كتاب 11

08:55 صباحًا EET

ثورة أم انقلاب؟

25 يناير 2011 ولمدة 18 يوماً متتالية، خرجت حشود منادية بإسقاط النظام وبرحيل مبارك. كان جلياً أن هذه الحشود لن ترضى سوى برحيل الرئيس.

11 فبراير 2011، ينعقد المجلس العسكري دون قائده ثم يُعلن نائب رئيس الجمهورية في نفس اليوم "تخلي" الرئيس عن السلطة وتسليمه إدارة البلاد للقوات المسلحة، فتخرج الملايين فرحاً وابتهاجاً بينما تتعالى صيحات قليلة مُحذرة من انقلاب عسكري ومطالبة بالاستمرار في الميادين. أصوات قليلة قوبلت باستهجان الملايين المنتشية بنشوة النصر الزائف.
بعدها بعدة أشهر، يُطالب المحامي فريد الديب في مرافعته عن مبارك بمحاكمة المجلس العسكري بتهمة الإنقلاب على رئيس البلاد، حيث أن مبارك لم يتقدم فعلياً باستقالته. قوبلت المرافعة بالسخرية والاستهجان وبدأ التبرير: مبارك لم يتقدم باستقالته لأنه الشعب هو من خلعه. ولكن لم يكن ذلك فحوى بيان عمر سليمان الذي بناءً عليه قرر المتظاهرون ترك الميدان. فهل تقدم مبارك باستقالته أم لا؟ لم تنشر الجريدة الرسمية أية استقالة لمبارك. فإن لم يكن مبارك قد تقدم باستقالة، فماذا كان يعني عمر سليمان حينما قال أن رئيس الجمهورية "تخلى" عن السلطة؟ ثم هل يحق لرئيس الجمهورية "المتخلي" عن السلطة أن يتنازل عن الحكم للمجلس العسكري؟ هل هذه هي الإجراءات المفروض اتباعها حال خلو منصب رئيس الجمهورية؟ الإجابة لا. حيث أنه في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية، يتولى الحكم، إلى حين اجراء انتخابات رئاسية، رئيس البرلمان أو رئيس المحكمة الدستورية العليا.
إذاً ما حدث يوم 11 فبراير 2011 هو أنه إثر مظاهرات حاشدة ضد رئيس الجمهورية، قررت القوات المسلحة تولي زمام الأمور. بارك الأمريكان الخطوة وخرج علينا أوباما، في نفس اليوم، بخطاب عاطفي أشاد فيه بموقف مبارك وامتدح فيه المصريين. ثم خرجت القيادات الغربية من بعده للإشادة بنجاح الثورة المصرية، ممتدحين ومشيدين بالمصريين ومحتفين بالثورة المصرية التي "اكتملت" على خير بانتصار الشعب. قليلون من لم تنطل عليهم الخدعة وتنبهوا للإنقلاب الناعم الذي تم تحت رعاية الأمريكان الراغبين في تحويل مصر إلى باكستان جديد يحكمها العسكر والوهابية في مقدمة لإضعاف الجيش وإغراق الشعب في صراعات داخلية تمهيداً لتفتيت وطننا.
لم تدرك الإدارة الأمريكية ولا القيادات العسكرية المصرية التغير النفسي الذي حدث في الشعب المصري عبر ثلاثة ليال فارقة في تاريخ مصر: 26 و27 و28 يناير. ليال الدم والرعب. قطاعات كبيرة من الشعب المصري خرجت للشارع وبذلت من الدم ما لا تستطيع معه أن تهنأ دون أن تعود بوطنها مهما طال الأمد ومهما كانت التضحيات. ثم بدأ الإنقلاب العسكري يكشف عن وجهه القبيح: محاكمات عسكرية، مواجهات دموية، تصعيد للتيارات الدينية حتى أصبح جلياً أن القيادة العسكرية للبلاد اختزلت الثورة في إزاحة مبارك عن الحكم. وتزايدت المواجهات الشعبية مع القيادة العسكرية من جراء السياسات القمعية المتوقعة عقب أي انقلاب حتى بدأ هتاف يسقط حكم العسكر يعلو صاخباً.
16 شهراً دامية هي فترة حكم العسكر، أوضحت بما احتوته من قمع واجراءات استثنائية أن ما حدث يوم 11 فبراير 2011 لم يكن سوى انقلاباً، فماذا كانت، خلال تلك الأشهر، ردة فعل الإدارة الأمريكية التي تنوح حالياً على الإخوان كأم ثكلى؟
ثم بدأ عصر الإخوان لتقرر الأطراف المتصارعة، وإن اختلفت أهدافها، أن الوسيلة هي إجهاد المصريين بأزمات لا تنتهي. وأتت هذه السياسة بثمارها وكان يوم 30 يونيو، حيث خرجت حشود كاسحة في مظاهرات وصفت بأنها الأضخم في تاريخ الإنسانية، واستمرت المظاهرات لأيام مطالبة برحيل رئيس الجمهورية اعتماداً، حسبما أُعلن، على 22 مليون استمارة سحب ثقة، وهو عدد أكبر بكثير من عدد من انتخب مرسي. لكن رئيس الجمهورية صم أذنه وقرر الاستمرار في منصبه، متجاهلاً المظاهرات والحشود التي طالت محافظات كثيرة حتى بات جلياً أن المجتمع المصري