كتاب 11
إيران والحج والطريق المسدود
تصريحات المسئولين الإيرانيين من الدرجة الثانية أو الثالثة التي تأتي قبيل موسم الحج باتت لعبة قديمة بقدم الثورة الخمينية. الحج خط أحمر، ويعتبر في مفهوم المصالح الوطنية، من المصالح الإستراتيجية السعودية العليا (الوجودية)، ولذا ننصح إيران أن لا تقرب هذه الحدود فهو طريق مسدود. جربت إيران منذ ثورة الخميني أن تُمارس بعض من شيطنتها خلال موسم الحج لكنها فشلت في تحقيق أي تقدم أو الحصول على أي تنازلات أو ميزة عن كثير من الدول الإسلامية. شعيرة الحج كما وردت في التنزيل الحكيم تتطلب الإبتعاد عن ثلاثة: الرفث؛ والفسوق؛ والجدال. ويجدر بإيران أن تحترم مكانتها في الدول الإسلامية، وتحترم شعبها ومواطنيها، وتحترم خصوصية الحج؛ وتحترم السيادة والعلاقات الدولية. الحج ركن من أركان الإسلام، تقوم السعودية على تقديس وتعظيم هذه الشعيرة، وتبعاً لذلك تبذل الغالي والنفيس لكي يؤدي كل حاج تلك الشعيرة بيسر وسهولة وأمان وإطمئنان.
فقد رفض وفد شؤون الحج الإيراني التوقيع على محضر الاتفاق لإنهاء ترتيبات حج هذا العام، حسب بيان وزارة الحج السعودية، معللاً ذلك برغبته في عرضه على مرجعيتهم في إيران، ومبدياً إصراراً شديدا على تلبية مطالبهم المتمثلة في التالي: (١) أن تمنح التأشيرات لحجاجهم من داخل إيران؛ (٢) إعادة صياغة الفقرة الخاصة بالطيران المدني فيما يتعلق بمناصفة نقل الحجاج بين الناقل الجوي الإيراني والناقل الجوي السعودي مما يعد مخالفة للمعمول به دولياً؛ (٣) تضمين فقرات في المحضر تسمح لهم بإقامة دعاء كميل ومراسم البراءة ونشرة زائر، وهذه التجمعات تعيق حركة بقية الحجيج من دول العالم الإسلامي. وأوضح بيان وزارة الحج السعودية أن “الوفد الإيراني غادر المملكة دون التوقيع على محضر الاتفاق لترتيبات حجاجهم لهذا العام، مع العلم بأن وزارة الحج والعمرة رحبت وأوضحت للوفد الإيراني بأنه فيما يتعلق بمنح التأشيرات للحجاج الإيرانيين، فإنه بالإمكان الحصول على تأشيرات الحج إلكترونياً من خلال إدخال بيانات حجاجهم باستخدام النظام الإلكتروني الموحد لحجاج الخارج”.
يمكن لإيران أن تمكر سياسياً أو إقتصادياً، فهذا أمر طبيعي بين الدول في الخصومات السياسية، لكن توسيع ذلك المكر ليشمل الدين بتأجيج الطائفية، فهذا أمر مستنكر ليس من إيران فحسب، بل من أي دولة مهما بلغت حالات التخفي والإتهامات المضادة في التحريض الطائفي. أما تسييس الحج وإستخدام موسمه المقدس للممارسات السياسية فهذا أمر ستتصدى له السعودية بكل حزم وعزم، والساسة في إيران يعرفون ذلك تمام المعرفة. إستخدام ورقة الحج ممارسة غبية لأنها تنعكس سلباً على الداخل في إيران وتعكير صفو الشعب الإيراني في أداء شعيرة يتطلع إليها بشوق. كما تنعكس الممارسات السياسية الغبية على موقف إيران في منظومة الدول الإسلامية وتعزلها أكثر، فالمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ومن خلفهم دولهم وحكوماتهم لن يقبلوا بأن تقف إيران أو أي دولة عائقاً أمام حج مبرور وميسور.
ناورت إيران إقتصادياً في منظمة أوبك بعد إنعتاقها جزئيا من العقوبات وذلك في أخر إجتماع للمنتجين من داخل وخارج المنظمة في الدوحة، وتلك المناورة معروفة في إطار المماحكات السياسية. كما تناور إيران في قضايا تتهم فيها بالتدخل في دول عربية كالعراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين، وإجتهدت السعودية في تشكيل حائط صد لحماية مابقي من النظام العربي الذي ضربه تسونامي “الربيع العربي”. وتناور إيران في مجلس الأمن، والجمعية العمومية للأمم المتحدة، ومؤتمر التعاون الإسلامي، ووكالة الطاقة النووية، ومنظمات حقوق الإنسان، ودعاوى الأقليات، والسعودية تتصدى لتلك المناورات في إطار الخصومة السياسية. لكن موضوع الحج والمناورة فيه أمر لن تساوم أو تناور السعودية فيه مهما بلغت المشقة والتضحيات.
إقتحام السفارة السعودية في طهران، وإحراق القنصلية السعودية في مشهد، عمل إجرامي يخالف كل الأعراف والمواثيق الدولية، وإيران وساستها وحكمائها يعرفون ذلك. وكان حري بالساسة في إيران أن يدركوا عواقب ذلك العمل، والجميع يعرف أن تلك الغوغائية تمت على مرأى من السلطات الأمنية الإيرانية. إقفال السفارة وقطع العلاقات كان نتيجة حتمية ومنطقية لمجموعة من الممارسات الخاطئة التي ناورت بها إيران ولم تدرك عواقبها. ولذا لا يمكن لأيران أن تتمحك بالحج للوصول إلى تنازلات أو مقايضات مع السعودية. فحري بها أن تقبل وتقدر أن السعودية لم تتشدد في موضوع قدوم الحجاج من إيران وأخذهم بجريرة وسوء فعل أجهزتهم الرسمية والسياسية. فالسعودية خير من يعلم عِظم شعيرة الحج، وتوق وشوق الحجاج الإيرانيين لأداء تلك الفريضة وزيارة المسجد النبوي الشريف، لكن من دون رفث أو فسوق أو جدال.
تملك السعودية الحق الديني والسياسي والأخلاقي والأمني لمنع إيران وحجاجها من الحج لعام أو أكثر لأن السعودية هي المسئول الأول عن المكان والزمان والشعيرة والأداء ليس تجاه فئة من المسلمين بل لكافة المسلمين من (٧٦) دولة. فعدد الحجاج الإيرانيين لا يتجاوز (٨٠) ألف حاج يشكلون ما نسبته أقل من (٣٪) من عدد حجاج الداخل والخارج الذين يقفون على صعيد عرفات. فهل يجوز أن تتحكم هذه النسبة الضئيلة في أمن وإطمئنان الغالبية العظمى من الحجيج؟ المزعج في الأمر، أن نسبة ضئيلة من مجموع حجاج إيران يأتون مسيسين ويحملون أجندة خاصة، ترفض التعليمات الأمنية أو التنظيمية في مشعر عرفات ومزدلفة ومنى وحول الحرم المكي وفي المدينة المنورة بجوار مسجد رسول الله (ص) مما يعطل الإنسيابية والخطط المرسومة لتفويج الحجاج والمعتمرين والزائرين ويزرع الفوضى والتخويف. الأنكأ، أنه بمجرد حصول حادثة نتيجة تلك الفوضى وعدم الإنضباط الإيراني، تقوم الدنيا ولا تقعد من الساسة في إيران.
ختاماً، الحج خط أحمر، لا يسمح لإيران أو غيرها، بإستخدامه لتنفيذ أجندة سياسية. وإذا كانت إيران قد ناورت في قضايا سياسية أو إقتصادية فمن الغباء والخطر أن تناور سياسيا في موضوع الحج. على الساسة في إيران أن يفرقوا بين القضايا ذات الهامش المتاح للمناورة، وبين القضايا الإستراتيجية والحدود ذات الخط الأحمر، فلا يقربوها، وعلى رأسها الحج ومناطق الحرمين الشريفين، في الزمان والمكان. ختاماً، يمكن لإيران أن تقول ما تشاء وتتهم السعودية بما تشاء، لكنها ستقف عاجزة أمام تشويه الصورة السعودية الناصعة لخدمة ضيوف الرحمن والحرمين الشريفين. حفظ الله الوطن.
كاتب سعودي.
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst