كتاب 11

02:30 مساءً EET

هل جـزيرتي صنافير وتيران سعودية؟

كثر اللغط من البعض في مصر حول إتفاقية تعيين الحدود البحرية بين السعودية ومصر والتي تشمل جزيرتي “صنافير وتيران” ذات الملكية والسيادة السعودية ١٠٠٪‏ ، والتي لم يكن هناك تنازع عليها بين الدولتين مطلقاً حسب الوثائق التاريخية والدبلوماسية والسياسية والعسكرية، لكن لهذا اللغط، من وجهة نظرنا، أربعة أسباب: (١) أن إتفاقية تعيين الحدود البحرية جاءت ضمن مجموعة من الإتفاقيات الإقتصادية والإستثمارية والعلمية والعمالية والإعلامية والطبية كمساعدات للشعب والحكومة المصرية مما جعل البعض يسيء فهم التوقيت؛ (٢) أن جزيرتي صنافير وتيران ضمن الظل الإعلامي منذ حرب العام ١٩٦٧م وإحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء؛ (٣) الشعور الشعبي العام السائد بأن الجزيرتين تحت السيادة المصرية عززه التناسي والتقادم وبعض التصريحات والخرائط الخاطئة في الداخل المصري؛ وبأهمية خاصة (٤) أن زيارة الملك سلمان التاريخية نجحت بكل المقاييس مما أغضب البعض ممن لا يأنسون لعلاقات إستراتيجية بين الدولتين “ويؤذي نفوسهم أن ينجح الآخرون”، ولا يمانعون في إفساد الزيارة ولو بالتشويه. وسنحاول هنا أن نسلط الضوء على بعض الجوانب التي أدت إلى اللغط منعاً للغلط، خصوصاً وأن كاتب هذه السطور كان شاهد عيان على فصل مهم من قصة جزيرتي “صنافير وتيران” ومهتم بها ومتابع لها منذ ٥٠ عاماً.

يشكل عامل التوقيت عاملاً هاماً في “الشوشرة” الإعلامية التي ظهرت بعد توقيع إتفاقية تعيين الحدود البحرية، وبالمناسبة مصطلح “تعيين” يخص البحر ومصطلح “ترسيم” يخص البر في قضايا الحدود. حسب ما أفادنا به الفريق مريّع الشهراني رئيس هيئة المساحة العسكرية السابق، الذي تواصلنا معه للإستفادة من خبرته في تعيين وترسيم الحدود. والسؤال المطروح في الشارع المصري اليوم هو: لماذا توقيت تعيين الحدود الآن؟ مالم يكن معروفاً لدى العامة أن توقيع الإتفاقية جاء بعد ٦ سنوات من المباحثات إنعقدت خلالها ١١ جلسة. لكن مجيء توقيع الإتفاقية مع أكثر من (١٧) إتفاقية متنوعة بالإضافة إلى جسر الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي سيربط بين القارتين الأسيوية والأفريقية وبين السعودية ومصر، أثار تساؤلات وفُهم توقيع الإتفاقية من بعض العامة بأنه نوع من البيع والشراء أو المقايضة، أو تنازل عن السيادة أو تفريط في الأرض، وهذا أمر لا أساس له من الصحة، وتزييف للحقائق والنوايا. فلو كانت هناك نوايا حسنة ممن أثاروا البلبلة لفهموا الأمر في سياق الزيارة أنها بداية حقبة جديدة بين الدولتين ومن أهم عناصر الحقبة الجديدة هو التخلص من القضايا الرمادية وإزالة الغموض وتوضيح الحقائق من خلال إتفاقية علنية رسمية تمر بكل الإجراءات الدستورية والقانونية في البلدين لطوي صفحة هذا الملف الرمادي.

تقع جزيرتي “صنافير وتيران” في شمال البحر الأحمر على مدخل خليج العقبة، وتتموضع صنافير في الشرق بمحاذاة الحدود السعودية وتتموضع تيران محاذية لها من الغرب ويفصل بين الجزيرتين المتجاورتين تماماً، وشبه جزيرة سيناء ممر أو “مضيق تيران” ذو الأهمية الإستراتيجية، إذ يقع المضيق على مدخل خليج العقبة. وتبلغ مساحة جزيرة صنافير (٣٣) كم مربع، بينما تبلغ مساحة تيران (٨٠) كم مربع. وتشير أقدم الوثائق المتواجدة التي تم الإستشهاد بها، وهي إتفاقية ترسيم الحدود بين الإمبراطورية العثمانية ومصر في العام ١٩٠٦م أن الجزيرتين لا تتبع السيادة المصرية ولم تأت على ذكرها، بالرغم من تناول الإتفاقية كامل التعيين والترسيم الحدودي المصري. وبعيّد حرب ٤٨م بين العرب وإسرائيل وإتفاقية السلام الموقعة مع مصر في العام ١٩٤٩م، قامت القوات المسلحة المصرية في العام ١٩٥٠م بوضع مجموعة من الجنود ومخفر شرطة على الجزر للحماية والمراقبة، وقد تم إشعار السعودية بذلك ما يدلل على إعتراف الدولة المصرية بالسيادة السعودية على الجزر.

تم سحب تلك القوات المصرية في العام ١٩٥٦م المتواجدة للحماية والمراقبة، ضمن سحب الجيش من أطراف سيناء وتوجيهه للدفاع عن قناة السويس إبان الإعتداء الثلاثي على قناة السويس، ولم تعود تلك القوات العسكرية للتواجد في الجزر إلا قبيل العام ١٩٦٧م بطلب تقدم به آنذاك الفريق علي علي عامر قائد جيوش الدول العربية في زيارة قام بها برفقة وفد عسكري إلى تبوك حيث يتمركز اللواء الحادي عشر بقيادة الفريق طراد الحارثي، وهو الجزء المخصص للمشاركة مع القوات العربية المشتركة، وكان الفريق سعيد العمري – والد كاتب هذه السطور – قائداً لمنطقة تبوك والخليج آنذاك، وتم التباحث حول رغبة مصر بأن تضع على الجزيرتين قوات مصرية للحماية والمراقبة، خصوصاً وأن القوات المصرية كانت تقوم بتلك المهمة حتى العام ١٩٥٦م. وقد حررت وثائق رسمية بهذا الخصوص وكان من بين الحضور عدد من الضباط المصريين والسعوديين منهم الفريق علي قباني والعميد طاهر مختار وكانا من ضمن فريق العمليات في القيادة الموحدة لجيوش الدول العربية بقيادة مصر حينذاك.

نشبت الحرب ١٩٦٧م بين مصر وإسرائيل إنطلاقاً من إغلاق “مضيق تيران” أمام الملاحة، بعد طلب من الرئيس المصري جمال عبدالناصر برحيل القوات الدولية المتواجدة في المنطقة، واعتبر قرار إغلاق المضيق بمثابة إعلان حرب الذي على إثره فاجئت إسرائيل القوات المصرية بالهجوم. بقيت الجزر وشبه جزيرة سيناء محتلة من إسرائيل حتى تم توقيع إتفاقية كامب ديڤيد في مارس من العام ١٩٧٩م، وخضعت الجزر وسيناء للتصنيف ضمن المنطقة (ج) المنزوعة السلاح في الإتفاقية، وتم وضع قوات متعددة الجنسيات على جزيرة “تيران” كجزء من الإتفاقية. المثير، أن الڤيديو الذي يصور حديث الرئيس الراحل حول الجزيزتين بتاريخ ٢٢ مايو ١٩٦٧م، وبالأخص مضيق تيران كان في سياق الإعداد للتصعيد العسكري مع إسرائيل وتم الإستشهاد به بالأمس كنوع من القرائن بملكية وسيادة مصر على الجزر، وهذا ما ساعد على البلبلة واللغط.

