كتاب 11
العودة إلى الحوار الليبي والطبخة الخارجية
التدخل الأجنبي في الأزمة الليبية، هو عودة للمستعمر، بنكهة المساعدة على الحل، بطبخة خارجية، فأميركا وبريطانيا تحكمهما البراغماتية الميكافيلية في التعامل والتعاطي مع الأزمة الليبية، فكثيرا ما أظهرتا حالة من فصام العقل السياسي political schizophrenia تجاه الأزمة الليبية، جراء رؤية مشوشة بمعلومات مغلوطة ومضللة لأجهزة المخابرات، تحكمها مصالح ضيقة، تسعى نحو إعادة تدوير جماعات الإسلام السياسي، وتوطين الإرهاب وشرعنة الميليشيات بدلا من حلها، قد لا نجد لها مبررًا سوى سيطرة نظرية الفوضى «الخلاقة» في بلد يملك أطول شاطئ قبالة الجنوب الأوروبي، ما جعل المستفيد من استمرار الفوضى في ليبيا، يمكنه ابتزاز أوروبا في أمنها.
التعاطي الأميركي – البريطاني المشترك مع الأزمة الليبية، كان من خلال بدعة ما سمى «الديمقراطية التوافقية» التي تم فيها المساواة بين سلطة الخيار الانتخابي الديمقراطي والخيار الانقلابي الخاسر للانتخابات، وهذا ما ساهم في تفاقم الأزمة، وجعل منها أزمة دائمة متجددة بتدخلات متعددة المصالح، لهذا «أخرجوا المستعمر من أنفسكم يخرج من أرضكم».
لحل الأزمة الليبية، يبقى الحوار الليبي ليبيًا، على أرض ليبية وليس خارجية، وضمن ثوابت وطنية تحترم الخيار الديمقراطي، هو الخيار المنطقي المرحب وليس في جنيف حتى لا تتبعه لعنتها، التي لم تنجح يوما في حلّ أو حلحلة أي قضية عربية إلى يومنا هذا، ولنا في القضية الفلسطينية وغيرها المثل الكبير، فالحل لا بد أن يكون ليبيًا إن أردنا له النجاح، خاصة ونحن قد انطلق عندنا حوار غدامس على طاولة واحدة وليس في غرف منعزلة، كما حدث في الصخيرات، في حين كان في غدامس الليبية على طاولة واحدة، ضمن ثوابت شرعية البرلمان، ولكن حوار جنيف ثم الصخيرات انحرف به برناردينو ليون، نحو إشراك أطراف انتهت ولايتها كالمجلس الانتقالي والمؤتمر (الوطني)، الذي أراد برناردينو ليون بث الحياة فيهما بتمثيلها في الحوار، ولهذا من وجهة نظري أن مخرجات حوار الصخيرات متعثرة التطبيق، بل أصبحت صعبة في ظل غياب أي ضمانات دولية لتطبيق المخرجات، وبعد الكثير من الخروقات لنص الاتفاق، ومنها ما تسمى المجلس «الأعلى» للدولة الذي تشكل وضمّ طيفًا واحدًا من تحالف الإسلام السياسي (تنظيم الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة فرع القاعدة السابق) في النسخة الأخيرة الإقصائية من المؤتمر (الوطني) وليس من تكون منهم المؤتمر (الوطني) في أول انعقاده في يوليو (تموز) 2012، في مخالفة صريحة لنص اتفاق الصخيرات، بل تجاوز دوره الاستشاري إلى ممارسة التشريع، كما أن ممارسة المجلس الرئاسي لمهامه الوزارية وتكليف وزراء العملَ قبل منح الثقة وأداء اليمين، وحتى قبل تضمين الاتفاق إلى نصّ الإعلان الدستوري، مما جعل منه غير دستوري وما يصدر عنه غير شرعي بالمطلق.
كما أن بعثة الأمم المتحدة ومنذ مبعوثها طارق متري صاحب مشروع «لبننة ليبيا» إلى الإسباني ليون صاحب مبدأ العصا والجزرة، بجلب الأطراف الرافضة للحوار إلى غرف منفصلة ومناقشة الأزمة بالمقلوب، بالبحث عن حكومة «وفاق» منزوعة التوافق، مما جعله غير قابل للتطبيق، إذ كان السيد ليون يتحرك في مساحة ضيقة، بسبب تدخلات أجنبية متعددة، للتشويش وفرض خريطة محددة، وجرّ الحوار نحو مستنقع «كيسنجر»، حيث يتم تجزئة المجزأ، فكثيرا ما تلاعب ليون بها وخلط الأوراق ليسابق الزمن قبل انتهاء مهامه، والتي انتهت دون أن يحقق نصرًا شخصيًا ولو على حساب وطن بحجم ليبيا، فهو يتعامل مع الأزمة الليبية وكأنها ورقة ضمن سيرته المهنية حتى ولو مارس (آذار) الكذب والتضليل، مما جعل الحوار خطوة إلى الأمام وخطوات إلى الوراء، ثم جاء خليفته مارتن كوبلر مثقلا بالفشل في أفغانستان والعراق والرؤى الخاصة، مما جعله طرفا في النزاع لا وسيطا محايدا.
في اعتقادي لإنجاح الحوار، عليهم العودة به إلى ليبيا، والتوقف عن الاستقواء بالخارج، والتوقف عن استباق سوء الظن، فالحوار الوطني الجاد أولى الخطوات المهمة والأساسية فيه هي الاستماع للآخر، فالاستماع نصف الحل، ولهذا نحن في حاجة للحوار المحلي، والتوافق عليه وليس بالضرورة الاتفاق، فالتنوع والاختلاف هو نتيجة طبيعية، فنحن شعب له إرادة وطنية، لن يسمح بأن تفرض عليه حكومة فرضًا، ولا حكومة وصاية برعاية انتداب أجنبي.