كتاب 11

12:12 مساءً EET

خدعة الإرهاب: دروس لأوباما

نرحب بك يافخامة الرئيس في زيارة المجاملة الوداعية للخليج، ونعرف أنك ستبحث مواضيع عديدة فيها الكثير من السياسة والسلاح والقليل من الحكمة، وبالرغم من جهودكم المشكورة في عدم التدخل في المنطقة عسكرياً، كما فعل سلفكم جورج بوش الإبن، سيء الذكر، إلا أن تبنيكم لإستراتيجية محاربة “الإرهاب” التي ورثتموها عنه، وستزرعونها في المنطقة، لا تقل غباء عن أكبر كذبة عرفها التاريخ التي تقدم بها الجنرال الأسمر كولن باول في مجلس الأمن حول إمتلاك العراق أسلحة دمار شامل، لتسويغ إحتلالكم لدولة محورية في النظام الخليجي، والعربي، والشرق أوسطي مما أحال المنطقة إلى فوضى تولّد الإرهاب. ولذا رأينا أن من واجبنا أن نهدي لك بعض الدروس حول الخدعة الأمريكية في محاربة “الإرهاب”.

الدرس الأول، إتخذت الولايات المتحدة الأمريكية، بُعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، من “الإرهاب” عدواً لأنه غير معرّف أو معروف، كما أنه خارج الزمان والمكان، مما يعطي الولايات المتحدة المرونة، والقدرة، والهيمنة، في كل زمان ومكان. فبعد عداء أمريكا مع الإنجليز؛ ثم الفرنسيين؛ ثم النازية؛ ثم الشيوعية، إستقر الفكر الأمريكي على جعل الإرهاب هو العدو الجديد، ويقبع في صلب الإستراتيجية العظمى للولايات المتحدة، تكيّفه كيفما تشاء وحيثما تشاء. وبات العالم العربي ثم العالم الإسلامي ثم العالم الأوروبي يسير على إثر الولايات المتحدة، مما جعل من ضربات التنظيمات الإرهابية لا تتواجد إلا في هذه العوالم بسبب إتباع سياستكم.

الدرس الثاني، لا يوجد دولة تحارب الإرهاب في العالم كله وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، وكل ما هنالك دول تحارب الإرهابيين وتلاحقهم وتطاردهم وتقتلهم وربما تسجنهم بمحاكمة أو من دونها، والفرق كبير بين الإرهاب والإرهابيين. فالحكومات جميعها تلاحق اللصوص، على سبيل المثال، لكنها لم تستطع أن تقضي على السرقة. فبحجة محاربة الإرهاب تقلصت الحريات وخُرقت القوانين وتغيرت الدساتير وأُنتهكت سيادة الدول، وإستطاعت أمريكا أن تجمع معلومات كاملة عن معظم الشعوب تحت ذريعة تبادل المعلومات. وبالرغم من ذلك، فالولايات المتحدة وحلفاءها يدّعون محاربة الإرهاب في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن والصومال، فهل تقلص الإرهاب أم تنامى وإستفحل؟ أجب عن هذا السؤال يافخامة الرئيس.

الدرس الثالث، إحفظ هذا التوصيف للإرهاب جيداً يا فخامة الرئيس، الإرهاب هو: “وسيلة، بشرية، لرفض التهميش، بإستخدام العنف، المسلح، لأغراض سياسية، مع غياب البدائل، تستهدف الدولة/الدول، بقصد الإعتراف، و/ أو ضمان الحقوق”. إذا تعمقنا في المفردات العشرة السابقة يمكن لنا أن نعرف حقيقة الإرهاب وعندها فقط يمكن لنا تصوّر حجم الخطر من ناحية، وحجم الجهد ونوع الأسلوب الذي ينبغي القيام به للقضاء على الإرهاب، وليس الإرهابيين، من ناحية أخرى. مما يعني أن الإرهاب وسيلة سياسية موجهة ضد وسيلة سياسية أخرى (الدولة)، ولا يعالج إلا بوسائل سياسية. هذا العنف السياسي، بالمناسبة يا فخامة الرئيس، الذي يطلق عليه إصطلاحاً “الإرهاب” هو الذي رفع عدد الدول المستقلة ذات السيادة من (٢٢) دولة بُعيد الحرب العالمية الأولى في العام ١٩١٩م، حتى وصل العدد لأكثر من (١٨٨) دولة اليوم في العام ٢٠١٦م.