تشير الوثائق والمكاتبات الرسمية بين السعودية ومصر، ومنها خطابات متبادلة بين عصمت عبدالمجيد وزير الخارجية المصري، والأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، على أن الجزيرتين تحت السيادة السعودية، لكن كعادة السياسة الخارجية السعودية المعروفة بتعاملها مع بعض القضايا الحساسة بنوع من السرية والكتمان لم تخرج إلى العلن، خصوصا وأنه لم يكن هناك خلاف أو نزاع بين الدولتين على ملكية وسيادة الجزر. ولم يظهر موضوع الجزر للعلن، أيضاً، لأن هناك جزر محتلة وهذا يشكل نوع من الإحراج، من ناحية، كما أن هناك موضوع إسرائيل الذي يشكل حساسية بالغة، من ناحية أخرى. المهم في هذا الشأن أن د. مفيد شهاب من رجال القانون المشهورين في مصر وشارك في الدفاع عن قضية مصر لإسترداد “طابا”، سبق له أن كتب كتاباً يوضح فيه الكثير من الملابسات حول الجزر، ويؤكد ملكية وسيادة السعودية على الجزر. حسب ما أفادنا به السفير أسامة نقلي مدير الدائرة الإعلامية بوزارة الخارجية السعودية، الذي تواصلنا معه لإفادتنا في هذا الأمر.

ستمر إتفاقية تعيين الحدود البحرية التي تم التوقيع عليها بالإجراءات الدستورية والقانونية الطبيعية لتكتسب الصبغة النهائية، وإذا لزم الأمر وتم تصعيد لغط الشارع والإعلام، فقد يلجأ الرئيس المصري إلى المحكمة الدستورية العليا لإستصدار فتوى من المحكمة مرفقاً كامل الوثائق القانونية بالإتفاقية والجزر، لتحديد طبيعة الوضع المصري ليتم الفصل بواحد من أمرين: الإدارة والحماية أو التملك والسيادة. فإذا كانت الجزر تحت الإدارة أو الحماية المصرية فمن حق الرئيس توقيع الإتفاقية، أما إذا قررت المحكمة الدستورية أنها تتبع للسيادة المصرية، فلا يملك الرئيس أو الحكومة أو البرلمان تغيير ذلك، إلا من خلال الإستفتاء المباشر من الشعب. ونجزم بأن المباحثات بين الجانبين قد أُستكملت وتم الأخذ بعين الإعتبار كافة المسائل والخطوات الإجرائية والقانونية. ومن المهم أن يتنبه المهتمين بهذا الشأن في التفريق بين: الحماية، الإدارة، الحيازة، الملكية، والسيادة. فلكل مصطلح منها تفسيراته الدستورية. فالسودان، على سبيل المثال، كان لها إتفاقية مع مصر لإدارة مثلث “حلايب”، لكن هذا لم يعطي السودان الحق في زعم السيادة على ذلك المثلث.

إختلف بعض الشخصيات الإعلامية في مصر على الموضوع في قناة CBC المصرية التي أفردت حلقة كاملة لمناقشة الموضوع بكل حيادية. فالأستاذ عبدالله السناوي يرى أهمية طرح موضوع سيادة الجزر على التحكيم الدولي، بينما الدكتور ضياء رشوان يرى أن التحكيم الدولي يتم في حال وجود نزاع لم تتمكن الدولتين حله. أما د. أيمن سلامة فقد أكد على قناة آلبي بي سي BBC العربية، عدم سيادة مصر على الجزر. أما نحن فنقول هنا، أن ملكية وسيادة جزر صنافر وتيران لم تكن يوماً محل نزاع بين السعودية ومصر كما تؤكده الوثائق والإتفاقيات الدولية والرسائل السياسية والتفاهمات العسكرية، وأن الإتفاقية لتعيين الحدود البحرية ليست إلا تأكيد مباشر وواضح بأن الإدارة والحماية عادت للسعودية بعد أن زالت أسباب إدارتها أو حمايتها من طرف أخر. وقد بعثت مصر برسالة الى إسرائيل تخطرها فيه بإنتقال إدارة الجزيرتين وما يتبعها من إلتزامات إلى السعودية. كما أن وزير خارجية السعودية قد أكد إلتزام السعودية بالجزء الخاص بالجزيرتين في إتفاقية السلام الموقعة في مارس من العام ١٩٧٩م، ولن تنسق السعودية مع إسرائيل بشأن الجزر.

