كتاب 11
السعودية وتـرامب بين الحب والكـره
وافق الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة على إختيار دونالد ترامب المرشح الوحيد، لخوض السباق نحو البيت الأبيض ضد مرشحة الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون. ومن المرجح أن يفوز دونالد ترامب في السباق ويصبح الرئيس الأمريكي رقم (٤٥) للولايات المتحدة الأمريكية. وقد سبقت ترامب سمعة سيئة في الأوساط السعودية الشعبية وشبه الرسمية وسمعنا تلميحات الكراهية في بعض التحليلات الصادرة من الصحف والقنوات الفضائية السعودية، بسبب بعض التصريحات التي أدلى بها ترامب في غمرة التنافس على الترشح. ولا نظن أن الموقف الرسمي للسعودية يتفق مع تلميحات الكراهية التي لا تستند على منطق سياسي أو عقلاني، بدليل رد السفير السعودي في مقابلة أجرتها معه قناة CNN الأمريكية قبل أيام.
يبلغ دونالد ترامب من العمر (٧٠) عاماً، تزوج ٣ مرات: إيڤانا التي توفيت في العام ١٩٩٢؛ ومارلا التي توفيت في العام ١٩٩٩؛ وأخيراً، وربما ليس آخراً، ميلانيا التي تزوجها في العام ٢٠٠٥م. ولدى ترامب (٥) أولاد: إبن واحد، وأربع بنات جميلات. يحمل ترامب شهادة البكالوريوس في العلوم، ومتخصص في الإقتصاد، ومعظم تجارته في العقار، ويتقاضى راتباً سنوياً قدره (٢٥٠) مليون دولار، بينما تقدر ثروته بمبلغ (٤) مليارات دولار ( حسب فوربس ٢٠١٥). يمكن توصيف ترامب بأنه مرشح مثير. فهو مثير للجدل، ومثير للمشاكل، ومثير للإهتمام.
وفي ظننا أن ترامب هو أفضل رئيس أمريكي يمكن للسعودية أن تتعامل معه في الحقبة الحالية، إذا إستطاعت أن تفك رموز شخصيته وتتعمق في أسلوبه بعد الفوز بمنصب الرئاسة وليس قبل ذلك، لأنه شخص ساذج وبراغماتي، بمعنى أنه طيب ونفعي، لكنه ليس مراوغ مثل منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، أو عميق مثل سلفه الديموقراطي باراك أوباما، أو غبي مثل سلفه الجمهوري جورج بوش “الإبن”، أو متمرس مثل الجمهوري جورج بوش “الأب”، أو معقد مثل الجمهوري ريتشارد نيكسون. تجربته في الإستثمار والتجارة ونجاحه فيها مكنته من معرفة مايريد وكيفية تحقيق ذلك بأسهل الطرق وأقصرها، وذلك بالوضوح والشفافية.
تلتقي المصالح السعودية مع ترامب في السياسة الخارجية في ثلاثة قضايا: الإرهاب، وإيران، والقضية الفلسطينية.
كما تلتقي في جزء من السياسة الداخلية المتمحور حول الإقتصاد والإستثمار، بحسب ما أعلن في الرؤية السعودية 2030، وبذلك يمكن أن تتبادل الدولتان المنافع في الجانب الإقتصادي. لكن التحدي الذي يواجه السعودية هو في أمرين: التوقيت والأولويات. فالسعودية في نظر المجتمع الأمريكي هي دولة راعية للإرهاب، ولم تنجح السياسة الخارجية حتى الآن في عمل ما يمكن لتغيير الصورة النمطية الخاطئة لدى المؤسسات الإعلامية وبالتالي المجتمع الأمريكي. كما أن التنافس بين السعودية وخصمها إيران سيكون على أشده للفوز بتعاطف الرئيس القادم، مع أن السعودية تملك ميزة تنافسية بحكم موقف غالبية الجهموريين من الإتفاق النووي. أما فيما يخص إسرائيل والقضية الفلسطينية، فالسعودية هي صاحبة المبادرة العربية للسلام التي إنطلقت بإجماع العرب في العام ٢٠٠٢م، وتشكل أرضية جيدة للتعاون مع الرئيس الجديد، مع العلم أنه لا يمكن لأي رئيس أمريكي الخروج عن المألوف في العقيدة الأمريكية نحو إسرائيل، ولذا فإن تركها للوقت المناسب قد يكون من الحكمة.
