كتاب 11
النفاق!
بدأت ملامح هذا الشهر الفضيل وخرجت علينا أخبار من قوى الشر الرافعة رايات الدين، فها هي «داعش» تقوم بقتل خمسة من رجال الأمن في الأردن بدم بارد في هجوم مباغت، وكذلك قامت تنظيم ميليشيات «حزب الله» الإرهابي بمساعدة جيش نظام بشار الأسد بقتل عشرات الأطفال في مدينة حلب بعد إمطار المدينة بالصواريخ والقذائف. هذه مجاميع إرهابية رفعت أعلاما وشعارات باسم الدين الإسلامي، بل سمت نفسها بأسماء مقتبسة من الدين الإسلامي نفسه. مجاميع استباحت كل شيء وأسقطت حرمة كل شيء، ومع ذلك يطلق على بعض منها الفئة الضالة، بل يجب التعامل معهم على أنهم فئة باغية أعلنت الحرب على المجتمعات الإسلامية وغيرها واستباحت دماءها بشكل عظيم وغير مسبوق.
يحدث كل ذلك أمام أعيننا، ولا يزال يسمح للفتاوى والآراء المؤججة للتعصب التي تصل إلى النتائج الدموية المقززة كمثال على ما ذكرته… هذه الفتاوى أصحابها لا يزالون بخير ومنتشرين يؤججون العنف ويزكون الموت. الأرضية الصانعة للإرهاب لا تزال بألف خير ومؤثرة ومنتجة وفعالة للغاية. أجد من السخرية ومن الشيء المريب الباعث على للدهشة تركيز الآراء على التحذير من القنوات التلفزيونية التي تبث البرامج الدرامية بشكل مركز ومكثف خلال الشهر المبارك، واعتبار ذلك الأمر «عملاً شيطانيًا» و«مدمرًا لمستقبل الأمة»، بينما إذا ما حدثتهم عن هؤلاء أصحاب الفتاوى والجماعات الإرهابية تجد «حسن الظن» و«الدعاء لهم بالهداية» وأنهم «مجموعة نيتها جيدة ولكنهم ضلوا الطريق بالحماس الزائد». هذه الأعذار التبريرية لا تقل خطورة عن المساعدة المباشرة لهم، لأن هذه الذهنية التبريرية «تخفف» تلقائيًا من وطأة وخطورة فكر وتصرفات هذه الجماعات الإرهابية الخسيسة.
أتابع بدهشة الهجوم المركز على محطات التلفزيون وعلى التجار من قبل أصحاب الرأي المتطرف (وقد يكون لديهم وجهة نظر جديرة بالمتابعة في هذا الموضوع)، ولكن حينما تقارن بموقفهم من الفرق الإرهابية تجد الازدواجية الفجة في المواقف وتسقط بالتالي الحجة مهما كانت قوية ومقنعة وبليغة.
المشكلة الأخطر تكمن حينما يتبع أصحاب الفكر المتطرف في نقاشاتهم، حين مواجهتهم بكارثة أفعال وتصرفات الفرق الإرهابية، أسلوب «تغيير الموضوع» لإبراز تصرفات «الإعلام الذي باع الأمة» و«الإعلام الذي غيب الشباب» وغير ذلك من الاتهامات المسبقة التعليب. هذا التجهيز المسبق في النقاش يجعل الإنسان في ريبة وقلق وشك من هذا الفكر وهذه الازدواجية الغريبة.
الأرضية الداعمة للإرهاب لا تزال بألف خير وحرصها على إبراز «أعداء آخرين للأمة» حتى لا يكون التركيز «وحده» على هذه الجماعات الإرهابية التي تمارس القتل باسم الدين ولديها تعاطف عريض بين الناس بسبب من يبرر لهم ويعطيهم الأعذار.
التحدي كبير، ولا يزال قائمًا، ولن يتم الحصول على نتائج إيجابية فعالة إلا بالمواجهة الصريحة الحقيقية.