تبقى إسرائيل المشكلة الكبرى وليست بالسهولة التي حاول وزير الخارجية السعودي رسمها في المقابلة التلفزيونية، وأنه سيتم التحاور مع القوات متعددة الجنسيات وليس إسرائيل، فتلك القوات تابعة للأمم المتحدة، ويمكن إستبعادها بقرار من صاحب الملكية والسيادة في أي وقت. أما إسرائيل فستستغل إنتقال إدارة الجزر والسيادة عليها إلى السعودية، في عدة أشكال للاستفادة من التغير الجديد، خصوصاً وان الجزر تقع ضمن إتفاقية دولية ملزمة موقعة بين مصر وإسرائيل. وسيكون على السعودية التعامل بأحد أمرين: (١) محادثات مباشرة مع إسرائيل وتوقيع إتفاقية بين السعودية وإسرائيل حسب الصيغة الجديدة؛ أو (٢) تفويض من السعودية إلى مصر بالتفاوض مع إسرائيل كطرف ثالث بحكم مرجعية مصر وعلاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل. وفي ظننا أن الجزر ستفتح مجالاً خصباً للخيال الإسرائيلي لإستغلال الوضع الجديد للجزر أفضل إستغلال لتحقيق منافع إستراتيجية وسياسية وإقتصادية وثقافية إلى أخر تلك المنظومة، فالمكر الإسرائيلي ليس له حدود.

جزيرتي “صنافير وتيران” هي سعودية ١٠٠٪‏ في الملكية وضمن السيادة السعودية. فإذا كانت مصر الشقيقة قامت بإدارتها أو حمايتها أو وضع عدد من جنودها أو مخفر شرطة عليها بتنسيق أو من دونه مع السعودية لظروف معينة خاصة أو دولية، فالإدارة أو الحماية لا تسبغ شرعية أو حيازة أو ملكية أو سيادة، هذا مايؤكده القانون الدولي. وإذا كان أي من الدولتين قد وضعت هذه الجزر ضمن المنطقة الرمادية أو دائرة التعتيم الإعلامي لأسباب تخص الدولتين، فهذا لا يعني ضياع أو فقدان تبعيتها. والأهم من ذلك، أنه إذا قامت جهات في مصر خطئاً برسم خرائط توضح فيها أن الجزر مصرية السيادة مما أوهم العامة من الشعب المصري بأن الجزر مصرية، فهذا لا يعني السعودية أيضاً، وليس بذي أهمية في القانون الدولي. الأهم، أن السعودية قد تحتاج أو تتمنى جزء من نهر النيل العظيم لسد حاجتها من المياه، لكنها بالتأكيد لا تريد مزيداً من الأراضي أو النزاعات، ولا مصر أيضاً، وهذا ماتم في إتفاقية تعيين الحدود البحرية.

أخيراً، بقي أن نقول أن ما أثير حول الجزر من خلاف وطرحه في الإعلام بكل أشكاله هو ظاهرة صحية لا يجب مطلقاً أن يشكل حساسية لدى أي من الطرفين، وإذا كان القرار السياسي والإستراتيجي قد توج العلاقات بإتفاقيات شاملة في كل شيء تقريباً، فإن العلاقات بين الشعبين هي الأساس والأصل. وهل من علاقة طبيعية بين الشعوب من دون إختلاف ونقاش وحوار وحتى لغط؟ ختاماً، الزيارة الملكية لمصر بحجمها وتاريخيتها وشموليتها وما عززته من أواصر بين الدولتين والشعبين، أقوى من أي محاولات يائسة بائسة للإستغلال والتسطيح من بعض المغرضين، كما أن تسليط الإتفاقيات الموقعة مؤخراً وتركيزها على ماينفع المواطن المصري مباشرة تعتبر ميزة كبرى ومستجدة في نهج المساعدات السعودية الخارجية. فالإنسان أهم من المكان، والبشر أغلى من الحجر. حفظ الله الوطن والجزر.

التعليقات