أفضل المقالات في الصحف العربية

12:25 مساءً EET

خيار ما بعد خطاب مرسي إما رحيل الشعب او بقاء الرئيس!

 
الرؤى الحالمة ‘الرومانسية’ لا تصلح مع واقع محتقن تغطي أزمته المجتمع بأسره، وتترك بصماتها على كل ما فيه، وتوهم المواطنون أن ‘بتوع ربنا’ حسب الوصف المصري الشائع للملتحين ومعتمري الطرحة البيضاء والجلاليب من الرجال؛ توهموا أنهم من طينة غير طينة البشر، وأثبتت تجربة مكتب الإرشاد في الحكم أن ما يجري على أرض مصر عكس ذلك تماما، وقد سرحت في الخيال بعيدا متخيلا أن مرسي قد يحذو في خطابه الذي وجهه يوم الأربعاء الماضي حذو شارل ديغول أو جمال عبد الناصر، حيث تعامل الأول مع ثورة الشباب ببرنامج جديد، واشترط له الحصول على أكثر من ستين في المئة من أصوات الناخبين، وإلا فإنه سيعتزل السياسة، ويذهب إلى قريته يقضي فيها ما تبقى له من عمر، وهذا ما حدث.

وعبد الناصر عندما فاجأته الهزيمة لم يقدم دفاعا واحدا يعفيه من المسؤولية ولاحظ وهو يراجع مسودة خطابه، الذي أعلن فيه التنحي وجود عبارة تقول: ‘أتحمل نصيبي من المسؤولية’ فقام بشطبها واستبدلها بنص آخر يقول: ‘أتحمل المسؤولية كاملة’.هكذا كانت العصور العظيمة برجالها الكبار ذوي الهامات العالية والأنوف الشامخة، وكانت القائمة طويلة فيما بعد الحرب العالمية الثانية؛ أيزنهاور وفيما بعد كنيدي في أمريكا، وأديناور وديغول في أوربا، إلى عبد الناصر وبن بيلا ومحمد الخامس وشكري القوتلي من الوطن العربي، ونكروما ونيريري ولومومبا وسيكو توري وموديبو كيتا في إفريقيا، ونهرو وشو إن لاي وماو تسي تونغ وسوكارنو وسيهانوك وهوشي منه في آسيا، وغيفارا وكاسترو والليندي في أمريكا اللاتينية، وسرحت وأنا أتصور أن عصر أولئك الكبار وقد عاد، ويتصرف مرسي كما تصرفوا، ولأنهم كانوا قادة للتحرير والاستقلال الوطني والمقاومة فمن الطبيعي أن يتصرفوا هكذا، وتراجعت ولمت نفسي ‘الأمارة بالأحلام’ في زمن القحط، وقلت لها كيف تجوز مقارنة العزة بالمهانة أو الزعماء بالسماسرة أو القادة بالموظفين.من كان منهم يتحمل ما يتحمله مرسي من رفض وإهانات وهجوم ويبقى على مقعده يوما واحدا رهين السمع والطاعة لمكتب الإرشاد ومطالب الأهل والعشيرة في جماعة الإخوان وحزبها؟، ويُفرض عليه الاستسلام لقدراته المتواضعة وينتقل من فشل إلى فشل ثم لا يستقيل؟ ويبقى أسير عشوائية منفلتة في التعامل مع القضايا الحيوية والمصيرية؛ والتعامل بخفة في أزمة مياه النيل، والعجز عن مواجهة الإرهاب في سيناء، ثم الطامة الكبرى بإعلان الحرب على سوريا، أما أزمات الداخل فحدث عنها ولا حرج من شح الوقود وانقطاع الكهرباء وتفاقم البطالة وفوضى الشارع وانتشار البلطجة فحمّلها كلها للناس، واكتفى بانبهاره بمنصبه، وأفقدته السكرة الشعور بالنيران المشتعلة في مقعده ولا القنابل المعدة للانفجار تحته.