الدرس الرابع، الإرهاب ليس مرتبط بالدِين، أي دين، ناهيك عن إرتباطه بدين الإسلام، وإلا ماذا يمكن لنا أن نقول عن الألوية الحمراء، أو الجيش الجمهوري الإيرلندي، أو منظمة إيتا؟ صحيح أنه لابد للإرهاب من غطاء أيديولوجي مناسب يحقق أهدافه، ولذا يجد الإرهاب اليوم متمثلاً في القاعدة وداعش وبوكو حرام وشباب، غطاء دينياً مناسباً يخدم أغراضه ولو لحقبة معينه. فهناك عدد من المصطلحات في دين الإسلام مثل: الجهاد، والتكفير، والإستشهاد، والولاء، والبراء، والحاكمية، والجزية، والقتال، ودار الإيمان، ودار الكفر، والخلافة، لم تجد لها من فقهاء يترجمونها حسب الواقع المعاصر اليوم، ووجد الإرهاب فيها ضالته. ولكننا نجزم بأنه عندما يجد الفقهاء تفاسير عصرية مدنية لتلك المصطلحات، سينزع الإرهابيون عن أنفسهم ثوب الإسلام وسيتلبّسون أيديولوجية أخرى تحقق لهم أهدافهم.

الدرس الخامس، الإرهاب يافخامة الرئيس، هو عنف سياسي مسلح نتيجة ثلاثة أسباب: (١) فشل الدولة الوطنية؛ (٢) عجز النظام الدولي؛ (٣) ممارسات القوى العظمى. هذه هي الأسباب الثلاثة الحصرية للإرهاب. فمالم تتطور الدولة الوطنية في مناطق كثيرة من العالم، وتصلح هياكلها السياسية، وأنظمة الحكم فيها، وتبتعد عن التهميش لكل أو جزء من مجتمعاتها، فلن يزول الإرهاب. ومالم يتم إصلاح النظام الدولي ومؤسساته، بدءاً بمجلس الأمن، مروراً بالأمم المتحدة، وصندوق النقد، والبنك الدولي، وإعطاء الأولوية للشعوب وحريتها وحقوقها، وتقليل الهوة بين من يملك ومن لا يملك، فلن يزول الإرهاب. ومالم تكف القوى العظمى عن ممارساتها الإمبريالية، وإستخدام أساليب إستعمارية، بوسائل مستجدة، فلن يزول الإرهاب.

الدرس السادس، فشلت الدولة الوطنية في عالمنا العربي فشلاً ذريعاً لعدة أسباب: فساد الأنظمة الحاكمة؛ وتركيز الإدارة في الحكومة المركزية؛ وتأصيل النظام العشائري والقبائلية؛ وهيمنة الفكر الديني وعلو صوته. ففساد الأنظمة الحاكمة وتمسكها بالسلطة، مع تزاوج بينها وبين والمال والأعمال، ورّث الطبقة الخاصة من أفراد وأحزاب ومجاميع مصطفاة؛ وإهتمام الحكومات المركزية بالوسط همّش وأهمل الأطراف؛ كما أُختطفت هوية المجتمع بين مجال “القبيلة” الذي يختزل الوطن في العشيرة؛ وبين مجال “الأمة” الذي أضحى الوطن من خلاله نقطة في بحر. ولذا إنعدمت أسس المواطنة وأمسى المواطن يشعر أنه مهمش، ومهضوم الحقوق، ومنفصم الشخصية، وأضحت الدول العربية في ذيل القائمة في نواحٍ عديدة مثل: المشاركة السياسية؛ وتطبيق القانون؛ والحريات؛ وحقوق الإنسان؛ والشفافية؛ والتنمية البشرية؛ وحقوق المرأة والطفل؛ وإندماج الأقليات؛ والعدالة الإجتماعية.

الدرس السابع، سمحت الأمم المتحدة للعديد من المنظمات غير الحكومية (NGO) بالنشوء والإرتقاء لسد عجز الدولة الوطنية أو إصلاحها حتى بلغ عددها ما يزيد على (٤٠،٠٠٠) على الصعيد الدولي. وتشير الإحصائيات الرسمية أن (٨٠٪‏) من سكان العالم يوافقون  على أن تلك المنظمات تسهّل إجراء تغيير إجتماعي. كما أصبحت خامس أكبر إقتصاد في العالم. في المقابل، ظهرت منظمات وتنظيمات وأحزاب تستهدف التغيير الإجتماعي بأسلوب سياسي يختلط بالعنف، بمعنى أنها تمتلك السلاح وتعبر الحدود وتشكل ظاهرة جديدة في المسرح الدولي يمكن تسميتها “اللاعبين من غير الدول” Non-State Actors, NSAs والتي توصف اليوم “بالإرهاب” لأنها تتنافس مع الدولة الوطنية في إمتلاك السلاح وإستخدام الإكراه Coercion. هنا يمكن أن نشاهد في الإطار صورة: القاعدة؛ وداعش؛ وجبهة النصرة؛ وبوكوحرام؛ وشباب؛ وجماعة الأخوان المسلمين؛ و حزب الله، أو غيرها مما تطلق عليها الدول فرادى أو مجتمعة مصطلح “الإرهاب”.

