كتاب 11
الملك سلمان في القاهرة
يبدأ العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز زيارة إلى مصر وُصفت بالمهمة والتاريخية. وتجيء هذه الزيارة في ظروف صعبة تمر على المنطقة العربية.. ظروف أمنية وسياسية واقتصادية غير عادية. ويُنظر اليوم للسعودية ومصر على أنهما دولتان «ثقيلتان» قادرتان على دعم عوامل وعناصر الأمن والاستقرار في المنطقة. والدولتان تحرصان باستمرار على مواصلة تأكيد أهمية العلاقات بينهما، وبث روح التفاؤل والأمل والعمل المشترك في كثير من القضايا والمصالح المشتركة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ومع كل ذلك، هناك «قوى» تتربص بالعلاقات السعودية – المصرية، ولا تريد لها الاستقرار ولا التطور، وتقوم بعمل سلسلة «غير بريئة» من الحملات الإعلامية ضد هذا التوجه، وهذا الأمر موجود في البلدين عبر أبواق معروفة ومكشوفة، وهي أبواق موجودة في البلدين، ترى العلاقة بين البلدين من منظور «إخواني» أو «قومي» في المقام الأول، وهي أصوات تحولت مع الوقت من أصوات ناقدة إلى أصوات عدائية.
الحقيقة تقتضي أن يحصل للعلاقة بين السعودية ومصر انتقال حقيقي في مفهوم العلاقة الاستراتيجية، فالدعم الاقتصادي الموجه من السعودية إلى مصر من المطلوب أن يتحول إلى سياسة تستفيد منها الشركات السعودية لتنفيذ المشاريع التي تمولها رؤوس الأموال السعودية الداعمة، بحيث يتم ويكون الدعم وجه استفادة لشريحة عظيمة من الشركات السعودية، وكذلك من الشركات المصرية التي ستكون مصدرًا لكثير من المواد الخام والمقاولات من الباطن، وبذلك تتكون المصالح الاستراتيجية المشتركة للدولتين مع القطاع الخاص فيهما، ويتم تعزيز حقيقي لمفهوم العلاقة الاستراتيجية بين البلدين.
المفروض أن ترقى العلاقة الاقتصادية لتكون مفهومًا «استثنائيًا» في كل القوانين والأنظمة، بحيث تلقى العقبات الاستثمارية الموجودة الأولوية الحقيقية للعلاج تمامًا كما كان يحصل سابقًا في اتفاقية «الكويز» بين مصر والولايات المتحدة وإسرائيل.
مع شديد الأسف، يبدو أن الطموح السياسي وحسن الظن الموجود بين الحكومتين لا يواكبه الأداء الحكومي نفسه في تذليل العقبات وتحسين المناخ الاستثماري بينهما، فلا الشركات السعودية استطاعت أن تلقى الحل لمشكلاتها في مصر، ولا الشركات المصرية وجدت المناخ المناسب للاستثمار في السعودية.
الزيارة الكبرى تأتي لإحداث نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين، وهناك «إعلان القاهرة» المنتظر إطلاقه بين البلدين، الذي سيقدم رؤية جديدة عن العلاقة المنشودة بين البلدين، والخطوات المرجو اتباعها لتأسيس مفهوم جديد للتكامل الاقتصادي والسياسي العربي.
السعودية ومصر يجمعهما كثير من الإرث والمصالح المشتركة، وهي القاعدة التي تؤسس العلاقة بين البلدين، وإذا كان هناك اختلاف في بعض الملفات وعدم وجود اتفاق كامل، فإن هذا لا يمنع وجود الوفاق على الصورة الكبيرة والأهداف العريضة والخطوط الأساسية.
يصل مع العاهل السعودي في رحلته إلى مصر وفد كبير من مستويات مختلفة تأكيدًا على رمزية الزيارة وأهميتها، وسيكون العالم العربي متابعًا بشغف للبيان الختامي ولتفاصيل الزيارة، نظرًا لما يحمله مشهد الزيارة من دلالة على ما هو آتٍ.