في محاولة للبحث عن سر ظاهرة مرسي، التي أتصورها نتاج صراع بين إمكانياته المتواضعة وجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه. وأفقدته ‘صدمة المنصب’ اتزانه.. فهو يحتل أعلى منصب لكنه ليس صاحب قرار، وعليه أن يتحمل صدام مكتب الإرشاد مع كل السلطات والمؤسسات والقوى السياسية، وهذا جعله بمعزل عن الدولة، وشل يده فلا تستطيع أن تفعل شيئا.وجاءت خفة وزنه مقارنة بخيرت الشاطر ومحمد بديع فحالت دون أن يكون صاحب كلمة حاسمة في شؤون البلاد والعباد، وكان ينفس عن ذلك بخطابات عنترية وتصريحات جوفاء، ومعلومات مفبركة؛ فزادت عليه المشاكل وحاصرته العداوات، ولم يتخل في خطابه عن لغة التهديد والوعيد؛ مؤكدا على أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس الأعلى للشرطة؛ تخويفا وترهيبا، وأثرت طريقة وصوله إلى المنصب الرئاسي بعشوائيتها وارتباكها، التي صنعها مكتب الإرشاد، وكانت مواقفه تتغير من النقيض إلى النقيض ونقض عهوده بشكل مستمر أفقدته الثقة في النفس وقضت على وزنه الشخصي والسياسي.وهو ابن ذلك المناخ وتجسيد للتغيير المستمر لاراء ومواقف مكتب الإرشاد، الذي وجدناه يصرح بأنه سينافس على ثلث مقاعد مجلس الشعب ‘المنحل’، ثم يقول بعدها بفترة وجيزة أنه ينافس على النصف، إلى أن ترشح حزب الحرية والعدالة على كل المقاعد، ونفى التقدم لانتخابات الرئاسة ثم وجدناه يتقدم بمرشح أساسي وآخر احتياطي. وزادت الخضات والهزات وضع الجماعة تعقيدا، وشوهتها لدى الرأي العام، ويبدو أنها تصورت أن فرصتها مواتية مع وجود الفراغ السياسي، وعليها اقتناصها، وإلا ضاع منها كل شئ.ومع ‘الغزوات الطائفية والمذهبية’ تحقق النصر في ‘غزوة الصناديق’، وكانت فاتحة للتعقيدات والمصائب وكشفت عن وجه وحشي لأولئك الغزاة لم تعهده مصر من قبل، ونتج عنها حصول الإخوان والسلفيين على أكبر قدر من الغنائم، وكأنها وقعت على ‘مغارة علي بابا’ السياسية وما فيها من مجوهرات ونفائس، وبينما استحوذوا على كل ما في ‘المغارة’ لم يسمحوا للسلفيين بتجاوز حد ‘المؤلفة قلوبهم’!!.وحصلت على رئاسة مجلس الشعب قبل حله، وترأس صهر مرسي مجلس الشورى، وكانت المشكلة نصيب كبيرهم خيرت الشاطر من الغنيمة، وكان طامحا في نصيب الأسد، وتتوفر فيه المواصفات المطلوبة لمرحلة التمكين؛ بسطة في الجسم ووفرة في المال وقدرة على التحكم، واقترب من الجلوس على عرش مصر، وبسبب وضعه القانوني الملتبس جاءوا بمرسي كاحتياطي، لينزل إلى الملعب بلا مهارات ولا دراية أو تدريب أو موهبة أو حتى حضور (كاريزما).. وكان ما كان وكشف العام الماضي مستوى من الأداء شديد التدني والانهيار في كل المجالات.وبدا ما جرى وكأنه سلسلة من الكوابيس، كان آخرها ذلك الحكم الذي كشف أن أول رئيس منتخب سجين هارب، وقد صدر منذ أيام، ونظر إليه المراقبون باعتباره حكماً تاريخياً فى قضية الهروب من سجن ‘وادى النطرون’، وقبول الاستئناف فى قضية اقتحام السجن انتهى إلى إحالة ملف القضية إلى النيابة العامة للتحقيق مع 34 متهما ؛ بينهم محمد مرسي وعناصر من حماس وحزب الله، فضلا عن أن المحكمة كلفت المحكمة النيابة العامة بالتحقيق مع محمد مرسى و33 آخرين