كتاب 11

11:02 صباحًا EET

محاربة الإرهاب: الكذبة الكبرى

يضطر الإنسان الذي يستمع لرئيس دولة أو مسئول رفيع في بلد ما، وهو يدّعي محاربة الإرهاب ناهيك عن القضاء عليه، أن يضحك بملء شدقيه لسذاجة الإدعاء والإصرار على تضليل مستمعيه ومشاهديه. لا توجد دولة في العالم تحارب الإرهاب، الكل يحارب ويطارد الإرهابيين، صحيح. لكن الإرهاب في مأمن من المحاربة والمطاردة، بل أعقد وأكبر من أن يُحارب أو يزول، والمرجح أن الإرهاب سيزداد شراسة وضراوة بوسائل وأساليب شتى تتجدد يومياً.

الإرهاب نتاج الفجوة بين ثالوث سياسي: (١) تطور المجتمع الإنساني؛ (٢) سطوة الدولة المدنية؛ (٣) عجز النظام الدولي. ولذا فالإرهاب نتيجة سياسية حتمية لهذه الفجوة التي لم يتم تضييقها أو ردمها. تم إختراع الدولة المدنية الحديثة كحل لإدارة المجتمعات بعد عقود من السلطة الدينية، وتم تزويد هذا المخترع بعنصر “السيادة” لتحصين هذا الكيان الوليد (الدولة) من خطر الإختراقات من كيانات أخرى. حفظت “السيادة” أقاليم الكيانات السياسية بعض الشيء، في وقت سمحت فيه للحاكم بفعل ما يريد في سكان الإقليم والتعامل معهم كرعايا.

تطور الإنسان في موجات ثلاث على رأي “أفلين توفلر” في كتابه الموجة الثالثة، من الرعي، إلى الزراعة، الى التجارة، ثم الصناعة، حتى إنتهى بالإنسان الأمر إلى ثورة الإتصالات والإنترنت، الذي قلص الكرة الأرضية إلى “قرية كونية”. في الجانب الثاني، تتزايد وتتعاظم “سلطة وسطوة” الدولة بشكل متسارع يفوق الجهود البشرية للإنعتاق من القيود تجاه التفاعل البشري والإنساني بحجة “السيادة” على الإقليم وساكنيه. في الجانب الثالث، يبقي النظام الدولي أسير قدسية “السيادة” التي كبلته منذ إتفاقية ويستفاليا ١٦٤٨م، مروراً باتفاقية ڤينا ١٨١٤م، ومعاهدة ڤرساي ١٩١٩م، وأخيراً ميثاق فرانسيسكو ١٩٤٥م. نلاحظ هنا، أن كل إتفاقية أو معاهدة أو ميثاق جاءت بعد حرب طاحنة.

المثير من جانب آخر، أن عدد الدول المستقلة في معاهدة ڤرساي (٢٢) دولة، وفي ميثاق فرانسيسكو (٥١) دولة، بينما عدد الدول المستقلة اليوم تتجاوز (١٩٠) دولة. تكاثر الدول عبر السنوات كان معظمه نتيجة حركات التحرر والإنفصال وسخط وثورات الشعوب والمجتمعات، وهو ما يطلق عليه اليوم “الإرهاب”. هنا نكرر، أن الإرهاب هو عنف سياسي من أفراد أو مجموعات بشرية في شكل منظمات، موجه ضد الدولة (الكيان السياسي)، والنظام الدولي نتيجة “السلطة والسطوة” وما ينتج عنها من سوء للإدارة، وفساد، وتهميش للأقليات، وعدم إعتراف بالحقوق، وقائمة طويلة لا يتسع المجال لذكرها.

يرى بعض علماء السياسة والإجتماع السياسي أن عدد الدول المستقلة سيتضاعف خلال الـ (٥٠) عام القادمة ليصل إلى (٤٠٠) كيان مستقل، كما أن “السيادة” ستقاوم كل المتغيرات وستبقى صامدة بالرغم من بعض تآكل سيعتريها، لأنها في نهاية المطاف هي الهدف والسبب من الإنفصال والإستقلال، في ذات الوقت. هناك من خبراء الدراسات المستقبلية من يدعم التوجه الأنف الذكر، ويجادل بأن ثورة الإتصالات ستخلق أمرين متضادين: الإنفصال والإتصال في آن واحد. ويرى بعض منهم، أن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، دليل دامغ على الإنفصال والإتصال، وعلى صحة التوقعات المستقبلية أيضاً. فريق ثالث، يرى أهمية وحتمية قيام حرب عالمية كونية تضطر المجتمع الدولي إلى سن قوانين جديدة وإلغاء أو تطوير مفهوم “السيادة” كعنصر مقدس للكيان السياسي.

يلمّح توماس فريدمان في حديث عن كتابه الجديد الذي سينشر في نوڤمبر القادم بعنوان “شكراً لمجيئك متأخراً” بأن الإرهاب والفوضى ستضرب معظم العالم وسينقسم إلى قسمين أو فسطاطين: عالم النظام/ الإنضباط World of Order؛ وعالم عدم النظام/ الإنضباط World of Disorder. وسيتجه كثير من الناس نحو الهجرة من عالم الفوضى إلى عالم الإنضباط. ولم يشر فريدمان إلى ما يمكن عمله مع دول ومجتمعات. وعالم الفوضى، هل يتم إحتلالها وإعادة بناءها على مفاهيم ومعايير كونية جديدة، أم ماذا؟

أما نحن فنجادل، أن الإرهاب إستوطن في جسد المجتمع الدولي، حتى أصبح وسيلة من وسائل الهيمنة الجديدة. فبعض القوى العظمى تنامى في مجتمعاتها الجانب الأخلاقي والمعنوي، حتى لم تعد قادرة على شن الحروب بشكل مباشر، فوجدت في العنف السياسي الإرهاب وسيلتها المثلى، ولذا سخرته لمصلحتها وجعلته حلاً للمعضلة الأخلاقية.  بذلك الأسلوب حوّلت القوى العظمى المشكلة إلى حل، كما يقال في أدبيات إدارة الأعمال. وإستطاعت أن تشعل الفوضى حيثما أرادت وكيفما شاءت. فأضحى الأرهاب كأس ماء، تنظر القوى العظمى إلى نصفه الملئان، أما القوى الهشة والصغيرة والهامشية فتكتوي بنار العنف والفوضى ولا حيلة لها إلا أن ترى نصف الكأس الفارغ.

أخيراً، الإرهاب سنة من سنن السياسة، ونتيجة حتمية لتطور المجتمعات الإنسانية التي ترفض تعامل الدول معها كـ “رعايا”. ولذا سيزداد العنف السياسي “الإرهاب” حدة وشراسة، حتى تستسلم الدول كُرهاً لا طوعاً، أو تنشأ حرب كونية جديدة تسحب بساط وقداسة “السيادة” من الكيانات السياسية الهشة التي إستطابت السلطة والسطوة. ختاماً، إذا إستمعت وشاهدت رئيس دولة أو وزير أو مسئول رفيع، يتنمر خلف المايكروفون وأمام عدسات الكاميرا بمحاربة “الإرهاب” فإعرف أنه يكذب، ثم يكذب، ثم يكذب.

كاتب، وباحث إستراتيجي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst

التعليقات