كتاب 11
فشل الخارجية السعودية
فشلت وزارة الخارجية السعودية حتى الآن في رسم صورة جيدة أو تصحيح صورة مغلوطة عن المملكة في كثير من مجتمعات العالم، ويعزو البعض ذلك لعدة أسباب منها: (١) المفهوم الخاطيء للإعلام لدى المسئولين في وزارة الخارجية؛ (٢) سوء إختيار الكوادر بما يتناسب وحاجة المرحلة السياسية؛ (٣) عدم وضوح الرؤية والرسالة والأهداف السياسية لطاقم الدبلوماسية؛ (٤) التركيز على الحكومات وإهمال مؤسسات الإعلام والمجتمع في الخارج؛ (٥) بقاء مؤسسة الدبلوماسية السعودية بعيدة عن الأضواء لعقود من الزمن؛ (٦) مركزية وأحادية القرار في وزارة الخارجية؛ (٧) الإعتماد على هيئات ومؤسسات إعلامية وشركات علاقات عامة خارجية.
سبق لنا أن كتبنا مقال بعنوان “كسل الخارجية السعودية” نشرته صحيفة الحياة بتاريخ ٢٧ أكتوبر ٢٠١٤م، جادلنا فيه بأن “وزارة الخارجية السعودية مقصرة في عمل توازن بين حجم المملكة الاستراتيجي والسياسي والإقتصادي والمكانة التي يجب أن تتبوأها … وأن الوزارة لازالت تفتقر إلى رؤية إستراتيجية لكي تؤدي الخارجية السعودية عملها على الشكل الصحيح … ولا سيما بعد المتغيرات المتلاحقة في العلاقات الدولية والإقليمية والمكانة التي تتبوأها السعودية حالياً، مع مايسوّق عن السعودية من سلبيات” وإقترحنا في المقال عدد من الحلول حينذاك، مع الفارق والتسارع الكثير والكبير في الأحداث بين أكتوبر ٢٠١٤م واليوم في الحضور السياسي والدبلوماسي للسعودية.
تفوقت إيران، على سبيل المثال، الخصم السياسي المستجد على السعودية في جذب وإستقطاب تعاطف العالم المؤثر في أمريكا وروسيا وأوروبا لعدة أسباب من أهمها: (١) الإستفادة من روح التعاطف الذي أظهرته وسائل الإعلام في دول (٥+١) لدعم الإتفاق النووي؛ (٢) الحضور الإيراني الدولي الفاعل والمكثّف في كافة الفعاليات والمؤتمرات والندوات؛ (٣) منح السفراء والقناصل والكتاب والمثقفين الإيرانيين أدواراً أكبر في تقديم إيران الجديدة؛ (٤) الإنفتاح على المجتمعات العالمية والجامعات والمعاهد ووسائل الإعلام المؤثرة في تلك المجتمعات؛ (٥) التركيز على القضايا الحضارية والإقتصادية والإنسانية والثقافية تشكل أغلب إهتمامات المواطن العادي في الخارج؛ (٦) محاكاة الإستراتيجية الإسرائيلية في الإرتكاز على مفهوم الأقلية والمظلومية في كسب تعاطف العالم.
بقيت السعودية وسياستها الخارجية والصورة عنها حبيسة: (١) عدد محدود جداً من المسئولين في الخارجية السعودية ويعدون على أصابع اليد الواحدة؛ (٢) قنوات إعلامية بخطاب ركيك محسوبة على السعودية؛ (٣) مؤسسات إعلام وعلاقات عامة تم إستئجارها بأغلى الأثمان وإثمها أكبر من نفعها؛ (٤) متحدثين في الإعلام يطلق عليهم زوراً وبهتاناً محللين سياسيين. نقول بقي هذا الرباعي في موقف رد الفعل والدفاع والصراخ وبخطاب غارق في المحلية، مما أدى إلى سقوط وفشل النظرية السعودية في ميدان السباق العالمي. هذا الفشل الذريع ترك إثنين من صقور الخارجية السعودية وحدهم في الميدان يغالبون مئات من الرسميين والمختصين والإعلاميين والمثقفين. تفوق من الخارجية السعودية إثنين فقط: عادل الجبير، وزير الخارجية؛ وعبدالله المعلمي، المندوب السعودي في الأمم المتحدة، اللذان إستطاعا أن يتركا تأثيراً ولو طفيفا في فضاء الإعلام والمعرفة. لكن ذلك هو الإستثناء الذي يؤكد قاعدة الفشل.
