كتاب 11

12:07 مساءً EET

الزيارة الذكية!

استخدمت الكثير من العبارات، لوصف زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لجمهورية مصر العربية.

استخدمت عبارات كالتاريخية، والاستثنائية، والمهمة، وغيرها. ولكني أعتقد أن الوصف الأنسب لهذه الزيارة هو «الذكية»، فالزيارة أتت في توقيت عبقري لإرسال سلسلة من الرسائل اللافتة والمهمة جدا، إلى أطراف مختلفة؛ فهناك رسالة مدوية تقول، إن السعودية ومصر قررتا أن تكون علاقاتهما «مصيرية»، فيها وحدة الهدف، بالدعم الموجه لمفهوم الأمن والاستقرار والتنمية. وكل ما تم إطلاقه من مبادرات ومشاريع وسياسات، جاء بعد تنسيق غير مسبوق، واجتماعات مخصصة، كانت تتم كل أسبوعين بالتناوب بين الرياض والقاهرة، وبالتالي كانت القرارات الصادرة تتم بتنسيق دقيق وعميق، لا ارتجال ولا عواطف فيها.
الإعلان «السار والمفاجئ» عن إنشاء جسر الملك سلمان، الذي سيربط بين البلدين، سيتحقق من وراء إنجازه كثير من الفوائد الاقتصادية والاستثمارية، ليس فقط بين البلدين، ولكن بين القارتين الأفريقية والآسيوية. فليس بخاف أن السعودية أجرت الكثير من الاتفاقيات الثنائية مع الهند ومع الصين، لنقل الكثير من حراكها الاقتصادي. الخط البري المزمع إطلاقه عن طريق جسر الملك سلمان سيجعل منطقة شبه جزيرة سيناء، مصب الجسر، منطقة حرة لإعادة تصدير البضائع، فتتحول بالتالي إلى منطقة تنموية، تحيي المنطقة التي تأثرت سلبا بالإرهاب والبطالة، وبالتالي تصبح، بصورة غير مباشرة، هذه النوعية من المشاريع العملاقة، إحدى وسائل محاربة الإرهاب. كذلك الأمر بالنسبة لإطلاق جامعة الملك سلمان في سيناء، فهي من نفس المنطلق، ستسهم في إحياء الأرض بالعلم، وإشغال الناس بما ينفعهم ويثري حياتهم.
لقد تم توقيع حزمة هائلة من الاتفاقيات الاستراتيجية بين البلدين، في قطاعات حيوية وغير مسبوقة، مثل الإسكان والتعليم والزراعة والعمل.
ومن دون مبالغة في الكلام، تم وصف الوفد السعودي الذي رافق الملك سلمان في رحلة القاهرة، بأنه الأكبر في تاريخ الرحلات الملكية، سواء من ناحية العدد أو الكيفية، كما تم الاختيار بعناية فائقة، وشديدة الدلالة.
واستمرارًا لرؤية «ذكاء» هذه الزيارة، جرى الإعلان عن الدعم السعودي لمشروع تطوير مرافق مستشفى القصر العيني، الذي يعد في الذهنية المصرية أهم من وزارة الصحة نفسها، وهناك ارتباط عاطفي شديد القوة بهذا المكان، وبالتالي كان صدى هذا الدعم أضعافا مضاعفة في الوجدان الشعبي العام.
نفس الأمر كان بالنسبة للدعم الذي تلقاه الأزهر في مشاريع التوسعة العلمية المنتظرة، وهي خطوة داعمة جيدة لدعم منارة الوسطية في العالم الإسلامي، وتطوير أدائه بشكل يخدم الجميع. وكذلك كان الأمر بالنسبة لما قدمه صندوق التنمية السعودي، الذي وجه دعمه إلى مشاريع تخدم البنية التحتية في مصر، ولعل أهمها كان في قطاع الكهرباء الحيوي، وطبعا صاحب ذلك التوجه الحكومي متابعة من القطاع الخاص السعودي، الذي «لقط» الإشارة، وأطلق سلسلة مهولة من الاستثمارات والمبادرات، وأسس شركات عملاقة تخدم قطاعات متنوعة، لعل أهمها شركات مساندة لمنطقة قناة السويس الجديدة، والتي من المعروف أنها محل اهتمام استثنائي من الإدارة المصرية.
الزيارة الملكية لمصر حققت أهدافا «نفسية» عظيمة؛ فهي قطعت الطريق على دول إقليمية وعربية كانت تسعى لوقيعة وإحداث شرخ في العلاقة بين مصر والسعودية، وكانت تحاول شن حملات إعلامية متواصلة في هذا الاتجاه، والأهم إتمام وضع خريطة طريق للعلاقة بين البلدين، تحكمها رؤية جديدة شمولية، فيها منافع ومكاسب للطرفين في الأصعدة كافة، وهذا بحد ذاته تحول هائل في مفهوم العلاقة السوية والناجحة.
زيارة الملك سلمان للقاهرة لم تكن تاريخية فحسب، بل كانت زيارة في منتهى الذكاء، نظرا لكم الرسائل التي وجهت في فترة قياسية، وتشبيه هذه الزيارة بزيارة الملك المؤسس عبد العزيز لمصر ليس فيه مبالغة، بل كأن التاريخ يعيد نفسه.

التعليقات