل والعمل. وإذا تردد قديماً أن “الحكمة يمانية”، فإننا نقول ومن دون أدنى تردد أن “الحِكمة عُمـانية”.

تتمتع عُمان بعلاقات دولية ممتازة ومتميزة مع الجميع مما فرض إحترامها كدولة على الجميع من دون إستثناء. الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن جميعها تضع عُمان في أول القائمة كدولة محبة للسلام وشعب يتصف بالإنسانية. الدول الإسلامية والعربية تنظر إلى عُمان بأنها الدولة الأعقل والأحكم بين دول العالم. أما دول مجلس التعاون الخليجي فتدرك أن عُمان هي صمّام الأمان للخليج والجزيرة العربية، بالرغم من بعض المزايدات الإعلامية التي لا تستند على واقع صلب، فبقيت عُمان الأم الرؤوم التي لا تلبث دول الخليج والجزيرة العربية أن تعود إليها عندما تحتدم الأمور وتقفل الأبواب السياسية.

تقع عُمان في الركن الجنوبي الشرقي للجزيرة العربية، وتبلغ مساحتها أكثر من (٣٠٠) ألف كم مربع، ويبلغ عدد سكانها قرابة (٥) ملايين، وتعتبر الدولة الثالثة من حيث المساحة بعد السعودية واليمن، ولها حدود برية مع السعودية واليمن والإمارات، وحدود بحرية مع إيران وباكستان والإمارات واليمن، وتطل شواطئها على بحر العرب وبحر عُمان. وضعها السياسي والاقتصادي مستقر، واقتصادها نفطي إذ أنها تحتل المرتبة 23 في إحتياطي للنفط على مستوى العالم والمرتبة 27 في إحتياطي للغاز، وتحتل السلطنة المرتبة 64 من بين أكبر اقتصادات العالم. ويعتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عُمان البلد الأكثر تحسناً على مستوى العالم في مجال التنمية خلال 45 عاماً السابقة. كما يتم تصنيف عُمان كاقتصاد ذات الدخل المرتفع وتصنف باعتبارها ال59 البلد الأكثر سلمية في العالم وفقاً لمؤشر السلام العالمي.

تملك عُمان كل مقومات المزايدة السياسية التي ينتهجها العرب، لكنها آثرت بقيادة سلطانها وشعبها الإلتفات إلى الداخل وتقديم الفرد العُماني على ماعداه. تاريخياً، يذكر التاريخ أن في العام (٣٠٠٠) ق.م كانت عُمان تزود الخليج بالنحاس، ومنذ القرن (١٧) حتى القرن (١٩) كانت إمبراطورية عُمان تنافس الإمبراطوريتين الأقوى في العالم: البريطانية والبرتغالية. عقائدياً، يوجد في عُمان ثلاثة مذاهب: الأباضية والسنة والشيعة، وكل المذاهب متجانسة مع بعضها البعض بلا أي خلاف. إجتماعياً، تعود أصول المجتمع العُماني الى قبائل الأزد، أقوى قبائل العرب وأشرسها، وقد ناصروا الإسلام بشكل لم تفعله أي من قبائل العرب. نخلص، إلى أن عُمان تمتلك من التاريخ والدين والقبائلية وما يتبعها ما يجعلها تزايد أو “تهايط” سياسيا أو عسكرياً، لكن صوت العقل والحكمة تغلب على هوى الأنفس.

تعتبر عُمان من أقوى دول الخليج عسكرياً وذات تسليح حديث ومتطور، ويُعد الجندي والفرد العُماني من الصلابة بحيث يتفوق على خصمه في القتال. كما أن عُمان تمتلك واحدة من أكبر كميات في العالم من الصواريخ البالستية، وطائرات حديثة من نوع “يوروفايتر” المتطورة والمتعددة المهام. لكن عُمان سخرت عقيدتها العسكرية لخدمة منهجها السياسي الحكيم: الدفاع عن مصالح المواطن العُماني الحقيقية وليست الوهمية التي غالباً ما تتعاظم في أعين وأذهان الإستراتيجيين وأصحاب المصالح في الغرف المغلقة. وبذلك جمعت القيادة السياسية العُمانية عنصرين قلما يجتمعوا: حب وإحترام المواطن العُماني، أولاً وقبل مل شيء.

إختارت عُمان أن تكون الأعقل والأحكم في عالم مجنون بتسارع، كما أحسنت عُمان قراءة الموقف الدولي جيداً فإنتهجت الحكمة والتعقل والصدق في النصيحة، صحيح أنه أصابها رذاذ من سباب وهباب بعض دول الخليج والعرب، لكن التسيّد موقف له ضريبته، فلولا المشقة ساد الناس كلهموا. تسيّدت عُمان دول الخليج والدول العربية من دون منازع وكسبت إحترام جميع دول العالم من دون منافس بسبب منهجها الغاية في البساطة والتعقيد، والسهولة والصعوبة، بنفس القدر وفي نفس الوقت، وهو التركيز على مصلحة ومنفعة المواطن العُماني، ونشهد لله فيما نعلم، بأنها نجحت.

أخيراً، بعد هذا الوصف المختصر والثناء الغير منتظر لدولة خليجية، عربية، إسلامية، عالمية، إسمها عُمـان، الا يجدر بالساسة في الخليج والدول العربية أن يتخذوا من المنهج العُماني أسلوباً يحتذى، وقدوة في بناء الدولة والعلاقة المميزة مع الشعب وحسن التعامل مع الدول والأمم والشعوب الأخرى. كما نجزم هنا، بأن عُمان دولة وقيادة وشعب سيذكرها التاريخ بأنها الأفضل والأحسن والأحكم وأنها ستصل إلى نهاية المشوار وتفوز بالسباق. ختاماً، على كل باحث ومراقب ومحلل سياسي أن يضع صفحات التاريخ، وخرائط الجغرافيا أمامه، ويقارن بين الدول العربية وبين عُمان في أمر واحد فقط: مصلحة المواطن العُماني. عندها سيكتشف أمور كثيرة ومفيدة أهمها أن “الحِكمة عُمـانية”.

كاتب، ومحلل إستراتيجي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst

التعليقات