في طريقه إلى عصيان مدني، فقررت القوات المسلحة، مثلما حدث يوم 11 فبراير 2011، أن تتدخل ولكن هذه المرة كان التدخل مختلفاً، حيث طل علينا وزير الدفاع ومعه شيخ الأزهر وبابا الكنيسة وممثل عن الاحزاب الوهابية وممثلين عن حركة تمرد والتيارات الوطنية وفي بيانات متتالية معلنيين عن خارطة طريق مدتها عام تشمل إقالة رئيس الجمهورية وتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا منصبه بصورة مؤقتة حتى إجراء تعديلات دستورية يتبعها انتخابات برلمانية ورئاسية. أي أن الإجراءات المتبعة هذه المرة تتم وفقاً للدستور.
ثم خرج علينا بعدها المتحدث العسكري مؤكداً على أنه لن يتم اتخاذ أية إجراءات استثنائية. وبالفعل، لا يزال حتى الآن اعتصام رابعة قائماً وعلى منصته يخرج الناس منددين بالإنقلاب ومع ذلك لم نسمع حتى الآن عن أية محاولة لفض الإعتصام بالقوة. لم نشهد حتى الآن الإجراءات القمعية الاستثنائية المتوقعة عقب أي إنقلاب. لم نسمع عن إحالة أي مدني لمحكمة عسكرية. لو أن ما حدث انقلاباً ما كان ليُسمح باستمرار اعتصام رابعة المندد بالإنقلاب ولنتذكر أحداث محمود محمود ورئاسة الوزراء وماسبيرو والعباسية وغيرها. أنا لا أهون من حرج الوضع الذي أوصلنا إليه الإخوان بحماقتهم ولكن 30 يونيو، حتى الآن، هو تصحيح لمسار 11 فبراير. نعم لقد عدنا لهذا التاريخ، والآن لدينا الفرصة أن نسير بصورة سليمة، آملين أن تكون القيادات العسكرية قد استوعبت الدرس وأدركت طبيعة التغير الذي حدث للمصريين.
نأمل أن يكونوا قد أدركوا أن المصريين لن يقبلوا بأية تبعية للولايات المتحدة، فمصر وطن حر مستقل. 30 يونيو ليس صراعاً بين الإدارة الأمريكية التابعة للديمقرطيين والكونجرس ذو الأغلبية من الحزب الجمهوري. 30 يونيو ليس مجرد ثورة على الإخوان. 30 يونيو رفع نفس الشعارات القديمة: عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية. هذه هي أهداف الثورة التي سيظل المصريين في الشارع حتى تتحقق.
ما حدث في 2013 هو نفس ما حدث في 2011: مظاهرات شعبية كاسحة تبعها تدخل من القوات المسلحة لحسم الموقف لصالح الإرادة الشعبية. ولكن على عكس 2011، تبدو القيادة العسكرية هذه المرة غير راغبة في الحكم، فعلى عكس 2011 لا تتصدر القيادة العسكرية المشهد ونأمل أن يكون ذلك معناه أنها بالفعل غير راغبة في الحكم، كما أن منسق جبهة الإنقاذ والقائد الذي ارتضاه الثوار لأنفسهم، الدكتور البرادعي، تولى منصباً رسميا في الدولة، على عكس ما حدث في 2011 حين تم إقصاؤه كلية عن المشهد.
فلماذا لم تشيد الإدارة الأمريكية بثورة المصريين وموقف الجيش الذي كما حدث في 2011؟ هل لأن مرسي رئيس منتخب؟ لكنه قام بعد ذلك بإعلان دستوري ضرب به الديمقراطية كما أن مبارك أيضا استمر في الحكم عبر صناديق الانتخابات. هل لا تعلم الإدارة الأمريكية أن مرسي مطلوب للتحقيق في القضية المعروفة بهروب مساجين وادي النطرون وبالتالي واجب عزله.
لماذا لم يخرج علينا الرئيس أوباما في خطاب ليمتدح أكبر تظاهرة في تاريخ الإنسانية؟
الإجابة هي لأن الخطاب الأمريكي هو خطاب قائم على المصلحة، فالإدارة الأمريكية أشادت بالثورة في 2011 ليس إعجاباً بها ولكن لأن مصلحتها كانت تقتضي ذلك، والآن تعتبر30 يونيو إنقلاباً لأن مصلحتها تقتضي ذلك وليس كرهاً في ثورة المصريين. إنها المصلحة لا أكثر ولا أقل. فالإدارة الأمريكية لم تدرك حتى الآن أن مصلحتها في مصر، بل وفي الشرق الأوسط، تقتضي احترام إرادة الشعب المصري.
فهل 11 فبراير 2011 كانت ثورة أم انقلاباً؟
و30 يونيو 2013 كانت ثورة أم انقلاباً؟
مش مهم.
المهم هو إن بلدنا تنضف من الاستبداد والفساد اللي نخر عضامها.
المهم هو إنه تكون عندنا مؤسسة عسكرية فاهمة إن شغلها هو حماية البلد مش حكمها.
المهم هو إن شعار الدولة يكون: الإنسان المناسب في المكان المناسب.
المهم هو إن أهداف الثورة تتحقق: عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة انسانية.

التعليقات