كتاب 11

09:01 مساءً EET

السور السعودي العظيم

تعاني السعودية من مجموعة قضايا وتحديات نشأت بسبب فتح الباب على مصراعيه أمام عمالة وافدة قليل منها ماهرة يستفاد منها، وكثير منها عديم الفائدة، أو لنقل إثمه أكبر من نفعه. جزء من تلك العمالة دخل البلاد بطرق شبه نظامية، لكن جزء أخر إستقر وإستوطن بشكل غير نظامي أو قانوني. ثلث السكان وأكثر من الأجانب، حتى لم تعد السعودية تملك مقياس حضاري خاص بها. توالت الأيام والشهور والسنوات والعقود وهذا الداء المستورد في تزايد حتى بات يشكل معضلة تنموية، فهو مقلق للحكومة وأجهزتها الأمنية والإدارية من ناحية، كما أنه مريح وإعتيادي ومطلوب من عامة الشعب وشريحة لا بأس بها من المواطنين، من ناحية أخرى. أما والحالة هذه بكل أبعادها فالمطلوب هو مشروع لبناء “السور السعودي العظيم” بشكل واقعي وإفتراضي.

يقترب عدد الشعب السعودي من (٢٠) مليون نسمة، ومساحة السعودية تزيد عن (٢) مليون كم مربع، والناتج المحلي النفطي وغيره (كذا وكذا)، حسناً. هذا يكفي. نعيش في بلادنا بشبابنا، ذكور وإناث، ونطور حياتنا بما يتماشى مع أفكارنا وما تعلمناه أو ما سنتعلمه في قرية كونية ذابت فيها حدود المعرفة والتواصل. لنبني وطناً على قياسنا وبقدراتنا وبمعارفنا. لنتوقف عن اللهث خلف الخارج بكل ما يظن البعض فيه من مغريات. لنلتفت إلى ذاتنا وما نحسنه وما نتقنه وما نريده. بمعنى أخر، نريد أن نعيش في وطن على “قدنا” وعلى مقاسنا وفي حدود قدراتنا ومقدراتنا، فالإسترسال خلف الخارج أرهقنا وأتعبنا وخلق لنا مشاكل لا حصر لها، وخنق أمال وطموحات شبابنا وبناتنا. ولا نرى من حل ينقذنا مما نحن فيه سوى بناء “السور السعودي العظيم”.

لنبني “السور السعودي العظيم” واقعيا في الجنوب والشرق والشمال ليمنع عنا تهريب البشر والمخدرات ومستلزمات الإرهاب، ولنبني “السور السعودي العظيم” إفتراضياً بسن أنظمة تحرم الدخول الغير شرعي للسعودية، وتجرم الإستقدام لأي عمالة وافدة “تأكل ما ما كان وتضيّق المكان”. لنمنع حتى التفكير في أي مشروع لا يعتمد في عمالته على الموارد البشرية السعودية (١٠٠٪‏). لنعيد إكتشاف أنفسنا وذاتنا ورغباتنا وأهدافنا، ماذا نريد، وماذا لا نريد. لنتوقف عن التنمية الزائفة التي تستمد معظم عناصرها من الغير وللغير، ولو لعقد من الزمان يكون لمراجعة وتحسس مواقع أقدامنا وإتجاهنا، وهل نحن في الموقع الصح، والإتجاه الصح، للوصول إلى الغاية الصح.

سيتصور البعض أن في هذا المقترح إنعزالاً، نعم هو كذلك. سيتوهم البعض أن المشروع فيه شيء من الإستحالة، لا ليس كذلك. فالأمم تسير في طرق نحو ما تتصوره يؤدي إلى غاياتها، لكنها مضطرة إلى التوقف بين الحقبة والأخرى لتلفت حولها وتقيم تجربتها وتعيد التفكير في غاياتها السابقة أو وسائل وصولها لتلك الغايات. نحن في السعودية لم نتمكن من التوقف والتفكر والتأمل في من نحن وماذا نريد، بمعنى أخر، لم نتمكن من “الفرملة”، فالمكابح السعودية سرقها الوقت، وسرقها النفط، وسرقها الأجنبي. ولا يمكن التأكد من هذه السرقات إلا عبر ومن خلال الأجيال الشابة الجديدة، التي ليس فيها من الأجيال التي سبقتها من شيء.

أخيراً، الذين يظنون أو يعتقدون في بناء “السور السعودي العظيم” شيء من التطرف والإنعزال، نقول أنتم على حق، فهو كذلك. فحجم قوة ردود الفعل يجب أن تكون مساوية لحجم قوة الأفعال. الأهم من ذلك كله، تفكروا في حال الوطن اليوم في كافة قضايا التنمية، وتأملوا ما يعيشه الوطن من قضايا سلبية في الفساد والإرهاب والمخدرات والإلحاد وصولاً للشذوذ الجنسي والفكري، وعليكم الإجابة بكل صدق وأمانة. فالعبرة بالنتائج. ختاماً، أنشأت الصين في أقصى الشرق سورها العظيم في وقت كانت بأشد الحاجة لصد الغزاة، وستنشيء أمريكا في أقصى الغرب سورها العظيم لصد الغير مرغوب فيهم، فهل نملك الشجاعة لبناء “السور السعودي العظيم”؟ حفظ الله الوطن

كاتب، ومحلل استراتيجي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst

التعليقات