كتاب 11
المرشح الإعلامي
لم يعد خافيًا على أحد مدى قوة وتأثير الإعلام في صياغة ثقافة الشعوب، سواء أكان الإعلام التقليدي القديم أم الجديد المتجدد.
وقيل في الأثر قديمًا «إن من البيان لسحرًا»، وما نراه اليوم هو هذا النوع الجديد من السحر المؤثر. فاليوم الجماعات الإرهابية وظفت الإعلام بشكل أخاذ لإيصال رسائلها لـ«القطيع» الذي يبايعها ويتبعها، رأينا تسجيلات عالية الجودة يتم إنتاجها من قبل «القاعدة» و«داعش» وخطابات متلفزة على شاشات عريضة في ساحات شعبية لحديث الإرهابي حسن نصر الله زعيم تنظيم ميليشيا «حزب الله».
وطبعًا كل هذه المؤثرات الإعلامية يصاحبها «شلالات» من المواقع والحسابات والتسجيلات، التي تدعم سياسات وتوجهات هذه التنظيمات الإرهابية المختلفة بالإشاعات والإحصاءات والأخبار الملفقة، كلها تصبُّ في صالح خطابات الجماعات الإرهابية الرسمية، وهكذا في نهاية المطاف تكون النتيجة المزيد من السذج والجهلة في أعداد المنضمين لهذه الجماعات، تحت تأثير الخطاب الإعلامي الساحر والمؤثر.
وهذا «السحر» ليس حكرًا على التنظيمات الإرهابية، ولكنه موجود لدى الساسة ونجوم دعاة الدين ورجال الأعمال والفن والرياضة.
اليوم يشهد العالم ولادة أول زعيم سياسي للناس من رحم السحر الإعلامي، والمقصود هنا تحديدًا دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية. دونالد ترامب ليس بالرجل الغبي، هو رجل أعمال ذكي وناجح، وساهم في عقد الصفقات واستغلال الظروف بأفضل الطرق الممكنة، وهو أدرك أن هناك «مناخًا» جديدًا.. فيه الخطاب المتطرف الجديد والمعادي للآخر هو «نكهة الشهر» و«طبق اليوم»، وللاستغلال المثالي لهذا المناخ بدأ دونالد ترامب في رفع حدة أطروحاته المعادية للأقليات، ونجح في جذب الشارع معه، لأنه كان مهيَّأ كالقطيع يبحث عمن سيقوده في لحظة فارقة وقد كانت.
دونالد ترامب كان «يجهز» نفسه لهذا المشهد الإعلامي منذ عقود طويلة من الزمن، أصدر الكثير من الكتب التي تخاطب عاطفة الشباب المتحفز، الراغب في النجاح، وكلها كتب خفيفة، ولكنها عاطفية وبسيطة تخاطب طموح شباب متحفز، وبعدها كان مدمنا على الظهور الإعلامي في برامج شعبية، ليثبت فيها حضوره ويسجل اسمه على أنه نجم جماهيري مرغوب، يحظى دومًا حضوره بمتابعة واهتمام متواصل ومستمر.
استمر ترامب خلال هذه الفترة في «استفزاز» الناس بتعليقات جريئة وخارجة عن اللياقة المقبولة اجتماعيا وسياسيا، ووجد أن هناك فهمًا وقبولاً غير عادي وغير مسبوق لرسالته، فضاعف من إلقائها، والمبالغة في معناها، على الرغم من عدم قناعته الشخصية بذلك.
فموقفه «الظاهري» من عدائه للمهاجرين يخالف واقعه الذي يعيشه، فزوجاته من المهاجرين وموقفه المعادي للمسلمين يخالف واقعًا يعيشه، وفيه شراكات قائمة في مشاريع مختلفة مع مسلمين من جنسيات مختلفة، هذه هي الأدلة الحقيقية لواقع دونالد ترامب.
دونالد ترامب رجل «صفقات» وسباق الرئاسة الأميركية هو آخر صفقاته، والتي اختار لها الطريق الإعلامي لكسر الحواجز واختصار الزمن، وهو ما عجز عن فهمه كل منافسيه، الذين اعتمدوا على النمط التقليدي فخسروا أمامه.