تقديم النواحي الإقتصادية ومنحها الأولوية مهم للغاية بالنسبة للسعودية وأمريكا والرئيس الجديد دونالد ترامب لأربعة أسباب: (١) أن ترامب فقير في السياسة الخارجية ويعتبرها كثير من المراقبون الحلقة الأضعف؛ (٢) أن النواحي الإقتصادية ذات معايير رقمية سريعة تنعكس على مؤشرات الأسواق والأداء الأسبوعية والشهرية؛ (٣) أن المبدأ النفعي (البراغماتي) يقوم على قاعدة، “ماذا يمكن أن ينفعني” What’s in it for me؛ (٤) يقل عدد المنافسين في القضايا الداخلية والإقتصادية على خلاف القضايا الخارجية ذات التعقيدات والتشعبات الدولية. ولذلك يمكن تبادل المنافع الإقتصادية لبناء أرضية للتعاون بين السعودية وأمريكا، فحاجة الدولتين لبعضهما البعض شبه متساوية.
يميل الحزب الجمهوري (اليمين) في الولايات المتحدة غالباً إلى السياسة الخارجية كأساس لتنفيذ الأجندة السياسية، على عكس الحزب الديموقراطي (اليسار) الذي عادة ماينطلق من مشاكل الداخل ويهتم بها. يجنح الرئيس والطاقم الجمهوري إلى الحرب، على سبيل المثال، من وجهة نظر ذات أثر إقتصادي ينعكس إيجاباً على التصنيع، وفتح الأسواق، وتصدير السلاح، وتشغيل الأيدي العاملة في الداخل، ودعم المؤسسات الكبرى ذات الأثر الإيجابي على الضرائب والمداخيل العالية للخزينة الأمريكية. وهنا تكمن المعضلة التي على السعودية إدارتها بحكمة. فدونالد ترامب غريب على الحزب الجمهوري وقد تم قبوله على مضض، وهذه واحدة من المفاصل التي يمكن للسعودية أخذها بالحسبان، ومساعدته على تحقيق شيء يستفيد هو منه داخلياً.
إذا كان المثل العربي السائد يقول: “كلام العاقل ينقص النصف”، فيمكن إسقاط ذلك على مرشحي الرئاسة في الولايات المتحدة وتعديل المثل إلى: “كلام المرشح للرئاسة في أمريكا ينقص النصف” وفي قول أخر ينقص ثلاثة أرباع. الوعود الإنتخابية في أمريكا، ومعظم دول العالم، لابد أن تكون في جزء كبير منها شعبوية، كما أنها تميل إلى “مايجب أن يكون، وليس ماهو كائن”، وبعد فوز المرشح بالرئاسة في الإنتخابات يتم دعوته إلى البيت الأبيض لفتح الصندوق الأسود المليء بالأسرار التي تفسر أو تبرر كثير من الممارسات السياسية، عندها ينزل أي رئيس منتخب عن الشجرة، ويتوقف عن كثير مما يسمى في السعودية “المهايط”.
أخيراً، تعاملت السعودية منذ اللقاء الشهير بين الملك عبدالعزيز وروزفلت بعيد الحرب العالمية الثانية مع (٧) رؤساء من الحزب الديموقراطي، و (٦) رؤساء من الحزب الجمهوري، وسيكون دونالد ترامب في حال فوزه الرئيس الجمهوري رقم (٧) وبذلك تتساوى الكفة في الخبرة والتعامل السعودي مع الحزبين. وكما أن دونالد ترامب، كما أسلفنا مثير، فإن الرقم (٧) مثير أيضاً، فلننتظر ونرى مقدار الإثارة بين الدولتين وهل هي في الإتجاه السلبي أم الإيجابي. ختاماً، السعودية تملك من الخبرة التي تمكنها من التعامل مع أي رئيس أمريكي، وكل ماتحتاجه السعودية هو توظيف تلك الخبرة بقدر كبير من العقل والحكمة وقدر قليل من الأيديولوجية والعاطفة. حفظ الله الوطن
كاتب، ومحلل استراتيجي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst