كتاب 11
راجع «يتدمر» راجع لبنان
المراقب للشأن اللبناني لا بد من أن يصاب بالدهشة تارة والاشمئزاز تارات؛ فالخطاب السياسي لا يزال كما هو لم يتغير، تحكمه الطائفية المقيتة، وتسيطر عليه الزعامات السياسية التقليدية. لم يتعظ ساسة لبنان من حرب أهلية هائلة استمرت لأكثر من عقدين من الزمان لم تبقِ على أخضر ولا على يابس.
ها هم اليوم يكررون نفس الغلطات مجددا، ويسمحون لقوى الشر «الخارجية» بأن تسيطر على دمى داخلية ترفع شعارات أشبه بالمخدرات للعامة يسوقونهم من خلالها إلى التهلكة الجماعية. من يصل إلى مطار بيروت الدولي ويخرج منه باتجاه قلب العاصمة التجاري، سيصاب بالصدمة، وهو يرى بعينيه كل الصور الكبيرة المعلقة لشخصيات «غير لبنانية» تصاحبها أقوال لهم وأعلام بلادهم، في تبجيل عجيب ومريب يتناسب مع الاحتلال الإيراني الواضح للبنان.
فريق تنظيم ميليشيا «حزب الله» الإرهابي يسيطر على المشهد السياسي في لبنان بقوة السلاح، وهي القوة التي راح ضحيتها كثير من الوجهاء والشرفاء في لبنان، الذين حاولوا أن يكونوا في مواجهة تنظيم إرهابي عميل لمخطط خارجي. باع هذا التنظيم الإرهابي بضاعة «المقاومة» وإخراج المحتل الإسرائيلي، و«خدر» العامة بنشوة انتصار المقاومة، ولكنه كان يعمل بالتدريج على استبدال احتلال إيراني تام للقرار السياسي، بالاحتلال الإسرائيلي، احتلال يشل الهوية اللبنانية ويغتال الشرفاء في لبنان.
إنه المشهد الحقيقي للتدهور الحاصل في المشهد اللبناني. حرص التنظيم الإرهابي على التركيز على فكرة «المقاومة» بينما كان ينفرد بإحداث الشلل التام والتدريجي في مؤسسات الدولة اللبنانية، والمساهمة الفعلية في ترسيخ الفراغ المطلوب للاستيلاء بالقوة على القرار السياسي مع الوقت، والمشاركة من جهة أخرى في تقوية نظام بشار الأسد المجرم القاتل لشعبه لفترة متواصلة تجاوزت الخمسة أعوام، بشكل أحمق ومجنون وموتور، لم تعرف له البشرية مثيلاً في التاريخ المعاصر.
لبنان عائد لكي يدمر نفسه بنفسه، وهو يسمح لنفسه بأن يكون تحت سيطرة فصيل إرهابي طائفي بامتياز، يخالف كل القيم التي بنى نفسه عليها.. لبنان عندما أعلن استقلاله ذات يوم، قدم نفسه للعالم على أساس أنه نموذج للتعايش والتسامح والحضارة، وأنه واجهة مدنية وعصرية لمجتمع تواق للتقدم.. ها نحن نرى فيه الرجعية والمذهبية والعنف والتشنج العنصري، وهو يسمح لنفسه بأن يقاد إلى التهلكة من فريق لا يؤمن إلا بالعنف والطائفية والولاء لمن هو خارج المنظومة الوطنية.
لبنان عائد بقوة إلى تدمير نفسه.. مسألة وقت.. فهذا المشهد البائس نهايته أسوأ من كل خيال.