تشكل رؤية 2030 مجالاً خصباً وحيوياً للسياسة الخارجية السعودية، فهي تبرز التوجه السعودي الجديد والمستقبلي نحو الإقتصاد والتنمية والإنصهار في الحضارة العالمية. لكن الخارجية السعودية لم تستغل الرؤية الجديدة لتقديم السعودية الجديدة، وإعتمدت عوضاً عن ذلك أسلوباً تقليدياً في التركيز على ما يسمى السياسة العالية High Politics التي تهتم بالحرب، والسلام، والنفوذ، وتوازن القوة، وسباق التسلّح، والإرهاب، بدلاً من إختيار المواضيع الأكثر جذباً وتأثيراً في المجتمعات والساسة والسياسة، ويطلق عليها السياسة الأدنى Low Politics والتي تعني بالقضايا الحضارية والإنسانية والتنموية والثقافية. عدم وزن حجم القوة والتأثير للقضايا في السياسة الخارجية إنعكس سلباً على الأولويات، مما أدى إلى فشل الخارجية السعودية.
دخلت السعودية مساراً جديداً في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية منذ تولي الملك سلمان سدة الحكم، وخلال عام واحد، أطلقت السعودية رؤية 2030 التي تحاكي المستقبل وتعتمد بشكل كبير على الخارج في: (١) بيع جزء من أصول أرامكو السعودية؛ (٢) تسويق الصندوق السيادي الأضخم؛ (٣) إستقطاب الإستثمارات الخارجية؛ (٤) إستقبال مزيد من المعتمرين والزائرين؛ (٥) تفعيل السياحة وجذب السواح من جميع أنحاء العالم؛ (٦) إستقطاب الكفاءات والصناعات العالمية ونقل التقنية والمعرفة. هنا يبرز سؤال: أين وزارة الخارجية السعودية من هذا كله؟ أليس من المناسب والمنطقي تغيير طاقم السفراء والقناصل في الممثليات السعودية بالخارج لكي يكونوا مسوّقين للسعودية الجديدة ورؤيتها المستقبلية؟ أليس حري بالخارجية السعودية أن تأخذ المجتمعات الدولية إلى ملعبها الجديد ورؤيتها للمستقبل، وعرض الحسنات السعودية بدلاً من التركيز على عيوب الغير والإنسياق خلف ردود الأفعال وأفخاخ الدفاع؟
أخيراً، نجادل بأن تفوق إيران، على سبيل المثال، في المسرح الدولي لا يعني ذكاء المسئول الإيراني أو نجاح السياسة الخارجية الإيرانية، فقد يعني محدودية المسئولين في الخارجية السعودية ومركزيتهم في إتخاذ القرار مما نتج عنه فشلهم في إدراك وتحديد مكامن القوة السعودية وصنع الأولويات وإنتهاج الأسلوب الأمثل. ولو تركنا إيران جانباً، وإتجهنا إلى أهم دولتين عربيتين إعلاميا: مصر ولبنان، نجد أن سفرائنا وممثلياتنا في تلك الدولتين فشلوا في خلق علاقة جيدة وإيجابية مع إعلام ومجتمعات تلك الدول. هل فات الأوان؟ بالتأكيد لا. فأن تعمل الشيء متأخراً أفضل أن لا تعمله على الإطلاق. ختاماً، نقول أن واحد من العناصر لكي تنجح الخارجية السعودية، هو أن لا يكون المعنى السياسي في بطن وزير الخارجية فقط، وللحديث تفصيل وبقيّة. حفظ الله الوطن.
كاتب، ومحلل إستراتيجي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst