كتاب 11

09:06 صباحًا EET

الإسلام السياسي وديمقراطية إعدام سقراط

سقراط الفيلسوف اليوناني العظيم أعدمته عام 399 قبل الميلاد حكومة ديمقراطية صوتت على قتله بعد اتهامه بالهرطقة. منذ ذلك الحين والنواح على سقراط لم يتوقف، فأية ديمقراطية تلك التي تقتل فيلسوفاً من أعظم فلاسفة الإنسانية! إنها الديمقراطية التي تمنح الحرية لأعداء الحرية قبل أن تضع الدعائم التي ترتكز عليها.  

لست عالمة متخصصة في العلوم السياسية ولكن هذا ما أفهمه. إن الديمقراطية مثلها مثل أي حركة متصلة بديناميكية المجتمع تمر بأطوار. والديمقراطية في طورها الأول يجب أن تعني فقط بإعمال إرادة الأغلبية ورغبتها في إنشاء دولة ضامنة للتعددية والحرية السياسية عبر دستور سليم، فالمجتمع الذي يغفل إقامة التعددية السياسية كركيزة أساسية للدولة لا يستطيع أن يقيم نظاماً ديمقراطياً. وبالتالي ونتيجة طبيعتها الفكرية ومنهجها الإقصائي، فإن التيارات اليمينية واليسارية المتطرفة ليس لها دور في تلك المرحلة. لا يمكن أن تقيم نظاماً ديمقراطياً حقيقياً مع شركاء لا يؤمنون بالديمقراطية التي تعتبر بالنسبة لهم مجرد وسيلة للوصول للحكم قبل هدم أسس الديمقراطية وإحكام القبضة على السلطة عبر نظاماً استبدادياً. لذا أخطأت الثورة المصرية عندما قامت بانتخابات قبل أن تضع دستوراً يضمن التعددية والحريات فسمحت لأعداء الحرية أن يصلوا للحكم، ليبدأ مرسي عهده بإعلاناً دستورياً مؤسساً للفاشية مع أحزاب الإسلام السياسي قبل أن يدير الإخوان لهم ظهرهم وينفردوا بالحكم.
ولكن هاهم المصريون، وبعد عام من الأزمات والإفقار كي يقبلوا بيع أرضهم، يخرجون من جديد في جموع حاشدة. فهل استوعبنا الدرس؟
يجب علينا أولاً، إعمال إرادة الأغلبية ورغبتها في إنشاء تعددية دستورية ووضع نظام يحمي الحرية السياسية بعيداً عن أعداء الحرية ثم يأتي بعد ذلك حق تيارات اليمين واليسار المتطرف في المنافسة والحياة السياسية في مرحلة لاحقة. إن أي خطأ في هذه المرة يعني دخولنا في نظام فاشي أكثر استبداداً من نظام الإخوان. إن الدستور الضامن للحريات هو الذي يمهد الطريق للديمقراطية وليس العكس. وهذا هو جوهر الصراع الحالي بين أغلبية رفعت شعار الحرية وبين أقلية رفعت شعار الفاشية الدينية بصور وأشكال بعضها فج وبعضها ناعم. هذا هو ما أوصلنا إليه إجراء انتخابات قبل وضع الدستور: صراع إرادات بين شعب وتيار استتب له أنه بوصوله للسلطة يمكنه أن يتلاعب بمصير بلد وفقاً لأجندته الخاصة.
الديمقراطية هي حكم الأغلبية ولكن كي تصل للديمقراطية الحقة يجب أولاً أن تضع الدستور الضامن لحرية الفرد وكرامته وإلا سيعدم سقراط مراراً وتكراراً ودائماً باسم الدين.
إننا بإغفالنا وللمرة الثانية أن التيارات المتطرفة ليس لها دور في المرحلة الحالية حتي تتأصل في المجتمع ثقافة الحريات والتعددية في النظام السياسي والاجتماعي وتصبح منهاجاً وأسلوب حياة وليس فقط صناديق انتخاب نكون ارتكبنا خطأً فادحاً بحق أنفسنا. إن أساس الديمقراطية هو الفكر الحر والإيمان بالمواطنة التي تنصهر في بوتقتها الأديان والطوائف والأعراق، بينما الايدولوجيات المتطرفة هي بطبيعتها تعتمد على السلوك الاقصائي.
من ناحية أخرى، لا يجب علينا إغفال أن مصر دولة توازن ومن هنا تأتي أهميتها للعالم الخارجي. من الخطر، تجاهل الخطر الخارجي، على الجميع، حتى التيارات الدينية، أن تدرك أن المواجهة مع أمريكا حالياً أصبحت سافرة ومباشرة. تحقيق الكونجرس مع الإدارة الأمريكية يعني أن الأيام القادمة ستكون عصيبة وعلى الجبهة الداخلية أن تكون متحدة، فهل تدرك التيارات الدينية ذلك؟ نحتاج أن يكون على رأس الدولة من له خبرة في إدارة العلاقات الدولية المتشابكة حتى تحصل مصر على استقلالها، فهل يفيق اتباع التيارات الدينية؟ وصول وجوه لها مصداقيتها وثقلها الدولي لسدة الحكم في هذه الفترة الحرجة من تاريخنا أمر لا غنى عنه لمحالة إنقاذ الاقتصاد المصري من وعكته. فهل يدرك من بقي من عقلاء ذلك؟
اللهم أغثنا من عقول نضبت وضمائر ماتت.

التعليقات