بتهمة التخابر واقتحام السجون والإرهاب وقتل 13 سجيناً من النزلاء، والاعتداء على القوات وسرقة أسلحة وذخائر، وكان من واجب مرسي أمام حكم بمثل هذه الخطورة أن يحدد موقفا، لأن الأمر يستوجب رفع الحصانة عنه حتى تتمكن النيابة من التحقيق، وهذا الحكم غير المسبوق أطار عقول قادة الإخوان وحزب الحرية والعدالة الذين وصفوه بالبطلان بما لا يجوز مع الأحكام التي تصدرها المحاكم أيا كان الرأي فيها، وهناك سبل قانونية وقضائية للطعن والنقض.واعتمد الخطاب على معلومات مغلوطة أو أكاذيب معتادة، وما أعلنه مركز ‘عدالة’ ينفي ما ورد في الخطاب بعدم وجود معتقلين سياسيين، الذين وصل عددهم فى عهد مرسى إلى 3460 معتقلا، وبينت المعلومات الصادرة عن نفس المركز أن القبض العشوائي على المتظاهرين تجاوز الحد خلال مظاهرات الذكرى الثانية لثورة يناير ووصل إلى 1250 معتقلاً، إلى جانب سجل حافل عن حالات التعذيب المفرط الذي أدى إلى استشهاد محمد كريستي ومحمد الجندي وحمادة أبوشيتا، بجانب حالات ضرب وسحل بواسطة رجال الداخلية التى رصدتها مراكز حقوقية عدة، ومنها ما كان بتوجيهات مرسي حسب أوثق المصادر، وبعضها تم على يد ميليشيات تابعة له شخصيا أمام وداخل أسوار القصر الجمهوري المعروف بالاتحادية.ونأتي إلى عقدة ما يسمى بـ’النخبة’ فمن البداية فهذه الصفة تعني التمييز بين المواطنين على غير أساس. ولماذا التفرقة بين مواطن وآخر بسبب الرأي والسياسة ويكفي أن يوصف الفرد المعني بالناشط والمجموعة المقصودة بالنشطاء، ولن ينصلح حال مصر إلا بالتخلص من كل ما يميز بين مواطن وآخر.وعقدة مكتب الإرشاد وملحقاته اسمها ‘النخبة’؛ يصبون جام غضبهم عليها، وهي متهمة دائما بالعجز، وعلى افتراض صحة هذا الاتهام فما شأن مكتب الإرشاد بعجزها أو كفاءتها، وماذا تملك ‘النخبة’ المفترضة؛ فليست لديها مليشيات ولا قوات خاصة أمام غول العنف الذي يفترس المجتمع والدولة.ولا يتبقى إلا ما تشيعه الآلة الإعلامية الجبارة لمكتب الإرشاد فتدعي ان مرسي ‘رئيس ظلمه شعبه’. ولماذا لا تقول أنه ظلم نفسه، وظلمه مكتب الإرشاد الذي وضعه في مكان أكبر من حجمه وقدراته المتواضعة، وأخذه لحسابه ولم يجعل منه رئيسا منتخبا لكل المصريين، وكان عليه إذا ما وجد المنصب أكبر منه أن يقبل استقالته التي قدمها في بداية هذا الشهر، فالعلاقة بينه وبين الشعب وصلت إلى طريق مسدود، وهذه المناطحة ليست في صالح مرسي ولا مكتب الإرشاد أو لصالح مستقبل الجماعة، فالاستقالة قد تتيح لها ولحزبها فرصة البقاء على الخريطة السياسية أما إذا خلعه الشعب فمصير الجماعة والحزب يصبح على كف القدر، فالصراع الآن ليس صراع منظمة محظورة ضد سلطة حاكمة إنما معركة حياة إو موت بين شعب لا يتحملها. وكان عليها أن تتعلم إما من نموذج شارل ديجول أو جمال عبد الناصر وكيف كان كل منهما يتصرف في مواجهة الأزمات والكوارث، ومصر في كارثة أكبر من كارثة 1967، أم أن الحل الذي أوحى به الخطاب هو رحيل المصريين وبقاء مرسي.!!
 

التعليقات