الدرس الثامن، المثير في الأمر ياسيد أوباما، أنه حصل نوع من التلاقي والعلاقات بين “المنظمات غير الحكومية” و”اللاعبين من غير الدول” بسبب عدد من المشتركات. فبينما تتمتع الأولى بقدر كبير من الموارد المالية بسبب الأنظمة الرأسمالية ومن أهمها عدم إخضاع مواردها للضرائب، وبسبب الوفرة المالية والفساد في بعض دول العالم الثالث، تلاقت المجموعتان على أمر مشترك واحد وهو العمل خارج المنظومة الرسمية الحكومية، وبعبارة أدق “رفض الحكومات” Resentment of Governments. وبينما كانت المنظمات الغير حكومية بتوجهاتها الإجتماعية والمجتمعية، تسيّر كثير من أعمالها للأعمال الخيرية وبناء المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والإنغماس في خدمة مجتمعاتها حتى خارج حدودها الجغرافية بدعم ورعاية من المؤسسات الدينية، تسربت كثير من تلك الموارد المالية إلى مجموعة “اللاعبين من غير الدول” ولذا تمتعوا بقدر لا بأس به من تلك المداخيل المالية أما بشكل علني أو مستتر. وهنا نلحظ إلتقاء المجتمعي بالديني بالسياسي.

الدرس التاسع، نحن نآمل أنك قد إستوعبت الدروس الآنفة الذكر. حسناً، نعود هنا لملاحقة الإرهابيين، وهذه عمليات أمنية داخلية ترتبط بكل دولة على حدة، فالمنظمة المصنفة إرهابية في دولة لا يعني بالضرورة تصنيفها كذلك في دولة أخرى. كما أن أي تجمع دولي كبيراً كان أو صغيراً، سيفرض بالضرورة تعاطف الإرهابيين مع بعضهم البعض في دول مختلفة، وسيخلق تضامناً دولياً وتعاطف شعبي، مما يعني إتساع رقعة الميدان. ولقد سمعنا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، عندما صرح بأن (٣٨) تنظيم في العالم أعلن بيعته لـ “داعش” رداً على التحالفات الدولية ضد ما يسمى الإرهاب. ولذا فإن ملاحقة الإرهابيين هي عملية أمنية داخلية وحديّة بحتة.

الدرس العاشر، هنا نصل معك يافخامة الرئيس إلى مربط خيلنا وخيلك. فما سينتج عن زيارتك بعد زيارة وزير خارجيتك ودفاعك وإستخباراتك، هو إختطاف دولنا إلى عدو أنتم صنعتموه وتريدون أن تُستنزف مواردنا المالية والبشرية في محاربة هذا السراب الأمريكي المسمى “الإرهاب”، وهذه عين الخدعة. نحن أمة ننشد التقدم والإزدهار، فإمنعوا عنا، يافخامة الرئيس، المؤامرات والسلاح والتحالفات لعقدين من الزمان فقط، لكي يتسنى لنا إكتشاف وممارسة مصطلحات جديدة في القاموس البشري والإنساني مثل: الحب والتسامح والإخاء والسعادة وتقبل الآخر والبناء والتنمية. فنحن قوم لا نلتفت لأي أمر آخر في داخل أوطاننا وتنمية دولنا وشعوبنا بوجود البندقية والطائرة ومنظومة الصواريخ. فالعنف يتأتى من غياب البدائل، ونتمنى أن نكتشف بدائل مدنية جديدة وحضارية وبناءة.

أخيراً، لقد قمت يا فخامة الرئيس بأعمال إيجابية لوطنك أمريكا خلال إدارتك وتأمل في أن يذكرك التاريخ بذلك، فلا تزرع في أوطاننا شهية الحرب والقتال والفرقة والطائفية بحجة محاربة الإرهاب لأن التاريخ سيلعنك لذلك. الإرهاب إشكالية سياسية بحتة، ووقفه والقضاء عليه لن يتم إلا بحلول سياسية تبدأ: بتوقف القوى العظمى عن ممارساتها؛ وإصلاح النظام الدولي ومؤسساته؛ ومعالجة عجز الدولة الوطنية. كما أن محاربته لن تنجح عسكرياً على الإطلاق. ختاماً، نحن نعلم أن الخطر الإيراني وهم، وأن داعش كذبة، وإن محاربة الإرهاب خدعة، وأن الضحية لكل ذلك: ضعف دولنا؛ وتخلف شعوبنا؛ وإستنزاف مواردنا؛ لصالح إسرائيل. مع تمنياتنا لك بزيارة سعيدة ومثمرة.

التعليقات