كتاب 11
خـلّـك رجّـال
يمكن لنا أن نجادل بأن نشوء جيل أو أجيال سعودية على جملة “خـلّـك رجّـال” ساهمت إلى حد كبير في التصحّر الفكري لبعض أفراد المجتمع. يبدأ الطفل بسماع هذه الجملة من سن الرابعة تقريباً التي تغتال طفولته تماماً بشكل تدريجي لا يشعر به أبواه، وبالتأكيد لا يشعر هو بذلك عندما يكبر. لكن المتمعن في فكر هذا الطفل الكبير وممارسته لا يجد صعوبة في إكتشاف أن هذا الفرد هو شخص غير سوي، أو يفتقد عناصر وركائز أساسية في بنيته الفكرية. تماماً مثل مبنى خالٍ من أعمدة تسنده، لا يلبث أن يتحطم مع زيادة الأحمال.
خـلّـك رجّـال، ليست حكراً على المجتمع السعودي، فمثلها “خليـك راجـل” أو “إسترجل” في مصر، على سبيل المثال، و Be a Man، في الغرب، تهدف إلى تقوية “الذكر” لكي يصمد أمام تكاليف وتصاريف الحياة. لكن هناك فروق في تطور المجتمعات وبيئة النشأة مما يسمح للمجتمعات غير السعودية بتخفيف جرعة التصحر و “الأنا” الذكورية بحيث يعود الشاب إلى الممارسة الطبيعية بفضل التعليم والثقافة والمعرفة، ومحاكاة الآخرين أيضاً. الأمر في السعودية أكثر سوءاً إذ يساعد فهم خاطيء لنصوص دينية من تعميق الذكورية وتجذيرها وخصوصاً عندما تختلط بعادات قبلية سادت ثم بادت.
يبكي الطفل فيصرخ أبواه “خـلّـك رجّـال” .. يلعب الطفل مع نفسه أو مع أترابه فينهره والده “خـلّـك رجّـال” .. يجبر الطفل على الجلوس مع الكبار، فإذا تململ أو تحرك عنفه أبوه “خـلّـك رجّـال” .. يكبر الطفل والمرجلة والرجولة تشغل صحوة وتؤرق منامه لا يعرف معناها، وبالتأكيد لا يعرف أبواه الفرق بين الرجولة والفحولة. يزيد الطين بلة إذا ما سمي الطفل على إسم جده أو إسم فارس مغوار، أو بلطجي جبار، هنا يكون مطلوب من هذا الشاب أن يتخذ من سميّه مثلاً أعلى. وقد كتب أستاذنا عبدالرحمن الوابلي، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، مقال بهذا الخصوص بعنوان “المحنطون في الأرض”.
كنت مع مجموعة من الرفاق في زيارة لأكاديمية القوات الجوية في ولاية كولورادو الأمريكية، ولفت نظرنا أنه مكتوب على البوابة الرئيسية عبارة ” أحضروا لي رجال” Bring Me Men، بالرغم من وجود (٢٠٠) فتاة ضمن طلبة الأكاديمية، وعند سؤالنا لقائد الكلية عن هذا التناقض أو التمييز، بين العبارة والواقع داخل الأكاديمية، أجاب أن المقصود هو “رجال” بالمعنى العام والسمات، وليس بالمعنى الضيق والعنصر. حسناً، أظن أن رد الجنرال كان تبريراً مفلساً، حيث أن العبارة أزيلت من على بوابة الأكاديمية بعد ذلك. الرجالة والمرجلة والرجولة هي مصطلحات من عهد وحقبة ذكوريّة بائدة تم تطويرها في العالم المتقدم بأن تم فصل المحتوى عن المسمى الحرفي. وباتت قيّم الرجولة هي المعمول بها.
نود هنا أن نصل إلى ثلاثة فوائد: (١) أن لا شخص سوي من دون الإستمتاع بالطفولة في كل معانيها من فرط حركة وَلَهْو ولعب وحديث وتصرفات لا يجب بالضرورة أن تتفق مع ما يقوله أو يفعله الناضج أو الكبير؛ (٢) أن الرجولة كانت تحمل في الماضي معاني وقيّـم نبيلة وأصيلة وجميلة أيضاً يتوجب فصلها عن المسمى ومن ثم تنقيتها بما يتفق وواقع الحال ثم إعادة غرسها؛ (٣) أن المرأة تحمل من قيّم الرجولة الأصيلة والنبيلة والجميلة مالا يحمله “الذكر” لكن الفارق يكمن في التواتر و “المهايط” الذكوري.
أخيراً، إذا أردنا مجتمع سوي طبيعي فلنتخلص من مصطلح “خـلّـك رجّـال” و “خليك راجـل” و “إسترجـل” في مخاطبة الأطفال والشباب، مثل ما تخلينا عن الـرّق. ولنتذكر، وياحبذا نذكّر الأجيال الشابة، أن مفردات الماضي حول المرأة باتت نشاز لا تستقيم مع أبسط قواعد المنطق، وليأخذنا نحن معشر الذكور شيء من الحياء، على الأقل، حيال نظرتنا الدونية تجاه المرأة، خصوصاً عندما تنقل الفضائيات سباق الرئاسة الأمريكي وهيلاري كلنتون التي يقول عنها باراك أوباما أنها أفضل من زوجها بيل، ومن ترامب، ومنه هو شخصياً. ختاماً، الإستمتاع بالطفولة أساس لإنتاج الرجولة بمعانيها الجديدة.
كاتب، ومحلل إستراتيجي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst