كتاب 11
حتى أنت يا سناوي
كتب أستاذنا القدير عبدالله السناوي مقال في صحيفة الشروق بعنوان رئيسي “الخروج عن التاريخ”، وآخر فرعي يقول ” المصريون لا يخترعون التاريخ من جديد في جزيرتي “تيران” و “صنافير”. كنّا نظن عندما قرأنا العنوان الرئيسي أن أستاذنا السناوي يكتب مقال لدحض كتاب فرانسيس فوكوياما حول “نهاية التاريخ”، وإذا به يكرر التاريخ بحديث لتحريض الشارع المصري، ويكتب كلاماً ليس فيه أي قيمة مضافة، فهو ترديد وتكرار لصراخ غوغائي، لا يؤدي إلا إلى نقد السلطة بدعاوى أخرى. السناوي ليس بدعاً من مجمل من كتب وصرخ وإنتقد ورفض وعارض وسوّف وسوّق لحجج يظنون لأول وهلة أنها قانونية ودامغة، مع أن الواقع والحقيقة أنها ليست كذلك، وتفتقر إلى أول أساس من أسس المناظرة والجدل والمرافعة والمدافعة. ولهذا، فإننا مثلما تحدينا الإعلامي الكبير الأستاذ إبراهيم عيسى في موضوع الجزيرتين، فإن التحدي قائم حتى مع استاذنا الكبير عبدالله السناوي.
كتب السناوي أن “من ألغاز اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية أن كل البدائل استبعدت. أولها، التحكيم الدولى بحجة أنه ليس هناك تنازع بين البلدين. وثانيها، الاستفتاء الشعبى على الحق فى السيادة وفق نص دستورى ملزم.” وهنا نتساءل كيف تكون بدائل في حق الغير، أو في أصل لا تملكه الدولة المصرية أو الشعب المصري. عدم الملكية يهد الأساس الذي يجادل به الأستاذ السناوي. فحتى لو كان هناك إستفتاء، فإنه يتم في حالة أن الجزر التي كانت في العهدة المصرية، مأهولة من ساكنين على الجزيرتين أو القاطنين فيها لأي أسباب تجارية أو خلاف ذلك. ولا يكون الإستفتاء حول ملكية الجزر، لأن مصر لا تملكها في الأساس. وبالرغم من الكلام الكثير الذي قيل وكتب خلال الأسابيع الماضية، لم يذكر أحد بأن الجزيرتين كانت مأهولة بسكان من الجنسية المصرية ليتم إستفتاءهم حول تقرير تبعيتهم بعد عودة الجزر إلى السعودية.
الجزر سعودية، وكما أشرنا سابقاً، بأنه قد تم سحب القوات المصرية في العام ١٩٥٦م المتواجدة للحماية والمراقبة، ضمن سحب الجيش من أطراف سيناء وتوجيهه للدفاع عن قناة السويس إبان الإعتداء الثلاثي على قناة السويس، ولم تعود تلك القوات العسكرية للتواجد في الجزر إلا قبيل العام ١٩٦٧م بطلب تقدم به آنذاك الفريق علي علي عامر قائد جيوش الدول العربية والفريق عبدالمنعم رياض، في زيارة قاما بها برفقة وفد عسكري إلى تبوك حيث يتمركز اللواء الحادي عشر بقيادة الفريق طراد الحارثي، وهو الجزء المخصص للمشاركة مع القوات العربية المشتركة، وكان الفريق سعيد العمري – والد كاتب هذه السطور – قائداً لمنطقة تبوك والخليج آنذاك، وتم التباحث حول رغبة مصر بأن تضع على الجزيرتين قوات مصرية للحماية والمراقبة، خصوصاً وأن القوات المصرية كانت تقوم بتلك المهمة حتى العام ١٩٥٦م. وقد حررت وثائق رسمية بهذا الخصوص وكان من بين الحضور عدد من الضباط المصريين والسعوديين منهم الفريق علي قباني والعميد طاهر مختار وكانا من ضمن فريق العمليات في القيادة الموحدة لجيوش الدول العربية بقيادة مصر حينذاك.
لكننا سنأتي بحجة أخرى جديدة تدحض كل حجج العقلاء، ونظن أن أستاذنا عبدالله السناوي واحد منهم. وذلك بالعودة إلى الدستور المصري الجديد، الفصل الثاني: المقومات الإقتصادية، المادة (٤٣) والتي تذكر ما نصه: “تلتزم الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها، والحفاظ عليها بصفتها ممراً مائياً دولياً مملوكاً لها، كما تلتزم بتنمية قطاع القناة، بإعتباره مركزاً إقتصادياً متميزاً” إنتهى الإقتباس. حسناً، أين الدليل؟ يجب ملاحظة “ممراً دولياً مملوكاً لها”. فقناة السويس هي ممراً دولياً مملوكاً للدولة المصرية، وتأتي الملكية من كون الأراضي على ضفتي القناة أراضٍ مصرية. فلو كانت جزيرة تيران أرض مصرية لكان مضيق تيران ممراً دولياً مملوكاً للدولة المصرية، تماماً مثل قناة السويس. لكن مضيق تيران ليس كذلك، فمثله مثل مضيق هرمز، وباب المندب، تشاطيء ضفتيه دول مختلفة. ولذا لم يأتِ الدستور المصري الجديد على ذكر مضيق تيران من قريب أو بعيد. فهل فكّر أي من العقلاء في هذا الأمر؟
سبب الغموض الذي لف موضوع جزيرتي صنافير وتيران هو أنه يغلب على تاريخها وأهميتها الطابع الإستراتيجي والعسكري الذي إرتبط بالصراع العربي الإسرائيلي بعد حرب ٤٨، وحرب ٥٦، وحرب ٦٧، وحرب ٧٣، وكامب ديڤيد. كانت البروبغندا التي إستخدمها الرئيس الراحل عبدالناصر في أقوى مراحل حكمه (٥٦-٦٧) كثيرة وكبيرة بقدر آماله وطموحاته، ومنها حرب ٦٧م. تاريخ الجزيرتين مرتبط بالصراع مع إسرائيل. فقد ظهر للسطح بعد حرب العام ٤٨م، وتحديداً بعد إتفاقية الهدنة الموقعة في رودس اليونانية في العام ١٩٤٩م. كما أن زحف إسرائيل إلى “أم الرشراش” تلك القرية الصغيرة على خليج العقبة والتي تم تحويل مسماها إلى “إيلات”، هو ما حدا بالدولة المصرية في عهد الملك فاروق إلى وضع حماية عسكرية بتنسيق مع السعودية مالكة الجزر لحرمان إسرائيل من الإستفادة من الخليج. ولو راجع أستاذنا السناوي مقطع الڤيديو للرئيس الراحل عبدالناصر وهو يتحدث عن الجزيرتين كجزء من “بروبغندا” الحرب، سيكتشف أن هناك جملة في حديث الرئيس تفيد بإعادة القوات “الأسبوع الماضي” بعد أن إطمئن إلى موافقة السعودية كما ذكرنا آنفاً. فهل تساءل السناوي أو غيره، لماذا تبقى الجزيرتين (١١) سنة من دون حماية؟
الحجة التي يسوقها البعض بعدم مطالبة السعودية بالجزر، هي مغالطة لعدة أسباب: (١) أنه لم يكن هناك أي خلاف بين الحكومة السعودية والمصرية على ملكية الجزيرتين؛ (٢) أن الحكومتين السعودية والمصرية يعلمان بأن الوجود العسكري المصري هو لمقتضيات الصراع العربي الإسرائيلي؛ (٣) أن المطالبة السعودية بعد الإحتلال الإسرائيلي سيشكل حرجاً داخليا للسعودية؛ (٤) أن الحكومة المصرية ستعمل ما بوسعها لإسترداد الجزيرتين عند إستردادها سيناء. لم تكن السعودية في شك من أن الحكومة المصرية ستعيد الجزر عندما تتوفر الظروف الملائمة للدولتين. فعقد من الزمان أبعد مصر عن العرب بسبب إتفاقية كامب ديڤيد، كما أن الإحتلال العراقي للكويت توج بداية عودة مصر إلى مكانتها العربية في العام ١٩٩٠م. ولذا فإن الظروف الإستراتيجية والسياسية لكلا الدولتين السعودية والمصرية كانت السبب خلف هذا الغموض الذي لف موضوع الجزر.
تعرف الحكومة المصرية تمام المعرفة أن ملكية الجزر تعود للسعودية، وليس هناك نزاع أو خلاف على ذلك، فلماذا يصار إلى التحكيم الدولي؟ تعلم الحكومة المصرية أن قضايا التحكيم تستغرق وقتاً، وتتطلب وثائق، ويتعقد التحكيم بسبب السكان. حسناً، تعاملت الحكومة المصرية بما يتوافق مع مصلحتها الوطنية. فلا الوقت الذي سيستغرقه التحكيم الدولي في مصلحة مصر، وليس هناك وثائق تدعم حق مصر في الجزيرتين، كما أن الجزيرتين ليست آهلة بالسكان لكي يصار إلى إستفتاءهم أو تعويضهم . فلماذا المناكفة والتحكيم المحسوم نتيجته مسبقاً؟ لا أحد يشكك في القدرة المصرية في قضايا القانون الدولي، والدليل على ذلك قضية طابا، ولذا فإن عدم الجنوح للتحكيم ليس تساهلاً أو تنازلاً من الحكومة المصرية بل هو منطق عقلاني وقانوني وحكمة سياسية في عدم إستحضار خصومات سياسية لا مبرر لها.
أخيراً، كما سبق لنا أن تحدينا الأستاذ إبراهيم عيسى، نتحدى أستاذنا عبدالله السناوي في مناظرة علنية أخوية حول الجزر، لا تفسد للود قضية. أما إذا كان القصد من الحديث واللغط حول الجزر هو تصفية حسابات بن المثقفين والإعلاميين والكتاب المصريين وبين الرئيس والحكومة، فهذا أمر لا يعنينا. وإذا كان إستحضار قضية الجزيرتين لمنع ما هو أسوأ في موضوع سد النهضة أو حلايب وشلاتين، فتلك قضية داخلية لا تعنينا من قريب أو بعيد. المهم، هو أن التشكيك الذي يمارسه الكتاب يجب أن يتوقف عند الحق والقانون والمنطق، ولا يتأتى ذلك إلا بالحوار والمناظرة. ختاماً، يبقى أستاذنا عبدالله السناوي قامة إعلامية، لكن معطياته ضعيفه، وقراءته للمشهد يشوبها شيء من العلة، فهل يستطيع أن يناظر ويحاور ويجادل ويحاجج في العلن، أم سيكون السناوي وغيره كما قال العقاد: جهولاً يملأ الأرض سؤالاً وجوابا؟ حفظ الله مصر
كاتب سعودي
turadelamri@hotmail.com